إياد الجعفريصفحات المستقبل

سيناريوهان لمستقبل إدلب/ إياد الجعفري

 

حتى قبل أن ينجلي غبار المعارك التي اندلعت في إدلب، في الأيام القليلة الماضية، يبدو أن هذه الجولة من الاقتتال بين من يُفترض أنهم “أبناء البيت الواحد”، في الشمال السوري، أفضت إلى حصيلة نوعية. فحركة أحرار الشام لم تعد أحد أكبر فصيلين في إدلب. بل ربما تكون الحركة مرشحة للاختفاء، أو الضمور التدريجي. فيما أثبتت “تحرير الشام”، بنواتها الضيقة المتمثلة بـ “النصرة”، متانتها وثباتها على الأرض. ويمكن أن نقول، مجازاً، أنها باتت أقوى الفصائل في إدلب، على الإطلاق.

هي المرة الأولى التي تصبح فيها “تحرير الشام”، بنواتها ذات الأصول القاعدية، أقوى فصيل في إدلب. فقبل أسبوع واحد فقط، كانت هيئة “تحرير الشام”، تتقاسم المركز الأول من حيث القوة، مع حركة “أحرار الشام”. لكن الأخيرة تلقت ضربات قاصمة، كان أبرزها، القبول بالتخلي عن معبر باب الهوى، الذي يشكل مصدر دخل ضخم للحركة، وورقة قوة ناعمة تخدم تحالفها مع الأتراك.

المعبر سيُحال وفق اتفاق أُعلن مساء الجمعة، الى إدارة مدنية. لكن من الناحية العملية، باتت هيئة تحرير الشام، تسيطر على محيط المعبر، مما يضيف ورقة قوة إلى قبضتها.

ورغم تقدم فصيلين جديدين إلى مسرح الأحداث، وهما حركة “نور الدين الزنكي”، و”فيلق الشام”، إلا أن معظم القراءات تنحو إلى التأكيد بأن تحول الفصيلين إلى الحياد، وسط قبول من جانب هيئة “تحرير الشام”، مرجعه إلى رغبة الهيئة في الإبقاء على حالة مظهرية من التنوع في إدلب، تجنباً للاستهداف من جانب القوى الدولية التي ما تزال تنظر للهيئة على أنها ذراع حقيقي لتنظيم القاعدة. لكن، من ناحية موازين القوى العملية على الأرض، باتت هيئة “تحرير الشام”، هي أقوى فصيل، على الإطلاق، في إدلب.

ما الذي يمكن أن يترتب على ذلك؟، وكيف يمكن أن تتعامل هيئة “تحرير الشام” مع هامش الوزن الجديد الذي اكتسبته في تلك الساحة من سوريا؟

أول السيناريوهات المتوقعة، هو ذاك الذي حذّر منها قائد حركة “أحرار الشام”، علي العمر، في تسجيل مصور له، قبيل ساعات من وقف الاقتتال. إذ حذّر العمر من تحول إدلب إلى “موصل ورقّة جديدتين”، في إشارة إلى استهداف مرتقب من جانب القوى الدولية والإقليمية الرافضة لسيطرة تنظيم القاعدة على مساحة خاصة به من سوريا.

وهو سيناريو لطالما كان متوقعاً، منذ سقوط حلب في قبضة نظام الأسد وحلفائه. يومها، اعتبر معظم المعلقين، أن المصير نفسه سيتكرر في إدلب، التي ستكون نقطة “الحشر” للـ “المتطرفين”، حسب الأجندات الغربية والروسية، المتطابقة، والتي ستكون مرشحة للاستهداف المكثف، بعد الانتهاء من تنظيم الدولة الإسلامية. وهو سيناريو تلوح المؤشرات على أنه بات مرشحاً للتحقق، بعد أن أصبحت هيئة “تحرير الشام”، القوة الفاعلة الكبرى، في إدلب.

في المقابل، تُطرح سيناريوهات أخرى، أحدها يتحدث عن أن إغراء الرهان على “تحرير الشام”، كقوة ميدانية فاعلة، من جانب أطراف إقليمية، ما يزال قائماً. ويعتقد أصحاب هذا الرأي، أن معارك إدلب الأخيرة، زادت من قوة أوراق “تحرير الشام”، وإغراء اعتمادها لدى تلك الأطراف. وقد تكون تركيا نفسها أحد هذه الأطراف، وفق هذا الرأي.

باستثناء السيناريوهين المفصلين أعلاه، تندر السيناريوهات أو تخلو من جدية في الطرح. ويبقى السيناريو الأول، الأكثر ترجيحاً، ذلك أن الرهان لسنوات، على جذب “النصرة” إلى جادة “الاعتدال”، لطالما ادت الى الخيبة. فالعقلية التي تحكم قيادات هذا الفصيل، تتضارب مع أي إمكانية للبراغماتية على صعيد استراتيجي بعيد المدى. وإذا كانت “النصرة” قد أبدت ملامح براغماتية، فانها كانت دائماً براغماتية تكتيكية ظرفية، لا أكثر.

فمشروع قيادات النُصرة، ومؤيديها، مشروع آيديولوجي أممي، ركائزه غيبية، ويقين متبعيه به، كبير، الأمر الذي يظهر جلياً في شراسة مقاتليها، لكنه ينعكس سلباً في قدرة قياداتها على المرونة السياسية. فـ “الديمقراطية” في عُرفهم، “صنم”، وتطبيق “شرع الله” رأس غاياتهم. لذا يمكن ل”النصرة” أن تتعامل ظرفياً، مع قوى إقليمية، أو حتى دولية، على صعيد تكتيكي، بما يخدم غاياتها ومشروعها. لكن، لا يمكن لها، أن تنسجم مع مشروع بعيد المدى، يتنافى مع مشروعها، من قبيل حل سياسي يُفضي إلى حكم يعتمد النموذج الغربي.

ومع هذا الأفق الذي تتطلع إليه “النصرة”، النواة الضيقة الممسكة عملياً بقرار هيئة “تحرير الشام”، من الصعب أن نتوقع تحالفاً تركياً معها، إلا على نطاق تكتيكي ظرفي. وحتى هذا النطاق، بات مستبعداً في الآونة الأخيرة، بعد أن انخرطت تركيا في تعاون ممنهج مع روسيا، بغية إدارة الأزمة في سوريا، وفي وقتٍ، يبحث فيه الأمريكيون والروس عن سبل مماثلة لهذا التعاون أيضاً. عملياً، باتت معظم القوى الإقليمية والدولية تبحث عن سبل لوقف الحرب في سوريا، ربما باستثناء إيران. وتلك الأخيرة، ستكون أبرز المستفيدين من إشعال أتون مجابهة شرسة على جبهة إدلب، كي يبقى الصراع في سوريا مستعراً، بما يضمن بقاءها في الميدان. فأي اتفاق أمريكي – روسي، ينهي الصراع في سوريا، يمثل خسارة مرجحة للإيرانيين.

وماذا سيحدث إذا تحقق السيناريو الأول؟من دون شك، سيكون سكان إدلب أبرز الخاسرين. تليهم، تركيا، التي ستجد نفسها في وضعٍ حرجٍ للغاية. أما أبرز المستفيدين، فستكون إيران، وبدرجة أقل، حليفها في دمشق. لكن، بطبيعة الحال، لن تندلع تلك المواجهة، إلا بضوء أخضر أمريكي – روسي. وهو أمر غير مستبعد. ذلك أن الإجهاز على إدلب، يعني طي ملف آخر المتمردين على القوى الدولية، في الساحة السورية. وبعد تلك الخطوة، سيصبح طي الملف السوري بكامله، متاحاً، ورهن إشارة الأمريكي والروسي.

هل تغيّر “تحرير الشام” السيناريو المرجح بأداء غير متوقع منها؟ من المستبعد ذلك، لكنه يبقى أملاً منتظراً، لو تحقق، لجنّب إدلب وأهلها، محنة مؤلمة مرتقبة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى