راشد عيسىصفحات الثقافة

سينما سورية من دون أقنعة: سينما الثورة حين تعرّض أبناءها لخطر الموت والاعتقال/ راشد عيسى

 

 

كان واضحاً منذ البداية أن الثورة السورية عند انتصارها ستكشف عن مشكلات عالقة في الواقع تعود إلى عقود سابقة. كان معبراً فيديو انتشر في البدايات يتحدث عما تحت السجادة السورية، عما أخفته تحت سباتها الشتوي الطويل. قال الشريط إننا حينما ننفض تلك السجادة لا بد سنجد تحت الغبار أشياء لا على البال ولا على الخاطر. لكن حماسة تلك الأزمنة والأمل الزائد كانا كفيلين بأن يتجاوز الناس كل شيء.

لكن يبدو أن تأخر الانتصار مكلف وأكثر تعقيداً. لم يكن في الحسبان إلام سيفضي هذا الشتات المديد. إن تحدثنا عن السينما والإنتاج السينمائي على سبيل المثال، سنرى كيف بتنا بحاجة إلى من يفصل في حقوق الملكية الفكرية، في وقت راح يستقوي «الثوار» بعضهم على البعض الاخر، تماماً كما يفعل المهربون عبر الحدود، إذ غالباً ما يكون المنتج والمخرج والمصور وباقي فريق العمل كل في بلد.

حقوق الملكية هي أبسط المشكلات إذا نظرنا إلى ما من شأنه أن يعرض الناس لخطر الموت أو الاعتقال. وإذا كان هناك من لا يستطيع أن يوصل صوته واحتجاجه، إذ أن هذا أيضاً من شأنه أن يعرض الناس للخطر ما يضطرهم لابتلاع أصواتهم والقبول بأهون الشرور.

لكن شقيقة أحد أبطال فيلم «العودة إلى حمص»، الفيلم الذي صور في مدينة حمص أثناء الحصار، وجال مهرجانات وصالات عرض عالمية وحاز جوائز، وهو يعتبر من أبرز أفلام الثورة السورية، قررت أن تعلن احتجاجها في وجه منتج الفيلم إثر عرضه أخيراً على قناة «العربية»، فقد فوجئت السيدة، وهي فضلت عدم ذكر اسمها، بالوجوه صريحة من غير تمويه، فكتبت على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تقول، بعد أن تسمي منتج الفيلم عروة نيربية وتخاطبه «أهلي والناس التي ظهرت، وهي في مناطق تحت سيطرة النظام ماذا يفعلون بأنفسهم؟ لهذه الدرجة المال والشهرة أعمت عينيك وجعلتك تدوس الناس وتعرضهم للخطر؟ ‏إذا لم تستح فاصنع ما شئت».

وأكــدت لـ «القدس العربي» أنه «منذ ســنة اتفــقــت مع عروة نيربية أن لا يظهر الوجه في الإعلام، إلا أنه يقول للناس إنه أظهر وجه أخي تأكيداً لسلميته، ليقول إنه ليس مسلحاً. طبعاً هي حجة واهية، وهو يعرف أن ذلك يضر أخي، فالنظام يضرّه السلميون أكتر من المسلحين».

ومع أن هذه القضية طرحت من قبل ناشط وإعلامي على مواقع التواصل الاجتماعي، نقلا عما كتبت السيدة، إلا أن أحداً لم يصغ، ولم يلتفت، خصوصاً من أولئك الذين ثاروا من أجل العدالة، فلم يخضع الأمر حتى لمجرد النقاش، وكأن ذلك من المحرمات في قلب ثورة أرادت أن تكسر كل محرم. يصبح الأمر مفهوماً إذا أدركنا أن قبيلة ثقافية ممتدة تزداد رسوخاً مع استفادة من تدفق ودعم من جهات دولية عديدة مساندة للثورة السورية. قبيلة تبدأ بالمنتج نيربية، وهو نجل معارض سياسي بارز، يدير مع زوجته مؤسسة إنتاجية نشأت أساساً على هامش النظام برعاية عرّابين هم الأكثر ولاء للنظام قبيل الثورة وبعدها، تلك المؤسسة لم تكن لتنتعش إلا بوجود «مهرجان السينما الوثائقية دوكس بوكس» وقد كان هذا خير تمثيل لمقولة «مكاسب السلطة وشرف المعارضة».

قبيلة السينما

أما الامتداد فيبدأ من برلين، حيث تدار شركة الإنتاج السينمائي، ليصل إلى باريس وفيها يجثم ناد سينمائي يديره الأخوال والخالات، في هيئة مؤسسة مدعومة بإمكانها الوصول إلى مهرجانات وبلاد. هكذا يصبح السينمائي السوري الثائر محكوماً تماماً بطرفي كماشة الإنتاج والترويج. النادي السينمائي السوري في باريس نموذج صريح عن القبيلة حين تدير مشاريع ثقافية، ففي غضون شهور فقط هي عمر النادي، يعرض فيلم من إنتاج نيربية، يليه فيلم «نجوم النهار» لخاله المخرج أسامة محمد، ثم فيلم للخالة هالا محمد، بعدها يعرض لزوج الخالة هيثم حقي أسوأ فيلم في تاريخ السينما السورية، إن جاز اعتباره فيلما أصلاً هو «التجلي الأخير لغيلان الدمشقي». ومن هنا يمكن أن نصل إلى جانب مهم من السطوة الثقافية والفنية، فحين تجد أن لزوج الخالة مسلسلاً تلفزيونياً قيد الإنتاج، ستجد أن مئات الحالمين بدور أو وظيفة يواظبون خمس مرات في النهار على «التلييك» ورفع مختلف أنواع برقيات التهاني والإعجاب.

طبعاً من غير الإنصاف القول إن النادي لا يعرض لأسماء أخرى، ولكن ليس قبل أن يزحف بعضهم أكواعاً وركباً نحو القبيلة، وليس قبل أن يسبحوا ليل نهار بالقول إن فيلم «ماء الفضة» (فيلم الخال) ملحمي وثورة في عالم السينما. هو الفيلم النموذج لعمل القبيلة حيث العنصر الوحيد في فريق الإنتاج الذي جاء من خارجها هو صاحب المادة الأساسية للفيلم، ونعني المخرجة وئام بدرخان. وفي انتظار أن يكون لنجل الخالة فيلم يعرض في النادي لا بأس بإدارته بعض ندوات النادي، ولكن على أن يقدم باعتباره المخرج السينمائي فلان الفلاني، حتى لو كان الشاب من غير فيلم، فهذا تحصيل حاصل، الفيلم آت لا محالة.

وفي العودة إلى تسلط المنتج، من يدلنا على تقليد في تاريخ السينما السورية والعربية يقضي بأن يكون المنتج هو من يتلقى على الدوام التهاني والتبريكات والجوائز عن الفيلم من دون المخرج؟ هذا ما حدث لفيلم «العودة إلى حمص». ولعل شيئاً من هذا القبيل حدث لوئام بدرخان، مخرجة «ماء الفضة» إلى جانب أسامة محمد. فمن الواضح تفرد الأخير باستلام الجوائز وتمثيل الفيلم. يبدو أنه كتب على بدرخان أن تظل أبداً تحت الحصار.

ليست إذن مشكلة وجوه من غير أقنعة في فيلم سينمائي، هي مشكلة ثقافة انتفضت على مؤسسة النظام لتجد نفسها في فم القبيلة، ولأنها قبيلة ستكون أكثر تماسكاً وصلابة، القبيلة إذن باقية وتتمدد.. لا ندري إن كانت ستسقط مع سقوط النظام!

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى