أحمد عمرصفحات الناس

شادية وهلال غرّة رمضان/ أحمد عمر

 

 

يُسأل أحد الموقوفين، في أحد مشاهد فيلم يلماز غوني “الطريق”، عن سبب توقيفه، فيقول: كنت أغني.

بلغ، أيها السادة، هلال شعبان المحاق حَتَّى عَادَ كَالْعُرْ‌جُونِ الْقَدِيمِ، وطلبت وزارة الأوقاف، التابعة مثل كل الوزارات “للجهات المختصة”، من المواطنين، التماس غرَّة شهر رمضان، وكنت أظن أنّ الأوقاف محنّطة. الفتوى السياسية الجهادية السورية الوحيدة التي أتذكّرها هي فتوى المفتي السابق الطارئة بجواز مقاومة المحتل الأميركي في العراق، وهي فتوى فَتَنَت الناس فتنةً كبيرة، فنَفَرَ الناس خِفَافًا وَثِقَالاً للجهاد، فعادوا مضروبين بالنعال إلى سجون المخابرات السورية التي ضربتهم بالنعال الرباعية والكهربائية سِنِينَ عَدَدًا، لتلبيتهم فتوى مفتي الجمهورية.

لعَمَرُك، كنا خمسة بواسل نشرب الشاي مساءً، فلمحنا هلال رمضان، فتطوّع باسلان عاقلان راشدان، بلغا الحلم من أربعين سنة، منا، وقصدا مكتب المفتي الشرعي في المدينة، فعادا مضروبين بالنعال، مثل مجهادي العراق المغدورين، واكتشفا أنّ القمر “مؤمم”، وتحت الاحتلال، مثل سدِّ الفرات والإصلاح الزراعي في أراضي المجموعة الشمسية المنكوبة، فالتاريخ البعثي بدأ من الحركة التصحيحية، والمخابرات هي التي تحدد الأيام والأشهر وعَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ. هلال رمضان وذي الحجة ليسا لعبةً، فكوكب رمضان لا يرى إلا بالمجاهر السياسية والسيادية.

اقتبس اسم الشبيحة من الشبح المستور من نعمة الإبصار، الشبح يَرى ولا يُرى، وكانت عفاريت الأفرع الأمنية محجوبةً بالسواتر والدشم الحجرية وقوانين الدولة الموقرة. شكا صاحب أجمل رقبة في العالم، في خطابٍ معروف؛ من أمرين في بدايات الثورة: تصوير المظاهرات وسيارات الدفع الرباعي. الغريب أنَّ “داعش” أيضاً تحرِّم التصوير، وتَغصِب شرائح الهاتف الخلوي، ويحترف جُندها الأفلام الهوليودية خِفَافًا وَثِقَالًا، حتى لتبدو الدولة الإسلامية أنها كولومبيا “بيكتشر”، أو والت ديزني. صدِّق أو لا تصدِّق: رئيسنا العلماني البريطاني العِلم يحرِّم التصوير وقيادة سيارات الدفع الرباعي.

لم يمانع الرئيس المتخرّج من جامعات بريطانيا المظاهرات الخرساء، فهو يريد قتلاً بلا شهود، والهرب ممنوع إلا بسيارات دفع ثنائي سهلة الدَرْك. وكانت المخابرات في كل تحقيق تعِظ الناشطين المعتقلين والكتّاب بالكبل الرباعي: ركّزوا على الإيجابيات، لا على السلبيات، وتحضُّ على النقد البناء، والتصفيق المجيد. لمَ النظر بعين واحدة؟ ألا ترون إنجازات الرئيس العملاق. يا لكم من خونة، تشربون ماء الوطن الذي اخترعه الرئيس من دمج جزيْء من الأوكسجين مع جزيئين من الهيدروجين، وتكفرون به. ساءَ ما تفعلون.

وكان التقدم في شعار “لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية” يعني أن يفتدي المرء بحاسةٍ من حواسه بعض شرفه، حتى يعيش سَلِيماً مِنَ الأَذَى، وَحَظُّه نصف مَوْفُورٌ وَعِرْضُه ربع صَيِّنُ.

جلُّ الشعب السوري، أو كله، تنازل عن حاسّةٍ من حواسه، منذ الحركة التصحيحية، ولم يرَ إلا الإيجابيات، وقَلَبَ آلة النطق إلى مهمةٍ واحدةٍ هي المديح والرضا. حسب نظرية داروين في صراع البقاء، تطورت غريزة التقية لديه، فما يَضْمر أو يتعطل من حواس يعوّض في حواس أو أعضاء أخرى، سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ، وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا، منذ أن اقتدى حاكمها بفرعون موسى، وقوله: لا أريكم إلا ما أرى؟ لم يكن القمر مما يرى الرئيس، لعله من السلبيات السلفية. وكان سيد الوطن قد رأى في الانشقاقات نظافةً ذاتية، أما السيدة الأولى فرأت هذه الرؤية بعد دمار سورية: وين كنا وين صرنا.

بات صاحباي رمضانهما في ضيافة خمس نجوم الظهر أوقافاً وقوفاً، بسبب رؤية هلال غُرَّة رمضان في الزمان والمكان غير المناسبين، وعادا كَالْعُرْ‌جُونِ الْقَدِيمِ. القمر ليس في السماء، وإنما في جيب الرئيس، سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ. وكان الواحد منهما يُسأل عن سبب اعتقاله، فيهمس في أُذن السائل بابتهال شادية، وألحان الموجي وكلمات الابنودي: شُفت القمر على طلعتك.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى