إياد الجعفريصفحات المستقبل

سيناريو مرعب في سوريا/ إياد الجعفري

 

 

تصورّ المشهد الآتي في سوريا: فرز الفاعلين في الميدان إلى ثلاثة معسكرات، جهاديون من تنظيمات عدة يرفضون المسار الدولي والإقليمي للحل بسوريا وفق ملامحه الحالية، وخليط من جهاديين ومعارضين للأسد يقبلون بهذا المسار، وأخيراً، مليشيات النظام وحلفائه.

بعد الفرز، تبدأ عملية التجنيد للحرب على الجهاديين الرافضين للمسار الدولي والإقليمي، الأمر الذي سيعزز حالة الفرز بين المقاتلين السوريين، وسينقل الكثير منهم سلاحه إلى ضفة أخرى، حسب قناعاته أو مصالحه.

المرحلة الثالثة، بدء الحرب على الجهاديين الرافضين للحل السياسي بسوريا، بتعاون غير مباشر بين المعسكرين الآخرين، معسكر معارضي الأسد، ومعسكر الأسد وحلفائه. الأمر الذي سيعزز من التضامن بين الجهاديين، وصولاً إلى حالة تحالف كاملة. وكخلاصة، ستكون “داعش” و”النُصرة” وفصائل أخرى في جبهة مشتركة.

ما سبق هي خلاصة التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة المرتبطة بسوريا، إذا بقيت تسير على المسار الراهن.

فالقرار الدولي الأخير الخاص بسوريا، بما يحتويه من لغة فضفاضة، مع خلوه من صيغة إلزامية مع صدوره تحت الفصل السادس، وليس السابع، يعني أنه اتُخذ ليكون شماعة تبرر به الدول التي توافقت عليه، الفصل الجديد من حروبها المقبلة بسوريا.

ورغم هلامية العديد من نقاط القرار وبنوده، إلا أن الأكثر وضوحاً وجزماً فيه، هو تقديم أولوية الحرب على “الإرهاب”، على تحديد مصير الأسد. الأمر الذي يمثل انتصاراً لمعسكر حلفاء النظام، إذ تمكن هؤلاء من إلزام حلفاء المعارضة باستراتيجيتهم للـ “الحل” في سوريا، القاضية بالتخلص من “الإرهاب” أولاً. وهو ما ظهر جلياً في خطوة السعودية، التي سبقت اتخاذ القرار الدولي بأيام، حينما أعلنت عن تشكيل تحالف عسكري إسلامي لمحاربة “الإرهاب”.

يأتي هذا التفسير المتشائم، بناء على تأويل مرجح لإنشاء “التحالف الإسلامي” الجديد. فهو يبدو في سياق البحث عن موضع قدم ميداني في سوريا، بشكل مباشر، بذريعة محاربة “داعش” و”النصرة” تحديداً. فبعد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم التدخل الروسي بالتوازي مع الإيرانيين، يبدو أن السعودية تريد أن تتدخل هي الأخرى، لتعزيز حضورها الميداني في سوريا، وربما بشكل مباشر هذه المرة، بعد مساعيها لتعزيز حضورها السياسي، متمثلاً في مؤتمر الرياض الأخير.

نقطة الفصل في تحقيق السيناريو المرعب هذا، هي الإجابة على تساؤل: من هي الأطراف الموصوفة ب”الإرهاب” التي سيحاربها “التحالف الإسلامي” الموسع الجديد؟،.. تحالف يضم قوى وأطرافاً إقليمية متناقضة، لا يمكن أن يصمد إلا إذا بحث عن القواسم المشتركة بين أطرافه. وباستثناء قطر وتركيا، بين الدول المُعتبرة التي يضمها التحالف، يبدو أن “داعش” و”النُصرة” هما فقط الطرف المعني بكلمة “الإرهاب”، الذي ستتم محاربته. فتحالف يضم دولاً مثل الأردن ومصر والإمارات، وتقوده السعودية، لا يمكن أن يستهدف ميليشيات محسوبة على معسكر النظام، فالجميع يعلم أن التفسير المعتمد للـ “الإرهاب” لدى كل من الأردن ومصر والإمارات، وبصورة خاصة، لدى الدولتين الأخيرتين، يشمل “داعش” و”النصرة” وباقي التنظيمات الجهادية.

إذاً.. لو تفعّل هذا التحالف “الإسلامي”، فسيستهدف الجهاديين، باختلاف تنظيماتهم، تحديداً منهم من سيقف في وجه مخرجات مؤتمر الرياض. في هذه الأثناء، سيواصل الروس وحلفاؤهم الإيرانيون حربهم الشرسة على مختلف فصائل المعارضة المسلحة. أما النظام وحلفاؤه في الميدان السوري، فيبدو أن التحدي الوحيد المتبقي أمامهم هو الدعم التركي – القطري الخافت إعلامياً في الوقت الراهن، لفصائل معارضة قد تشذ عن مخرجات مؤتمر الرياض.

هنا ستكون نقطة افتراق جديدة، بين السعودية من جهة، وبين قطر وتركيا من جهة أخرى، رغم ما يقوله إعلام هذه الأطراف الإقليمية عن توافق بين العواصم الثلاثة. إذ أن خطوة السعودية بإشراك مصر والإمارات تحديداً في تحالف “عسكري” ضد “الإرهاب”، مع وجود قطر وتركيا في هذا التحالف، يبدو أنها خطوة إعلامية معنوية تحاول إظهار العالم الإسلامي وكأنه موحد ضد “الإرهاب” أمام الرأي العام الغربي، أما في الصميم، يبدو أن التحالف أميل لكفة مصر والإمارات، اللتين تريان كل الجماعات الجهادية، أياً كانت تصنيفاتها، “إرهابية”، وتقدمان، وخاصة مصر، قراءات سياسية للمشهد السوري، أقرب للنظام بدمشق.

بكل الأحوال، مهد زعيم جبهة النصرة، الأسبوع الماضي، لهذا السيناريو، في تصريحاته المثيرة للجدل لمجموعة من الإعلاميين السوريين. فالنصرة أول من تلمس استهداف الخطوات الإقليمية والدولية الأخيرة لها. يبقى السؤال، إلى متى ستتمكن قطر وتركيا من التغريد خارج السرب، ولو بصورة غير معلنة؟، الأمر الذي يستجلب سؤالاً آخر، قد يحمل بعداً رغبوياً: إلى أي حد يمكن لقطر وتركيا التأثير على القرار السعودي وجذبه بعيداً عن القاهرة وأبوظبي؟

إلى أن يتم الجزم بخصوص الإجابة على الأسئلة الأخيرة، يبدو ان المسار الظاهر في سوريا يدفع الميدان في هذا البلد باتجاه حالة فرز، ستجعل الحرب، بإيجاز، ضد الجهاديين تحديداً، بغض النظر عن انتماءاتهم، باستثناء من سينضوي منهم تحت الرعاية الإقليمية السعودية، وسيقبل بخياراتها. بمعنى آخر، فإن الفرز القائم اليوم، بين معسكر “داعش”، معسكر النظام، ومعسكر ثالث يحارب الطرفين، قد ينتهي قريباً، ليصبح أمامنا معسكر جديد، معسكر تحالف من الجهاديين، بمن فيهم “داعش” و”النصرة”، ومعسكر النظام، ومعسكر ثالث مهادن للنظام، ويقاتل الجهاديين حصراً.

لماذا هذا السيناريو مرعب في سوريا؟، لأنه ببساطة يطيح بدماء عشرات آلاف السوريين الذين قاتلوا تحت رايات مختلفة، بغاية واحدة فقط، وهي إسقاط الأسد، ويجعل من حرب السوريين، حرباً على “الجهاديين”، تلبي مصالح معظم الأطراف الإقليمية والدولية، على الساحة السورية، وباستخدام دماء السوريين باتجاه المزيد من الدمار لبلادهم، والتشتيت لأبنائهم.

هل من سيناريوهات أخرى؟، قد تكون الإجابة متوقفة على أحد التساؤلات المطروحة آنفاً، ومرتبطة بمدى قدرة ثلاثي قطر وتركيا والسعودية، على تحقيق تحالف منسجم، يعمل على استيعاب أكبر قدر ممكن من الجهاديين الذين يمكن استيعابهم في سوريا، لصالح الإبقاء على الفرز القديم للمعسكرات المتحاربة في البلاد، بمعنى، أن يبقى ذلك المعسكر الذي يحارب نظام الأسد وحلفائه، و”داعش”، في آن، على قيد الحياة، بل وأن ينتعش، ويحقق إنجازات ميدانية مؤثرة خلال الأشهر القليلة القادمة، من قبيل ما أنجزه في ربيع العام الجاري في إدلب. هذا هو السيناريو الأمثل اليوم بالنسبة لأولئك الذين يعز عليهم أن يروا تضحيات السوريين قد صبت في نهاية المطاف في مصلحة نظام الأسد وحلفائه.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى