صفحات العالم

شبيحة عرب في بلدان اوروبية


د. حسين علي شعبان

احالة المواطن الامريكي من اصل سوري محمد سويد الى القضاء لمواجهة تهم الكذب، التجسس على مواطنين كما العمل لصالح الحكومة السورية دون ابلاغ المدعي العام تفتح ملف شبيحة الاسد الذين يخرقون عن سبق اصرار وترصد قوانين البلدان التي منحتهم حقوقا سلبهم اياها حكام بلدانهم التي ولدوا فيها، ففروا منها بحثا عن كرامة مسلوبة وحياة لائقة. كان الزميل الياس خوري اول من قرع ناقوس هذه الفضيحة في مقالته ‘شبيحة برلين’ التي نشرتها ‘القدس العربي’ يوم الاثنين 13 حزيران/ يونيو 2011. قبل ذلك التقى كاتب هذه السطور بصديق في مركز مدينة منفاه عند نافورة ماء في يوم مشمس.

كالعادة كانت مستجدات الثورة العربية موضوع الحديث، فجأة دنا متطفلا شخص ذو ملامح عربية يسترق السمع لحديثنا. قدرنا انه من جماعة الشبيحة، فغادرنا بحثا عن مكان أكثر امنا. وقائع تعديات الشبيحة في المدن الاوربية والامريكية على مواطنين من اصول عربية تتكرر كل يوم تقريبا وفقا لما تتفتق به عقول مدبريها ألمشترك بينها جميعا انها بدائية ومتخلفة هدفها قمع حرية الكلام والتعبير عن الرأي والاعتداء جسديا على كل من لا يخضع صاغرا وعن طيب خاطر لنظام الاسد. شبيحة الاسد في بلدان الاتحاد الاوروبي شكلوا سابقة لناحية وقاحتهم وصلفهم ليس في التعدي على مواطنيهم بل وتجاوز منظومة القيم وتقاليد البلدان محل البحث. تحلــــيل وتفسير اســـباب هذه الظاهرة ودوافع مرتكبيها في مدن لندن، باريس، برلين، كوبنهاغن، نيو يورك او واشنطن تتطلب فهم الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية لسواد هذه الحفنة الاستثناء وقبلها المكونات الاقتصادية والخلفيات التعليمية، الفكرية والاجتماعية لجماعات المهاجرين العرب الى هذه البلدان.

بداية، لابد من الاشارة الى ان الجاليات العربية قاطبة في بلدان الاتحاد الاوروبي تتشكل في الغالب من مهاجرين لأسباب اقتصادية ولاجئين لأسباب سياسية وانسانية ومنفيين (ضباط من اصحاب الرتب العالية او حزبيين ابعدهم الحاكم عن السلطة كما في حال رفعت الاسد وكبار الضباط الذين نفاهم حافظ الاسد مطلع ثمانينات القرن الماضي. وهناك فئة قليلة وهي اولئك الذين انشقوا عن النظام الذي كانوا جزءا منه، فغادروا بلدانهم كما في حال عبد الحليم خدام. تنطبق هذه المواصفات على جميع الجاليات العربية في بلدان الاتحاد الاوروبي مع خصوصية متميزة للملكة المتحدة وخاصة لندن التي يتركز فيها اكثر من 80′ من الجالية العربية.

نخلص الى ان ابناء الجاليات العربية هم من فئات اجتماعية، مستويات تعليمية، مصادر فكرية متنوعة توحدهم اللغة والتاريخ المشترك ويشتتهم التناقض والتناحر المعجون بنزعة التمرد حتى على القوانين التي تصون حقوق الانسان مقرونة برفض الولاء لمنظومة العلاقات التي كابدوا وحلموا كي يكونوا جزءا منها. الغالبية المطلقة من المهاجرين العرب الى المملكة المتحدة هم من العاطلين عن العمل او محترفي الشغل غير القانوني بـ ‘الاسود’ (لضمان الحصول على المساعدات الحكومية وخاصة بدل السكن)، والمشتغلين بانجاب اطفال يدرون عليهم مساعدات حكومية تنقلب الى ‘ثروات’ غير مشروعة قانونيا واخلاقيا.

غياب المرجعيات الاجتماعية والاخلاقية كما اشكال المراقبة والردع الذاتية او الاجتماعية اديا الى انهيار المعايير القيمية والاخلاقية لهذه الجماعة التي عجز اقطابها عن تشكيل جالية عربية بالمعنى القومي او جاليات اقليمية بحسب البلد. فكان ان ترعرعت ظاهرة التدين والتمشيخ الممولة من حكومات عربية استبدادية شوهت حضارة وقيم الاسلام وقدمته في صورة خاطئة للمجتمع الغربي. الترويج للطائفية واللحم ‘الحلال’ و’الذبح الاسلامي’ لتسويق بضائع رديئة النوعية او منتهية الصلاحية هي تجارة رائجة لكل من يلج اقصر الطرق الى الغنى والشهرة. تتناقض هذه التجربية مع مثيلتها اللبنانية الرائدة في كندا او الولايات المتحدة الامريكية.

المثقفون والمتعلمون هم الاكثر انشغالا بهموم شعوبهم انقسموا في بلدان المهجر الى ثلاث فئات، الاولى: كتاب (صحافيين، اعلاميين، ادباء وشعراء)، محامون وسواهم من المختصين في العلوم الاجتماعية والانسانية يواجهون صعوبة في الحصول على وظيفة لائقة في مجال تخصصهم في المؤسسات ‘الانكليزية’ بسبب تقدم العمر (سن ما بعد الخامسة والاربعين)، صعوبة اللغة الانكليزية التي مردها ضحالة ورداءة ما تعلمه هؤلاء في موطنهم الام، كما قلة الالمام بتاريخ وجغرافيا المملكة اضافة الى اختلاف بل وتناقض العادات والتقاليد. مجموعة العقبات الموضوعية هذه تشكل مصدرا للاحباط خاصة لأولئك الذين لم يتعرفوا عن كثب الى العلاقات الرأسمالية. بشكل عام يستحوذ الاحباط واليأس على حياة هؤلاء فتجدهم ملزمين بمواصلة نمط حياتهم الذي اعتادوا عليه (نزار قباني، ناجي العلي وسعدي يوسف نماذج لمئات بل آلاف من هذه الحالات). زيادة في الطين تعمد المؤسسات الاعلامية العربية الى اهمال هذه الطاقات بل تسعى لاستغلالها بطريقة غير اخلاقية. موظفو سفارات بلدانهم يعادونهم وربما يخضعونهم للملاحقة كونهم مطلوبون. شذر من هؤلاء المثقفين يتعفن فيرتد، لينحرف عن جادة الصواب والاخلاق فيقبل على نفسه الالتحاق بشركة ‘القبيضة’ التي تمولها مؤسسات حكومات عربية واجنبية تمتهن الافساد وشراء الذمم. ظاهرة تفريخ مراكز حزبية وعائلية تدعي العلم او تأسيس جمعيات خيرية أو دينية لغرض الربح السريع وتعويض مجد ضائع نماذج لا تقبل الدحض.

المتعلمون حملة الشهادات الجامعية واصحاب الخبرة، من اطباء، مهندسين تقنيين فرصهم في الحصول على عمل اكثر توفرا. الاطباء حملة الشهادات من خارج بلدان الاتحاد الاوروبي مثلا ينخرطون في معاهد اللغة والطب لتأمين معادلة شهاداتهم، في حين لا يجد زملاؤهم خريجي بلدان الاتحاد اية عقبات بل العكس صحيح. الغالبية الساحقة من هذه الفئة ينأون بانفسهم عن التجمعات العربية بسبب اساءات وموبقات فئة البطالة اوالمستغلين لقيم البساطة والثقة العربية التي يسخرونها لأغراض الاحتيال (بعض المحامين مثلا(.

غياب وضعف العلاقة بين المثقفين واهل الاختصاص من ابناء الجاليات العربية، مرده قلة حيلة المثقفين للمال ووفرة الوقت يقابله قلة حيلة المختصين العاملين للوقت مع وفرة المال. عدم تدجين هذا التعارض الثانوي ترك الساحة للبطالة واغنياء الغفلة الذين عمدوا في كثير من البلدان الاسكندنافية الى تشكيل عصابات تحترف الجريمة بكل صنوفها. ليس هذا فحسب بل ان المثقفين وجدوا انفسهم يرتادون ويجلسون بل ويتبادلون الحديث مع البطالة واللصوص الذين اتخذوا من المقاهي مكاتب لادارة انشطتهم وتبادل تجاربهم وخبراتهم. هكذا وجد موظفو سفارات الاسد (معظمهم من اصول مخابراتية) حقلا لصيد اجراء رخيصين لترويج تجارب شبيحة درعا، دمشق، حمص وحماة في احياء وشوارع لندن، برلين او باريس وسواها من العواصم حيث يتحدث الناس عن جرائم وصفاقات هذه الفئة بطريقة يرفضها العقل ويستهجنها المنطق.

المتهم محمد سويد ينتمي بحسب المعلومات المنشورة عنه الى فئة الميسورين، فما الذي يدفع شخصا دخله السنوي يناهز 300.000 دولار سنويا الى ولوج باب التشبيح والاخلال بقانون البلد الذي يعيش فيه. الطمع وشبق السلطة هو المحرك والمحفز الاول والاخير وكل تبرير غير ذلك باطل. فالقناعة الفكرية مثلا بافكار حزب البعث هي بضاعة فاسدة يرفضها عقل المواطن السوري الذي ذاق الامرين وعاش رعبا تسلطيا على مدى عقود مديدة من حكم الطاغية. ألم يجعل الاسد من الابن جاسوسا ومخبرا على ابويه ومن الزوجة جاسوسة ومخبرة على زوجها. الم يربط الاسد ارزاق المواطنين ووظائفهم بالطاعة العمياء لحكمه؟ اليس الاسد المتمنع عن منح المواطن حقوقه الانسانية مقبل برغبة غريزية جامحة على خدمة من يدع انهم اعداء سورية والعروبة.

يواجه المواطنون السوريون والعرب في لندن ثلاث فئات من الشبيحة؛ الاولى والاخطر يمثلها اولئك الذين تسللوا منذ زمن الى صفوف الجالية السورية والعربية للتجسس عليها لمصلحة نظام العائلة. يشير اعلاميون عرب في لندن ان بعض هؤلاء كان حتى وقت قريب يتفاخر ويتباهى بل يستقوي على مجالسيه وزملائه بنفوذه لدي أجهزة التشبيح الرسمية في دمشق. عندما انفجرت الثورة تسلل بعض هؤلاء الى صفوف المعارضة وحاولوا النفاذ الى مراكزها القيادية. الفئة الثانية هي شبيحة الارتزاق أو المرتزقة وجميعم من الجهلة الضالين. يستغل الشبيحة من الفئتين الاولى والثانية تسامح القضاء ومهنية رجال الشرطة في المملكة. الفئة الثالثة هي اساتذة التشبيح المحتمين بحصاناتهم الدبلوماسية. مواجهة الشبيحة بجميع فئاتهم تتطلب الشجاعة والحزم حيث الدفاع عن النفس والحقوق امر مشروع. لا نشجع احدا على العنف او خرق القانون لكن العرف البريطاني يقول ان تعدى عليك احدهم فمن الافضل لك ان تذهب الى المحمة كونك المتهم. ماذا سيحدث وماذا سيفعل القضاة لو ركل شباب اشداء مؤخرات شبيح متلبس بانشطة تشبيحية في مكان عام. أما متعهدو اعمال وانشطة التشبيح المحتمين بحصاناتهم الدبلوماسية فعلى ابناء الجاليات العربية والمؤسسات الاعلامية ان يفضحوهم بكشف وتعميم اسماءهم وانشطتهم ثم مقاطعتهم وطردهم من الانشطة العامة المؤيدة للثورات العربية. لماذا لا تتم دعوة ابناء الجاليات العربية الى مقاطعة بل والتظاهر على مدار الساعة امام سفارة الاسد في لندن؟ اليس الاستغناء عن خدمات هذه السفارة ولو مؤقتا امر ممكن؟

‘ باحث فلسطيني يقيم في بريطانيا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى