صفحات الناسوليد بركسية

سوريون يتصدون لتطرف “القاعدة” في إدلب/ وليد بركسية

 

 

ليس سراً أن أحد أسباب “فشل” الثورة السورية، وتحولها المفاجئ نحو الأسلمة بعد سنواتها السلمية – المدنية الأولى، هو إطلاق النظام السوري لمئات الجهاديين المتطرفين من معتقلاته العام 2011 من أجل حرف الثورة عن مسارها، لتحصيل امتيازات سياسية/عسكرية لاحقاً. وتتعدى مكافحة التنظيمات المتطرفة، فكرة استعادة الأراضي التي استولت عليها تنظيمات مثل “داعش” الذي أنشأ دولة الخلافة المزعومة، نحو التصدي لخطر الأيديولوجيا الراديكالية التي وجدت بيئة حاضنة لها في البلاد، ما يعني إمكانية انبثاقها من جديد بعد زوالها الوشيك، في حال توافرت الظروف المناسبة، لا سيما مع فقدان الأمل في حل سياسي حقيقي ينهي المظالم الاجتماعية التاريخية في البلاد.

وعلى هذا الأساس، أطلقت مجموعة من الناشطين السوريين حملة بعنوان “سوريون ضد التطرف”، من أجل التنبيه والتوعية على خطر التطرف والفكر، على المجتمع السوري بكل مكوناته، باستهداف أكبر شريحة ممكنة قد تنجح التنظيمات الارهابية في استقطابها، في أعقاب التحولات الشكلية للتنظيمات المتطرفة مؤخراً، مثل تغيير اسم “جبهة النصرة” المرتبطة بتنظيم “القاعدة” ليصبح “فتح الشام” ثم “تحرير الشام”، ولعبها على وتر مؤثر في التركيبة السكانية مثل الاندماجات والتكتلات والادارات المدنية والحريات.

وتهدف الحملة إلى الحد من انتشار الفكر المتطرف، خصوصاً في طبقة الشباب والمراهقين، التي تعمل التنظيمات المتطرفة على كسبها لاستغلالها في تنفيذ مصالحها. إضافة إلى تقديم الصورة الحقيقية لتنظيم “القاعدة”، رغم محاولاته الحثيثة لتمويه وجهه الحقيقي، في محاولة لتقويض جهود التنظيم، مهما اختلفت تسمياته، في الحصول على قاعدة شعبية وكسب تأييد السكان، ولإبعاد القوى المختلفة في مناطق انتشار “النصرة” عن مشاريعها ومخططاتها.

ويرى مدير الحملة، نسيب عبد العزيز، أن الحملة “ليست وليدة المرحلة وإنما هي خطوة في مسيرة بناء سوريا مدنية سليمة تنبذ العنف وترفض الإرهاب”، لأن “الوقوف في وجه التطرف والإرهاب قضية تبناها عدد كبير من ناشطي الثورة السورية ورجالاتها ومفكريها، وحذروا حتى من قبل دخول هذه التنظيمات من العواقب التي قد تتعرض لها الثورة الثورية وتهدد أهدافها المشروعة في الحرية والكرامة”.

ويضيف عبد العزيز في حديث مع “المدن” أن “الحملة موجهة بشكل رئيسي للمجتمع السوري بكافة شرائحه، وخصوصاً شريحة المراهقين والشباب، كما أنها تشمل عناصر استطاعت التنظيمات المتطرفة بشكل عام و”جبهة النصرة” بشكل خاص، خداعها واستقطابها عبر وسائلها التي تلاعبت بالمفاهيم الدينية والقيم الأخلاقية”، علماً أنها تنشط بجهود شباب مدنيين من شرائح مختلفة في المجتمع السوري.

والحال أن مكافحة التطرف باتت موضوعاً رائجاً في الخطابات السياسية المحلية والعالمية، ومحركاً أساسياً للسياسات تجاه الشرق الأوسط عموماً، حيث يتعامل كل طرف في سوريا تحديداً مع التطرف والإرهاب من منظوره الخاص لأهداف سياسية. فيدعي النظام السوري وحلفاؤه، على سبيل المثال، محاربة التنظيمات الإرهابية، رغم أن النظام في حد ذاته يمثل نموذجاً في إرهاب الدولة، ناهيك عن التنسيق المضمر مع بعض هذه التنظيمات. وهو، بالنسبة إلى القيمين على الحملة، ما يجعل الحاجة ماسّة إلى وضع محددات للإرهاب والتطرف كمصطلحات فضفاضة.

وعليه، ترى الحملة، التطرف، “خروجاً عن النسق العام ومنظومة القيم والمبادئ والأفكار الشائعة والرائجة والمتوافق عليها بين الناس”، مع التأكيد بأن “منظومة القيم والمبادئ ليست محلية خالصة نابعة من موروث المجتمع فحسب، بل تعتمد على مرجعيات أممية تواضعت البشرية حولها وسطرتها في جملة من المواثيق والمعاهدات الدولية”، وبالتالي يكون التطرف “جذراً تنمو من خلاله تباعاً ظواهر الغلو ومن ثم وبشكل حتمي الإرهاب”.

ويؤكد عبد العزيز هنا أن الحملة عامة من خلال تحديدها لمفهوم التطرف، لكنها ستكثف أنشطتها بشكل خاص في مناطق الشمال السوري، وبالتحديد محافظة إدلب وريف حلب الجنوبي والغربي وريف حماة الشمالي، وهي مناطق تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” المتطرفة، والتي تعمل على تغييرات شكلية لا تعكس صورتها الحقيقية بهدف تحقيق استمرارية لها في المجتمع السوري على المدى البعيد.

وتعمل الحملة على مستويات عديدة، منها النشاط عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل نشر التوعية والمعلومات حول خطر التنظيمات الجهادية إضافة للنشاط على الأرض، من خلال نشر رسوم “غرافيتي” وشعارات تحذر من خطر التطرف، ومنشورات بتصاميم وأفكار واضحة ولغة بسيطة موجهة للمدنيين في مناطق “تحرير الشام”، وهو أمر يعرض ناشطي الحملة لخطر الملاحقة من عناصر الهيئة بكل تأكيد، ما يجعل عمل الناشطين سراً والتكتم على هويتهم أمراً ضرورياً.

ومع تغير مسار الثورة السورية، وجد عدد كبير من معارضي النظام أنفسهم يحاربون على جبهات متعددة في وقت واحد، خصوصاً بوقوفهم في وجه التنظيمات الجهادية التي يتهمهم النظام أصلاً بالانتماء إليها، وهو تعميم ساذج يخلو من المصداقية. لكن معظم نتاج الثورة السورية في الفترة الأخيرة، بدأ يكرس نفسه بشكل شبه كامل للوقوف في وجه الإرهاب والتطرف، وهو أمر لم يحصل باكراً مع بداية سيطرة الجهاديين على المشهد الثوري العام، وتحديداً من النخب السياسية التي تعاطفت لفترة قصيرة مع بعض الحركات الجهادية في بداية ظهورها العام 2013.

ويعقب عبد العزيز: “قد يكون نتاج الثورة قد تحول مؤخراً لمحاربة التطرف والإرهاب، وهذا ما هدفت له التنظيمات المتطرفة منذ أن تطفلت على الثورة السورية لتهميش قضيتها بمفهومها العام كثورة كرامة ضد نظام مستبد شمولي مجرم، ولتغيير مسار التوجه العالمي الداعم والمتعاطف مع الثورة السورية ضد نظام الأسد باتجاه محاربة الإرهاب”. ويضيف أن “مواجهة التطرف من خلال توعية المجتمع السوري لخطره وعواقبه الكارثية، بدأت مع صيحات الثورة الأولى ولم تنته حتى الآن”، لافتاً إلى المخاطر التي تلاحق كل من يواجه التطرف والتي قد تنتهي بالاغتيالات وحوادث الاختطاف والقتل.

ورغم كثرة الحملات والمبادرات للتخفيف من أثر التطرف والبروباغندا الجهادية في الشرق الأوسط والعالم، والتي تقودها مراكز كبرى مثل مركز “صواب” أو “مركز مكافحة التطرف” وغيرها، إلا أن تلك المبادرات تعاني دائماً، نقص في الفعالية، وعدم قدرتها على إنهاء التطرف نفسه نهائياً، لكون ذلك يثير حساسيات مرتبطة بجذور الدين الإسلامي نفسه، مع تجاهل هذه العلاقة الحتمية بين الإرهاب والدين، ما يجعل جهود مكافحة التطرف سطحية، لأن معالجتها بصراحة تعني إثارة حفيظة الحاضنة الشعبية مع تحريض الجهاديين على ذلك، ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

وتسعى حملة “سوريون ضد التطرف” لعدم التعامل بسطحية مع التطرف، “فمن خلال ارتكازها على تحليل الخطر وأسبابه وطرق معالجته رأت قدرة التنظيمات المتطرفة على التلاعب بالمفاهيم الدينية الإسلامية لتخدم مشاريعها، واستخدمت في سبيل ذلك نصوصاً دينية شوهت مدلولاتها الحقيقية ونشرت أفكاراً مغلوطة بأسلوب خبيث مستغلة ميل المجتمع السوري الفطري للدين الإسلامي الحنيف المعادي للتطرف والعنف بكافة اشكاله. حيث حرص التطرف الديني في سعيه لترسيخ قيم القتل والعنف ومحاربته لثورات الشعوب ضد المستبدين وسعيها للحرية، على الاستشهاد بالنصوص القرآنية واستخدامها بطريقة مقززة في مساعيه”.. أي أن الحملة تعمل على “مواجهة التطرف الديني المبني على أسس لا تمت للإسلام الحقيقي بصلة من خلال إثبات خطأ المفاهيم التي تستخدمها بخبث التنظيمات المتطرفة”، وتعتمد الحملة هنا على جهود علماء دين ثقات للبت في القضايا الجدلية”.

ومن الطبيعي أن الحملة المبنية على أسس منطقية تحدد طبيعة التطرف وجذوره تقف ضد النظام الاستبدادي البعثي. ويؤكد عبد العزيز هنا أن “هشاشة المجتمع السوري، الناجمة عن تسلط نظام شمولي مستبد لعقود، جعلته عرضة للتطرف ولأمراض مجتمعية مختلفة لا يمكن أن يتعافى منها بشكل فوري، وتتطلب تكاتفاً وعملاً جماعياً، إضافة إلى البحث الدائم والمستمر لتعزيز مناعة المجتمع السوري تجاه أمراض وأخطار مؤهلة للانتشار في مثل هذه الظروف”.

وتعتبر حملات مواجهة التطرف، أولى خطوات العلاج، لحشد طاقات المجتمع وتحفيزه على مواجهة التطرف، ولا يمكن أن تصل الى نتائجها المرجوة من دون عمل جماعي متتابع على كافة الأصعدة، ولا يمكن قياس نتائجها مع انتهاء الحملة مباشرة، بل هي جزء من أثر تراكمي بعيد المدى.

العرب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى