صفحات الناس

شبهة “تتريك” الليرة السورية/ علي العائد

 

 

لا ينقص السوريين اليوم سوى “فتوى اقتصادية” يوصي بها رجال دين في تركيا و”المناطق المحررة”.

يقول الخبر الذي انتشر في المواقع الإلكترونية إن “جبهة علماء بلاد الشام” أصدرت بياناً توصي فيه السوريين بالتعامل بالليرة التركية بديلاً من الليرة السورية، مبررين ذلك بفقدان الليرة السورية لصفتي “الثبات والرواج”. ويوضح البيان أن التوصية صدرت “بعد دراسة استغرقت عاماً كاملاً”.

هؤلاء، بذلك، لا ينطقون عن الهوى.

هم “علماء دين”! فما الذي حدا بهم أن يتقمصوا دور المخطط الاقتصادي؟

وراء الخطوة ما وراءها. هنالك أولاً احتلال البضائع التركية للمناطق التي تسيطر عليها الكتائب الإسلامية، فلا يوجد تبادل تجاري مع الخارج سوى مع تركيا. والبضائع التركية، أو المستوردة عبر تركيا، لا منافس لها. لكن معادل القيمة في مثل هذه الحالات هو الدولار الأمريكي.

يبرر البيان اختيار الليرة التركية لكونها “عملة دولة إسلامية، بينما الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي فيه دعم للاقتصاد الأمريكي والأوروبي اللذين هما المحرك الأساس للنظام السوري في طغيانه”.

هنا، دخل “علماؤنا” في السياسة والاقتصاد معاً.

كان ينقص السوريين، أيضاً، سياسيين منافسين لداعش، أو مساندين للتنظيم اللا إسلامي، فداعش تعتاش كـ”دولة” على تهريب، أو استيراد احتياجاتها، من تركيا أيضاً.

لم يحن الوقت بعد ليقول داعش كلمته في العملة التي يجب تداولها، ربما لأن “دار الخلافة” لم تسك بعد درهمها ودينارها. وإلى ذلك الحين، يبدو أن الليرة “العثمانية” ستكون بلا منافس.

وبينما طرح البيان حجة معقولة على النظام الذي تلاعب بأرزاق السوريين من ذوي الدخل المحدود، من خلال العبث بالسيولة النقدية في السوق تبعاً لمصلحته، فإن العلماء لم يقدموا الحل، أو الطريقة التي سيطرح بها التعامل بالليرة التركية، ولم يسم هؤلاء هيئة، أو جهة مخولة وذات خبرة، لإدارة هذه العملية.

بالنسبة للتجارة الخارجية يمكن أن تتم العملية بسهولة، فلا مشكلة في أن يدفع التجار قيمة البضائع المستوردة بأية عملة متفق عليها بين البائع والشاري، وإن كان التجار الأتراك أنفسهم يفضلون عملة أكثر ثباتاً من الليرة التركية التي فقدت العام الماضي أكثر من 12% من قيمتها.

المشكلة في البيع بالتجزئة، في مناطق لا يملك فيها الفقراء السوريون سوى عملة بلادهم. أما ما تبقى من الميسورين والأغنياء داخل سوريا فاعتادوا التعامل بالدولار، أو حولوا سيولتهم النقدية من الليرة السورية إلى الدولار، ومن غير المرجح أن يقبلوا التعامل بالليرة التركية.

من الناحية التقنية، يصعب تطبيق تلك التوصية إلا برضى وتنظيم تركي. في الأصل تحولت مناطق الشمال السوري على امتداد 822 كيلومتراً إلى منطقة حرة تركية، يباع فيها الخبز والسلاح، وربما المخدرات. ذلك يحدث في كل منطقة تغيب فيها هيبة الحكومة المركزية.

ثقل التوصية يأتي كغطاء لمن سينفذ تلك التوصية إن كان لها حظ في التطبيق. فبسطاء الناس يتبعون نصائح وفتاوى المشايخ. كما أن المشايخ أنفسهم في “جبهة علماء بلاد الشام” يشكلون مرجعيات دينية لعدد من الكتائب الإسلامية التي تُوصف بالمعتدلة، بمعنى أننا لا نتكلم هنا عن داعش وجبهة النصرة.

السؤال: لماذا صدرت التوصية في هذا التوقيت “بعد دراسة استمرت سنة”، ومن الذي درسها من الاقتصاديين؟

لاشك أن الأيام القادمة ستثبت إن كان الأمر مجرد مزحة، أو بالون اختبار. العلماء، مبدئياً، لا يمزحون، وطالما كانوا على مر التاريخ أداة السلطان في تبرير قرار ديني، أو دنيوي. السلطان، هنا، لا يمكن أن يكون النظام السوري، أو الكتائب الإسلامية التي لا تملك من أمرها شيئاً في سوق الداعمين. تبقى تركيا، صاحبة العملة الإسلامية، هي صاحبة اليد الطولى اقتصادياً في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري، وهي التي يُمكن رصد مدى استفادتها من هذه الخطوة على المديين القصير والطويل.

الجبهة قالت في بيانها، أيضاًَ “.. استبدال العملة سيحشر النظام في الزاوية، وسيضيق عليه اقتصادياً،.. يجفف القطع الأجنبي من أسواقه،.. مما يؤدي إلى تسارع سقوط العملة السورية..”.

لكنْ، غاب عن ذهن واضعي البيان أن النظام السوري لايزال النظام الرسمي على علاته، وهو الذي يتعامل معه العالم نقدياً واقتصادياً، وأن المجموع البشري الذي يسكن في مناطق سيطرته يأتمر بقوانينه، على خلاف المناطق التي يتكلم عليها واضعو البيان، حيث كل كتيبة دويلة.

وهذه الدويلات لن يجمعها إلا ملاط تركي، على شكل هبات وامتيازات تقوم مقام الضرائب والمكوس التي تتقاضاها السلطات الجمركية في البلدان الطبيعية.

كل ذلك، ولم نسمع تعليقاً من الائتلاف والحكومة الموقتة عن التوصية. ولا ننسى، هنا، أن الائتلاف وحكومته يتخذان من تركيا مقراً، وربما مستقراً.

موقع 24

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى