إياد الجعفريصفحات المستقبل

سيناريو لـ”عاصفة حزم” في سوريا/ إياد الجعفري

 

 

 

هل يمكن استيعاب الفصائل “الجهادية” الكبرى في سوريا، في تحالف إقليمي، خليجي – تركي، مناوئ لـ “داعش”، ولـ “نظام الأسد”، في آن؟

قد تكون الإجابة بأن ذلك في غاية الصعوبة، وقد يعتقد آخرون أنه من باب المستحيلات، لكن الأسس المطلوبة لهكذا تحالف قائمة اليوم، وتتطلب فقط درجة عالية من المرونة والبراغماتية من جانب القوى الإقليمية الفاعلة من جهة، ومن جانب الفصائل الجهادية المناوئة لكل من “داعش” و”الأسد”، من جهة أخرى.

على المستوى الخليجي، ربما هناك دول في وارد ذلك فعلاً، فيما تعتبره دول أخرى من باب المحرمات، لكن الدولتين الأكثر فاعلية في المشهد الميداني السوري، قطر والسعودية، قد تكوّنان أساساً كافياً لتأسيس هذا التحالف في حال اتفقتا مع تركيا على ذلك.

ولا أقصد هنا بكلمة تحالف، المعنى العسكري، كما في حال “عاصفة الحزم”، إذ من العصيب إسقاط التجربة الجارية اليوم في اليمن على سوريا، من جوانب عديدة لسنا في وارد تفصيلها الآن. لكن القصد بالتحالف، هو التعاون والتنسيق بكل جدية مع الفصائل الجهادية المستعدة لإظهار ميل للمرونة والاعتدال في نهجها، وتزويدها بالمطلوب لتحقيق استنزاف نوعي حاسم لنظام الأسد وداعش في آن.

وفي حال صحّ ما أُشيع عن أن أيمن الظواهري باتجاه حلّ تنظيم “القاعدة”، فإن الحرج بخصوص “النُصرة” سيزول عملياً، خاصة بعد ما أظهرته الأخيرة من براغماتية عالية في العديد من المفاصل الميدانية في سوريا، سواء قرب الحدود مع إسرائيل، أو في الطرح المقدم من جانبها في إدارة مدينة إدلب، مؤخراً.

لا ينفي ذلك أن هناك الكثير من الإشكاليات في أداء “النُصرة” في العديد من المناطق والتجارب بسوريا، آخرها ما يحدث الآن في مخيم اليرموك، إلا أن استمالة “النُصرة”، خاصة إذا باتت في حِل من انتمائها للقاعدة، ستكون الوسيلة الأمثل لترشيد سياسات الجبهة وضبطها، حينما تجد أنها جزء من منظومة محلية – إقليمية، تشكل لها شبكة أمان، وفي نفس الوقت تشكل عامل ضبط لأدائها.

ما ينطبق على “النُصرة”، ينطبق على “أحرار الشام”، وبنفس الدرجة، على “جيش الإسلام”، ولأن لا بدائل فاعلة في معظم المناطق السورية، قادرة على مواجهة “داعش” و”الأسد”، غير الجهاديين، يبدو أن السبيل الأمثل لتحقيق تغير نوعي في المشهد الميداني السوري، هو باستمالة الجهاديين وتوحيدهم في منظومة ذات خلفية إقليمية داعمة.

بطبيعة الحال، يعترض الكثيرون على الطرح السابق، بعضهم من السوريين ممن يرى أن مشروع الجهاديين، على اختلاف تصنيفاتهم، يقود إلى تأسيس حكم “ثيوقراطي”، مهما كان معتدلاً، فهو لن يكفل للسوريين الحريات المأمولة. لكن على أرض الواقع، لا يبدو أن الخيارات تُتيح أفضل مما هو قائم، والأزمات المستعصية، لا حل لها إلا عبر التفكير من خارج الصندوق، بصورة تخالف الطرق النمطية للتفكير. وذلك يعني في الحالة السورية، أن على المنظّرين من السوريين الذين يطالبون بحكم مثالي وفق االمنظور الغربي، أن يقدموا أسساً واقعية على الأرض، تسمح بتأسيسه.

لا يعني ما سبق الخنوع لإرادة الجهاديين باتجاه تأسيس حكم إسلامي قسري، إنما، يمكن تقنين المشروع الجهادي، والضغط إقليمياً باتجاه شده نحو الاعتدال أكثر فأكثر.

أعتقد أننا اليوم أمام فرصة مواتية، إذ أن تجربة “داعش” شكلت صدمة للكثيرين حيال صورة “الحكم الإسلامي”، حتى لدى إسلاميين، ولدى جهاديين أيضاً، الأمر الذي ظهر جلياً في تصريحات مسؤولي جبهة النُصرة وأحرار الشام بعيد تحرير إدلب، حيث أظهر هؤلاء مرونة عالية في طروحاتهم، تشير إلى استعدادهم لتقبل فكرة إجماع المسلمين، والشورى، وتوحيد الصف، وتقديم صورة أفضل عن “حكم الإسلام”، للمسلمين من جهة، وللعالم الذي يتابع الأحداث بسوريا، من جهة أخرى.

ما سبق يعني أن الفرصة مواتية للتأسيس على هذا التطور النوعي في طريقة تفكير قيادات التيارات الجهادية، باتجاه شدها أكثر نحو المزيد من الاعتدال، والانفتاح على تفسيرات مرنة وحديثة لـ “حكم الإسلام”، بصورة تقلل قدر المستطاع من احتمالات النيل من الحريات الشخصية والدينية في أي حكم لهذه التنظيمات في قادم الأيام بسوريا.

يحقق السيناريو سابق التفصيل، في حال حدوثه، “عاصفة حزم” أخرى بسوريا، لكن بصورة غير مباشرة، لا تكلف القوى الإقليمية المقصودة كلفة التورط المباشر، لكن تمنحها نتائج مماثلة له، وبكلفة أقل عملياً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى