صفحات سورية

شارعنا السوري بين الأمس واليوم

 


فاتن حمودي

‘الوطن هو الرصيف الذي أجد عليه كرامتي’. هكذا اختصر الفنان النحات عاصم الباشا تعريفه للوطن، الذي نحن الآن بصدد الانشغال بتحريره من نظام الأمن الفاشي …. النظام الذي حوّل المدن إلى سجن كبير كما يصفها الشاعر حسان عزت قائلا: (المدن لا دخول ولا خروج.. ولا قدور نملؤها حمصا ونعدّ..ما مضى لا يردّ..ما نرى لا يحد..فلا سدة أو مكان لصلاة الجنازات لا نقول تعالى ولات نعيد أنت لم تدرك المهزلة ‘أنج سعد هلك سعيد’،). ..وفي مكان آخر يصور فداحة الموت وقتل الحياة وكأنه يؤرخ لتلك المرحلة التي سبقت الثورة، ‘ثمة صمت رهيب، بحجم هذه الآباد..ثمة احتضار بلاد بشعوبها’….هنا نستعيد قول المتنبي: ‘وسوى الروم خلف ظهرك روم / فعلى أي جانبيك تميل’…قد يطول الكلام، ولكن من المؤكد أن الإنسان السوري دفع ضريبة مواقفه سواء في الاعتقال أو الموت أو التهجير.. وربما الصمت..

ويتناسخ مشهد الشارع السوري في الثمانينيات من القرن الماضي، بين عسف الطبيعة وقساوة عسف البشر ‘الصقيع يمدّ أذرعته مثلما الروح في الكائنات ..الدروب عامرة بالسموم ..والناس في المآوي لا أحد إلانا..كناسو الشوارع سيّارات المفارق الكامنة الكلاب السائبة..’..

اليوم يختلف المشهد تماما ..فرياح التغيير تفتح أبواب المدن والقرى.. تكسر جدار الخوف.. ويصبح الشارع منصة الحرية.. يبدأ من دمشق منطقة الحريقة….ثم ينتقل إلى أمام مبنى وزارة الداخلية ..ثم تنتقل الشعلة إلى درعا وبانياس وتلكلخ وجسر الشغور وحمص واللاذقية وحماة ودير الزور ..والحسكة .. وعامودا …. وحلب على خجل..

تشتعل المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام في قرى الشام التي لم تعد قرى..ولا ريف..بل باتت مدنا ملحقة بمدينة دمشق ..بعد أن أصبحت مدينة دمشق غريبة عن أهلها، حيث بدأ أهل دمشق يقطنون في القرى المجاورة خاصة الطبقة الوسطى من الشعب..ولم يعد الريف كما كان في عهود سابقة بل زحفت المدن إليه، لهذا فإن مظاهرات ريف دمشق هي موقف المدينة التي قٌطعت أوصالها..بل المدن التي قطعت أوصالها..فلا أهل دوما يستطيعون الذهاب إلى دمشق ..ولا أهل دمشق يستطيعون الانضمام إلى أهل دوما أو المعضمية أو داريا ..وها هو النظام الذي جثم على صدر البلاد أربعين عاما يقوم بتقطيع أوصال المدن..قتل.. وزحف للدبابات..قنص للصدور العارية..قتل للطفولة..حصار متنقل من درعا إلى حمص إلى تلكلخ، إلى جسر الشغور واللاذقية .. وحتى امكنة أخرى في اقصى الشمال.

مشهد في ساحة الاعتصام في مدينة حمص . وتحديدا عشية الزعم بإلغاء الأسد لقانون الطوارىء ..حينها وقف نجاتي طيارة، الناشط البارز في مجال حقوق الإنسان، في الساحة مخاطبا شباب الثورة على المضي، ومنتقدا للحملة العسكرية التي تجتاح المدن.. قدم عددا من الرسائل والشهادات. مؤكدا سلمية المظاهرات ..ورغم ما يمثله طيارة من العقل والحكمة فإن انتقاده لممارسات الأمن أدت إلى اعتقال النظام له وتغيبه …

وبعد أكثر من مئة يوم على انطلاق الثورة يتسع المشهد.. ويصبح عدد المهجرين سبعة عشر ألف لاجىء . ..وما يقارب ألفاً وثمانمئة شهيد.. وآلاف المعتقلين….. ونحن نسمع ونشهد عن إقامة حوارات مبيتة مع السلطة نسأل، عن المغيبين والمعتقلين والشهداء الذين سقطوا وما زالت المدن محاصرة ومقطعة الأوصال من الدبابا ت والشبيحة ورجال أمن النظام…؟و يبقى الشيء الأهم هو متى يسترد المواطن وطنه ..رصيفه الذي يجد عليه الكرامة..؟

كاتبة من سورية

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى