صفحات الحوار

شبّان وصبايا يسألون ياسين الحاج صالح عن مستقبل الثورة السورية: علينا أن نكمل هذا الصراع إلى آخره، لا بديل لنا، ولم نختره أصلاً

 

 

أعد الحوار ونظّمه براء موسى

قبل الثورة بعقد من الزمن تقريبا، وبُعيد ما سمي حينها «ربيع دمشق«، تزايدت أعداد الشباب المهتمين بالشأن العام. وشكلت تلك الظاهرة حينها كسراً لحاجز العزلة عن السياسة. عزلة طبعت الحياة السورية خلال العقدين السابقين، بفعل شراسة النظام في قمعه للمعارضين، واحتكاره المطبق للسياسة، كما للدولة والمجتمع أيضاً.

لا تعبير واضحاً جمع أولئك الشباب، في بوتقة الشأن العام، أكثر من كلمة: ناشط/ة. ولأن لفظة «سياسة» كانت لاتزال تحتفظ برهابها، فقد تداخلت كثيرا أو قليلا مع الصفة اللاحقة للموصوف، كأن نقول مثلا: ناشط حقوقي، أو ناشط ثقافي.. ولصعوبة الصدق في الرابط بين الصفة والموصوف، أُطلق مجازا مصطلح: «ناشط في الشأن العام»، كتورية عن «ناشط سياسي« يختزنه هذا المعنى المباشر كتهمة قانونية، سواء من قبل المؤسسات الأمنية، أو من قبل المجتمع، الخائف من بطش بات يعرفه جيدا، ويائس من مواجهته.

بعد آذار 2011، تدفق إلى فضاء الشأن العام ناشطون وناشطات بأعداد كثيفة جدا، كانت هي عماد الثورة الأساسي وصورتها. ولا مغالاة في القول إنها كانت ثورة شبابية بامتياز.

وكما أنه لا معايير واضحة للفئة العمرية، التي تؤطّر هؤلاء الناشطين والناشطات، فإنّ الكثير من فئات عمرية أكبر تمتعت بحماسة ومرونة يُفترض أنهما صفتان شبابيتان.

ياسين الحاج صالح تميّز بملاقاته للشباب وروحهم، منذ «ربيع دمشق« وما زال. من هنا بالضبط، كانت هذه المبادرة لمساحة حوارية، ربما تساهم ايجابا بتجديد روح التعاون والشراكة بين الشباب، في هذه المرحلة العصيبة.

أيّا يكن، وصلت أسئلة من الشباب، نوردها حسب الترتيب الأبجدي، ولأنهم غير مطلعين على مجمل الأسئلة، فقد تتكرر بعض الأفكار، ولكنها تعكس في الوقت ذاته، تلاقيا بين أفكار الشباب وهواجسهم في هذا المحور.

منظمات المجتمع المدني

1 – أوس المبارك: كتبتَ مرة عن سلبيات منظمات المجتمع المدني، المستحدثة في الثورة خارج سوريا، على فاعلية الشباب في الثورة نفسها. كيف ترى دورها اليوم؟ وهل من الممكن أن تملك قوة تأثير سياسي؟

[ياسين: تكلمت عن منظمات غير حكومية، مرتبطة بجهات ممولة أجنبية، تزكي أجندة مقحمة من فوق على الصراع السوري، من دون معرفة بدينامياته وتاريخه، ويتقبلها شبان سوريون من دون نقد، ربما بدافع الشعور بالنقص حيال الغربي. والمشكلة في هذه المنظمات، تبدأ بمضمون ما تطرحه أو بقوالب وكاتالوغات جاهزة تفرضها للتفكير في قضيتنا، وتصل إلى أننا نفقد روحنا حين ندخل في عجلاتها. فلا نتحكم بشيء من شروط عملها ولا بشروط عملنا معها. و تغدو عملية إعادة إنتاجنا الخاصة ملحقة بعمليات إعادة إنتاجها هي. هذا تخريب فكري وسياسي، لا أقل من ذلك.

ولا أرى إمكانية أن تكون قوى مؤثرة سياسية، لأنها تبدو أوثق ارتباطا بالجهات المستتبعة لها منها بالمجتمع السوري.

2 – (ب.ر) ناشطة من الداخل: هل يمكن التعويل على «ديناميكية« الحالة الشبابية الثورية لتقويض السلطة السياسية، التي يحاول أمراء الحرب تكريسها كواقع جديد ـ قديم، يستلهم النموذج الأسدي؟ مثلاً: ما حدث في الغوطة منذ فترة قريبة، و التظاهرات التي خرجت ضد ميليشيات زهران علوش، الوجه الأسدي الجشع والمجرم. هل ديناميكية كهذه، هي الصمام الوحيد لاستمرار الثورة، أي وجود حالة ثورية لا يمكن تدجينها تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، أو تحت شعار ديني، أو أيديولوجي.. مواطنون انتماؤهم هو للثورة فقط ولعناوينها: الحرية والعدالة؟

[ياسين: لا تبدو لي الحالة شبابية حصراً يا عزيزتي. يبدو أن نهج علوش أحدث شرخا في مجتمع الغوطة الشرقية بين محرومين وممنوعين من التعبير عن مطالبهم، وبين الطغمة العلوشية، التي تريد الاستئثار بالسلطة والثروة والمعلومات، بذريعة مواجهة العدو الأسدي، من دون مواجهته جديا أو من دون أن تكون هناك استراتيجية مواجهة معلومة وواضحة. البنية شبيهة تماما بالبنية الأسدية كما تفضلتِ، ومثل البنية الأسدية، ليس الشباب وحدهم من عانى من أوضاع التمييز. ورأيي أن ديناميكية الاحتجاج هذه، لا يمكن التعويل عليها، في منطقة معزولة عن المناطق السورية الأخرى، وعن الصراع الكلي المحبط مع النظام الأسدي.

3 – براء موسى: ما الذي يقف الآن عائقا أمام الشباب، لتشكيل كتلة سياسية وازنة، في المعادلة الراهنة؟ رغم معرفتنا بأنّ جميع القوى السياسية السورية، من ناحية المعارضة، هي خارج المعادلة أساساً؟

[ياسين: أنا ضد الانعزالية الشبابية يا براء. أراها عائقا أول أمام تشكيل «كتلة سياسية وازنة في المعادلة الراهنة». وما دامت جميع القوى المعارضة خارج المعادلة أساسا ـ كما تقول ـ ورأيي أنك محق، فالمطلوب العمل من أجل ظهور قوى جديدة عابرة للأجيال، ومع حضور نسوي كبير. هذه نقطة أساسية في أوضاعنا الراهنة. كلما بنينا مساحة أكبر للعمل العام بمشاركة نسوية وشبابية أكبر، كانت فرص إحياء هذ المساحات وتطورها أكبر. نحتاج أيضا إلى أفكار شابة، أقصد أفكارا جديدة وثورية حول سوريا والمجتمع السوري والهوية السورية، وحول التنظيم الاجتماعي والسياسي…

4 – خالد كمال: لا شك أن الأغلبية العظمى من ثوار آذار 2011 هم من الشباب، ولكن هناك من يقول أن امتداد عمر الثورة، أصاب الفئة الشابة المتحمسة بالعجز، لدرجة شعورهم بالفشل. فهل كانوا يفتقدون حكمة الشيوخ؟ أم أنهم قادرون على اتمام المرحلة؟

[ياسين: الفشل عابر للأجيال، أصاب الشيوخ بدرجة لا تقل عن الشباب. وُوجهنا عبر أكثر من أربع سنوات، في مسار الثورة والحرب، بتحديات تتجاوز قوانا. وكانت فرصنا محدودة في أن ننجح في مواجهتها، حتى لو أحسنّا التفكير والتصرف دوما. وليس مفاجئا، في تصوري، أننا لم نحسن التفكير والتصرف في مناسبات كثيرة. هذا للقول إنه يجب ألا نحوّل سوء الحال والحظ، إلى سوء تفاهم وصراع بيننا، وكي لا ننقلب على أنفسنا بجلد الذات وتحقير النفس، وكي نصون كرامتنا وكرامة «ثورة الكرامة«. المشكلة ليست أننا لم ننتصر، المشكلة أن نجعل من ذلك بابا للندب واللطم والانقسامات جديدة.

علينا أن نكمل هذا الصراع إلى آخره، لا بديل لنا، ولم نختره أصلا. لذلك نحتاج إلى كل صحو للعقل والضمير والإرادة. فإذا استطعنا المزج بين عمل الفكر أو «حكمة الشيوخ»، واندفاع الشباب وطاقتهم المتفوقة في الحركة والتواصل والتشبيك، نكون قد خلقنا كائنا عاما قابلا للحياة.

دور الشباب

5 – (ر.أ) ناشطة من الداخل: لماذا يلاحظ التركيز بكل طروحاتك على دور الشباب الحصري في الثورة، وتجاهل باقي فئات الشعب المنخرط في فعالياتها، أليست هذه الثورة ثورة لكافة الفئات العمرية؟ وهل تعتقد أن إيقاع الثورة المتسارع، يتيح الفرصة أمام الشباب للتنظيم واكتساب الخبرة وبالتالي قيادة الثورة؟

[ياسين: «طروحاتي» ليست موجهة حصرا للشباب بهذا القدر، لكن غالبا ما وجدت نفسي أقرب إلى جيل أصغر، وهم يعتقدون أن ما أقوله «شاب» بعض الشيء. وهذا يسرني. في الوقت نفسه لست مع الشوفينية الجيلية، التي تقول إن الحقيقة والصواب والمبادرة بيد الشباب حصرا، وعلى كبار السن، الصمت والتقاعد. هذا كلام طائش، ويتسبب بسوء تفاهم مجاني بين الأجيال، في مجتمع لا يحتاج إلى اصطناع أشكال سوء تفاهم جديدة، فوق ما لديه منها سلفاً.

ويبدو لي أن تحطّم الثورة والبلد، يوجب التواضع من الشباب والكهول، ومحاولة بناء أشكال عمل مشتركة، قابلة للحياة والتطور. إيقاع سير الأحوال السورية متباطئ اليوم، وليس متسارعا في ما أرى، وهو يدعونا إلى التحرر من العمل تحت ضغط الوقت، والتفكير في أشكال العمل المستقلة المناسبة. المهم أن تكون أطر عملنا مستقلة، بدل أن تكون متنازعة في ما بينها، لكن موحدة في تبعيتها لقوى خارجة و/ أو أهلية.

6 – رولا أسد: كيف يرى ياسين الحاج صالح دور الشابات في الثورة، وبخاصة مُؤسّسات ومديرات مشاريع ومنظمات مجتمع مدني، في بناء مؤسسات سوريا؟ وهل يعتقد بوجود فرصة لأن يكون لهن دور في صناعه قرارات وطنية؟

[ياسين: أعتقد يا رولا أن دور النساء في الثورة لا يزال مجهولا على نطاق واسع، ومن الواجب أن يجري تناوله بالتفصيل وبأكبر عدد من الشهادات. ليتنا مثلا ننجز، كبداية، سيراً أو بورتريهات أولية لمئة إمرأة شاركن بصور مختلفة في الثورة، ومنهن من استشهدن، ومن اغتصبن، ومن اعتقلن وعذبن، ومن اختطفن وغيبن، ومن يعشن اليوم في المنفى.

بخصوص «مؤسسات ومديرات مشاريع ومنظمات…»، أعرف عن كثب دور رزان زيتونة، هو عظيم واستثنائي. وأعرف شيئا عن أدوار نساء أخريات كن يأتين إلى الغوطة ويساعدن في ما يستطعن، ومنهن من هن اليوم داخل البلد، ومنهن من صرن في المنفى، ومنهن سميرة الخليل، زوجتي المخطوفة والمغيبة منذ حوالى عشرين شهرا. ومن هؤلاء اللاتي يعشن في االمنفى، أعرف نساء يقمن بأدوار عظيمة أيضا. وأفترض أن هذا يؤهلهن للقيام بأدوار مهمة، في أوضاع عامة تسمح بدور لغير العنف ومديري وسائل العنف.

7 – شيار خليل خليل: أنت عاشرت شباب الغوطة من الثوار لفترة طويلة. هل اختلفت نظرتك إليهم بعد اعتقال زوجتك؟ وكيف للشباب السوري الابتعاد عن الخلافات العرقية.

[ياسين: ليس «شباب الغوطة» من اختطفوا سميرة، مع رزان ووائل وناظم. اختطفها (ولم «يعتقلها») تشكيل له أجندة ضيقة، وله تبعياته الخاصة، ولديه مشروع سلطة تخصه، على ما يتاح من سوريا. وطوال 100 يوم في الغوطة، وهي ليست تلك «الفترة الطويلة»، لم ألتق بزهران وأشباهه. التقيت بمقاتلين عاديين في أكثرهم، وكتبت بورتريهات عن بعضهم (وكلها كانت في المليحة وسقبا بالمناسبة، وليس في دوما).

الابتعاد عن الخلافات العرقية، يقتضي جهوداً جادة للتقريب بين منحدرين من جماعات متنوعة. بعد حين يقصر أو يطول، سيظهر أن النافخين في نار العداوات، يسيرون في طريق مسدود، وسيرتفع الطلب من جديد على المواقف الاستيعابية. لا ينبغي أن نؤخذ بالأصوات العالية وبالموجات الوقتية الصاعدة. البوصلة الصائبة هي الموقف السياسي والأخلاقي المبني على الكرامة المتساوية والاحترام المتساوي لجميع السكان، أفرادا وجماعات. إن لم نكن سكان بلد واحد، فنحن جيران، وما يقرأه الواحد منا وما يسمعه، سيء جدا بين الأباعد، فما بالك بالأقارب والجيران؟

8 – عاصم حمشو: منذ شهر ساهمت بندوة في باريس، كانت محاورها عن تجارب سياسية للشباب، من بداية «ربيع دمشق« حتى زمن الثورة، وعن دور أولئك الشباب في الثورة، وعن عمل التنسيقيات… يهمني سؤال: ما هي الاستحقاقات السياسية الممكنة، والممكن العمل بها في ظل هذه الفوضى السياسية؟

[ياسين: تابعت قليلاً تلك الندوة يا عاصم. ربما التحدي اليوم هو بناء حركة سياسية مستقلة ناضجة، وطنية، تمثل سوريا، التي حين ننظر حولنا لا نجد من يمثلها كبلد عمره قرن، وله عمق تاريخي وثقافي كبير، ومجتمعه المعاصر متنوع، وبحاجة إلى إطار سياسي جامع، يضمن كرامة سكانه المتنوعين. نحتاج بالقدر نفسه، إلى الانكباب على عملنا، والتخلص من روحية التنافس السياسي المخزي، ومن التعالي الأجوف.

الفجوة بين الأجيال

9 – عبد الله أمين الحلاق: العزيز ياسين، في فترة ما قبل الثورة، كنا نسمع من قياديين في أحزاب المعارضة السياسية (يساريين وإسلاميين) تأكيداً على «دور الشباب في عملية التغيير»، وهو تأكيد كان، على وجاهته، أشبه بخطاب ثابت لدى كل كلاسيكيي المعارضة، لا يجد صدى له في مجتمع لا قدرة لشبابه وشيوخه على الفعل. بعد الثورة، تصدر الشباب السوري المشهد الميداني في الأشهر الأولى، وفي كل مراحل الثورة السورية وتحولاتها. كانت الفجوة تتباعد، على ما أرى، بين الشباب على الأرض وبين الجيل الذي كبر وبلغ من العمر والعمل السياسي عتياً. كان الشباب رافضاً، بدرجة كبيرة، لأي «تبعية» كما كان يقول بعضه، وكانت قيادات المعارضة الكلاسيكية، بتنظيماتها السياسية الحزبية المعروفة، والتي صارت تشكيلات سياسية لاحقة، تتعامل برأيي، بقلة مسؤولية تجاه الحراك الذي كان الشباب متنه، وبأبوية أحياناً، ليس تجاه الشباب وحسب، وإنما تجاه الثورة السورية عموماً. ما رأيك بهذا الكلام؟ وما أسباب ذلك؟ وهل الكلام عن جيلين متباعدين يجب ان يتقاربا سياسياً او فكرياً او تنظيمياً أو في النظرة لمستقبل البلاد، هو كلام في محله؟

[ياسين: أنا أيضا لست شابا يا عبدالله، وأخشى أن كلامي عن الشباب فيه إما محاباة وإمّا أبوية.

لكن أعتقد أننا نخطئ حين نحول الفوارق الجيلية إلى سوء تفاهم جيلي مستمر، وبخاصة بين جيل الكهول من أمثالي وجيل عشريني وثلاثيني اليوم. وهما الجيلان اللذان كان لهما تجارب مهمة في العمل العام، وتعرضت قطاعات لا بأس بها منهما للسحق، أكثر من أجيال أسبق، والأمل أن لا يصيب أجيالا لاحقة ما أصابهما. جيل شباب اليوم حُطِّم أكثر من جيلنا، وتحطيمه مستمر، هذا صحيح. لكن ملاحظتي، أن الانشغال الكبير بالقضية الجيلية آخذ بالصعود منذ أيام «ربيع دمشق»، ولم يكن موجها ضد شاغلي مواقع التأثير السياسي والاقتصادي والديني في البلد، بل ضد معارضي النظام وضحاياه. ولذلك أتكلم عن سوء تفاهم جيلي، موجّه نحو الجهة الخطأ. من جهتهم، الكهول، تحطمت منظماتهم وتعرض كثيرون منهم لتحطيم شخصي، وكانت سياستهم الشبابية إن جاز التعبير، تحاول تجديد شباب منظماتهم عبر استقطاب الشباب، لكنهم كانوا عاجزين عن «تشبيب« هذه المنظمات فكريا وتنظيميا وسياسيا. وسبب ذلك سياسي وليس عمرياً، أعني ضيق مجالات التلاقي والتفاعل بين السوريين مختلفي الجيل والجنس والمنبت. ولذلك، الشباب أيضا لم ينتجوا منظمات سياسية أو اجتماعية.

يبقى صحيحا أن الضغينة الجيلية والأحكام المسبقة، تتجه نحو الجهة الخطأ في رأيي. الجهة الصائبة هي الطغمة الممسكة بمواقع التأثير السياسي والاجتماعي والاقتصادي. والظاهر اليوم، ومنذ أكثر من أربع سنوات، أن هذه الطغمة مستعدة لقصف أعمار وشرب دماء ما لا يحصى من الشباب والكهول، والأطفال، والبلد ككل، من أجل إطالة عمرها هي.

المشكلة هنا، والحل أيضا: نظام سياسي قام على سرقة الأعمار، مثلما عاش على سرقة الموارد والأفكار. يجب قصف عمر هذا النظام السياسي حتى يستطيع السوريون الحياة، وحتى تتمكن أجيالهم من أن تعيش أعمارها.

حركة سياسية فاعلة

10 – عهد الهندي: هل يمكننا أن نأمل من ياسين أن يدير مجموعة من ورشات العمل السياسي، والتي تعمل على وضع الحلول للبلد، عبر فهم كل التعقيدات السورية وبشكل أكاديمي، غير أيديولوجي ناكر للواقع، على حساب النظرة الأيديولوجية الطوباوية. بانتظار ياسين ليعمل على تشكيل وعي سياسي حقيقي، فليس عندنا في سوريا سواك يا حكيم، ونحن بحاجة إليك، فهل تلبي النداء؟

[ياسين: شكرا يا عهد على الثقة. من أجل «وعي سياسي حقيقي» يلزم حركة سياسية فاعلة، وليس «مجموعة من ورشات العمل السياسي»، أظنني أساهم فيها اليوم بصورة أو بأخرى. وحديث الحركة السياسية حديث يطول وذو شجون كما يقال، وسأتكلم فيه بصراحة. أعترف بداية أن أصدقاء كثيرين، أكثرهم شبان، يلحون علي كي أشارك في بناء حركة أو حزب سياسي، ويجدون موقفي الذي يراوح بين التردد والإعراض، غير مقبول، وغير مفهوم حتى. ويأخذ علي أصدقاء أني مكتف تقريبا بما أقوم به من كتابة، وأقرب إلى الانسحاب من ميدان العمل السياسي المباشر. هذا صحيح. ولدي أسباب تبدو لي وجيهة، ليس من بينها صعوبة وضع أساس فكري للحركة الجديدة العتيدة، أظن هذا ليس صعبا، ونحن، أصدقاء وصديقات شباب عموما، وقليل من الكهول من أمثالي، في أكثرنا كتاب لا نكف عن محاولة تمثيل الحال السورية نظريا وسياسيا، ولنا كتابات سياسية وبرنامجية أو شبه برنامجية، يمكن تكييفها دونما صعوبة لحركة سياسية.

دوافعي للتردد تتلخص في ثلاثة أمور. أولا، إن الحركة أو التنظيم السياسي ليس مسألة أفكار وتنظيم وبرنامج، وإنما هي أيضا وأساسا، مسألة موارد ذاتية غير قليلة ومستدامة، تعتمد عليها المنظمة كي تعيش وتتحكم بشروط عملها، وتحمي استقلاليتها، وتفرغ بعض كادرها للعمل السياسي، وتصون كرامة أعضائها، وتسهم في صون كرامة الشعب السوري، الذي تحاول المنافسة تمثيله. ولا يمكن أن يكون من هذه الموارد، مال يأتي من الغرب أو دول الخليج وما شابه. بمال الغير لا يمكن أن تقوم حركة سياسة وطنية مستقلة. ثانيا، منذ ما يقرب من عامين أعيش خارج البلد، وهذا ما ينطبق على أكثر أصدقائي، ولا أرى كيف يمكن أن نبني حركة سياسية، لا موارد ذاتية لها وتعمل من بعد. سنقع على الأرجح، في مدارات حول قوى تملك القوة والمال، أو نبدأ بالدوران حول أنفسنا، فلا نشكل غير إضافة كمية إلى كثيرين قبلنا. وثالثا، لدي اقتناع قديم تعزز مع الأيام، وهو أننا محتاجون لعمل تأسيسي على مستوى الثقافة، قضايا الأخلاقيات والدين والمعرفة…، وهذا ما أحاول المساهمة فيه، وما لن أستطيع المساهمة فيه إن اشتغلت في السياسة. وأخشى أن حركة سياسة لا تأخذ هذه القضايا بالاعتبار، ستبدأ بعد قليل بالانشغال بمشكلاتها الداخلية واستهلاك طاقتها في تأمين موارد من الغير وفي اتصالات لا جدوى منها، أو ستخمد بعد حين تاركة حسا بالمرارة والإحباط في نفوس المشاركين فيها.

وبعد هذا كله، لم أبتعد عن محاولة المساهمة في «تشكيل وعي سياسي حقيقي»، ليس بالكتابة وحدها، ولكن بالتشارك مع شباب سوريين في مجموعة «الجمهورية«، وفي «هامش«، البيت الثقافي السوري، وفي أنشطة أخرى، كتابية وغير كتابية.

لكن إسمح لي بالتحفظ على الكلام عن تفكير «أكاديمي غير إيديولوجي». أخشى أن مثل هذه التعابير، تحيل على مقاربة تكنوقراطية للمجتمع والسياسة، من النوع الذي تروج لها مراكز «الثينك تانك« الغربية. هذه المقاربة، لا تغفل البعد الفكري والثقافي والأخلاقي للعمل العام فقط، ولكن أيضا البعد الاجتماعي. أجد نفسي غالبا، أقرب إلى جماعة «النظرة الإيديولوجية الطوباوية» من «الأكاديميين غير الإيديولوجيين».

11 – كمال شيخو: يختلف الكاتب الحاج صالح في مقالته عن ياسين على صفحته الشخصية بموقع الفايسبوك، ويشخص المسائل في النهاية بمستوى شخصي أكثر من منبره الكتابي، أين يجد نفسه الكاتب: في مواقع التواصل الاجتماعي أم في منبره الإعلامي؟

[ياسين: أقول ما قاله المرحوم ممدوح عدوان في عنوان أحد كتبه: وهذا أنا أيضا! لا أعبر عن نفسي بالطريقة نفسها في كل مكان. عملي الأساسي الذي أهتم به أكثر، وأحب أن أُعرّف به أكثر، والذي أعيش منه، هو الكتابة. الفايسبوك مساحة أكثر شخصية وأكثر عفوية، شيء يشبه الجلوس في مقهى. لا أقضي الوقت في المقهى، لكني أقضي فيه وقتا كل يوم تقريبا. «أجد نفسي» أكثر في الكتابة طبعا، لكن لا أراها «تضيع» مني في الفايسبوك وغيره.

12 – ليزا حنّا فرح: هل ترى من الحكمة أن يكون للشباب دور في صناعة القرار السوري حاضرا ومستقبلا؟

[ياسين: أستاذة ليزا، في سوريا التي تعاني منذ نصف قرن، من مصادرة السياسة، ومن سنوات من التدمير، ينبغي أن يكون القرار السوري موجها اجتماعيا، أي نحو مطالب وحاجات السكان، والشباب جزء منهم. وأجدر من يستطيع أن يدرك حاجات الشباب هم الشباب.

مهم أيضا في بلدنا، الذي خضع لحكم الأبد طوال عقود، أن تكتسب حياته السياسية ومؤسساته، روحا من الفتوة والتغير والشبابية. نكون طوينا الصفحة الأسدية ليس حين ننتهي من حكم السلالة الغاشمة، ولكن حين نطوي نهائيا صفحة الحكم الأبدي، وندخل زمن التداول، تداول السلطة وتداول الأفكار وتداول الأجيال…

13 – مؤيد اسكيف: أليس من الضروري أن يقوم مثقفونا ومفكرونا بالتنظير للهوية السورية، باعتبارها في حال اضمحلال وسوف تصبح مجرد ذكرى؟ على عكس الحالة الفلسطينية التي كان لديها حالة وطنية متبلورة، وذلك طبعا لاختلاف العدو والظروف؟

[ياسين: مؤيد، ما يمكن أن يكون مساهمة في معالجة أزمة الهوية السورية، هو بناء حركة وطنية تحررية سورية، يمكن أن تتشكل أكثرية سورية مهمة حول توجهاتها وبرنامجها. أي أن حل مشكلة الهوية عملي، وليس نظريا في رأيي. لكن التنظير للهوية السورية حاجة حيوية اليوم لأن التنظير عموما وثيق الصلة بالأزمات، وتنظير الهوية السورية يتصل بأزمة مؤكدة في هويتنا، ولأنه يمكن كذلك أن يطور أدوات للتفكير فيها، وربما يقترح التنظير أسسا ومبادئ لإجماع سوري جديد. والتبلور الذي تتكلم عنه في الحالة الوطنية الفلسطينية، غير أنه مبالغ فيه في تصوري، هو تبلور عملي في منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت توحد بقدر مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة: فلسطينيي 48 وفلسطينيي الضفة والقطاع، وفلسطينيي اللجوء والشتات. منظمة التحرير دخلت في أزمة منذ اتفاق أوسلو، وهي أزمة تطال الهوية الفلسطينية ذاتها، في غياب قوة قائدة تنال ثقة الشعب أو قطاعات واسعة منه.

نحن السوريين في حال أسوأ بالطبع، نفتقر إلى قوة قائدة موثوقة ولو نسبيا، وعدونا رغم وحشيته هو منا بصورة ما، وليس غريبا علينا. ويطرح علينا تحدياً مقارباً للتحدي الذي واجهه الفلسطينيون: شد السوريين في مناطق سيطرة النظام والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وسوريي اللجوء والشتات، إلى عنوان واسم موحد: سوريا جديدة متحررة وقائمة على المساواة. لكن وضعنا أكثر تعقيدا. ليس من حيث أن حربنا مستمرة، وكلفتها تجاوزت، سلفا، كلفة حرمان الفلسطينيين من وطنهم، ولكن كذلك لأن هناك بعداً طائفياً (سني علوي وشيعي بخاصة) وبعدا إثنيا (عربي كردي بخاصة)، مع صراع عنيف ودم وتهجير بين هذه المجموعات، بما يضفي تعقيدا بالغا على فكرة الهوية السورية ويجعلانها تحديا كبيرا.

وأتصور أن اتجاه التفكير في الهوية السورية لا ينبغي أن يفكر به بمنطق المجانسة والتنميط، بل بمنطق تعددي، ينفتح إلى أقصى حد على التعدد التحتي لتعبيرات المجتمع السوري الإثنية والدينية والثقافية، بينما تتكفل الدولة بضمان المساواة الحقوقية والتنموية بين السكان.

14 – محمد أمير ناشر النعم: لماذا استطاعت «داعش« ومثيلاتها من التنظيمات الدينية، تجنيد عدد لا يستهان به من الشباب السوري، والاستحواذ عليهم استحواذاً مطبقاً، وتسخيرهم لمشروعها المناهض لكل المنجزات التي كدحت الإنسانية لتحقيقها والوصول إليها، وأخفقت جميع التيارات المدنية الأخرى في ذلك، بل عجزت عن مدّ الجسور بينها وبين الشباب، فلم تستطع تنظيمهم ولا تأطيرهم، حتى يشكلوا على الأرض قوة مؤثرة وفاعلة، ولماذا نرى أن معظم هذه التيارات قد تجلطت روح الحماسة فيها، فتكلست المبادرات التبشيرية التي تستقطب الشباب، وضمرت الخطط والبرامج التي تخاطبهم وتتوجه إليهم؟

[ياسين: هذا سؤال طويل عريض يا عزيزي أمير، لا يمكن إيفاؤه حقه هنا. لكن سأركز على نقطة محددة يبدو لي أن السلفيين الجهاديين يتفوقون فيها بوضوح ليس على العلمانيين وحدهم، ولكن على الإسلاميين الآخرين أيضا، أعني انفراد الجهاديين بامتلاك نموذج إرشادي (باراديغم) فكري سياسي تنظيمي واضح. لديهم أولا نظرة إلى العالم، تراه فضاء شريرا، متآمرا، معاديا للإسلام والمسلمين، وهذا ليس باطلا تماما. ولديهم ثانيا، نظرية سياسية هي الحاكمية الإلهية تنكر حق البشر في التشريع واختصاص الله به، وأحوال مجتمعاتنا القانونية والدستورية تسبغ على كلامهم شيئا من وجاهة. ولديهم ثالثا، منهج عمل هو الجهاد، أي تغيير الواقع بالقوة، وحال مجتمعاتنا المتفقرة إلى آليات للتغيير تضفي وجاهة على التغير بالجهاد أو اعتماد صندوق الرصاص في مقابل صندوق الاقتراع، على ما قال جهاديون مصريون إثر انقلاب السيسي على حكم الإخوان. ولديهم رابعا، حركة سياسية فاعلة هي «القاعدة»، لها مآثر معلومة من النكاية للغرب، هذا بينما يقيس الغرب بقياسين، على الأقل، بخصوص الإخوانيين، ويرفض أن يأخذ علما بوجود ديموقراطيين وعلمانيين. ولديهم خامسا «علم» هو السلفية وأعلامها من محمد بن عبد الوهاب إلى ابن تيمية إلى ابن حنبل. ولديهم سادسا، هدف محدد هو الدولة الإسلامية. وضوح النموذج وصلابته يملآن النفس باليقين والعزم. ثم إن وسائل الإعلام الغربية ذاتها تتكفل بعولمة الجهادية عبر الانجذاب المرضي إلى تغطية أخبارها ورواية قصصها الحقيقية والمبالغ بها والمختلقة.

ماذا لدى الإخوان؟ كلام توفيقي يريد الجمع بين الإسلام والحداثة من دون منطق. وماذا لدى التيارات العلمانية؟ أفكار طيبة في أحسن الأحوال، وانحياز لنظم الطغيان في أسوئها. لا شيء يشد العزائم في الحالين ويحفز الهمم. أعتقد أن هذا يلقي ضوءاً على جاذبية السلفية الجهادية، وهيمنة نموذجها في صفوف جميع الإسلاميين المقاتلين للنظام اليوم.

شباب الثورة

15 – مهند أبو الحسن: شباب 2011 الذين كانت الثورة هي كل حياتهم وكل همهم، أين كانوا وأين صاروا؟ ما اخطاء اساسية التي ارتكبت وما المستمر منها؟

[ياسين: كان رهان شباب 2011، هو إسقاط النظام بالاحتجاجات السلمية والأنشطة المرتبطة بها. مع مواجهة الثورة السلمية بالحرب وتحول الثورة نحو الحرب، تهمش هؤلاء الشباب، ومن لم يعتقل منهم، ولم يستشهد، تشتت في المنافي. ومنهم من لا يزال في الداخل يشتغل بقدر المستطاع في مناطق سيطرة النظام، أو في المناطق الخارجة عن سيطرته، حيث يتعرضون أيضا لضغوط المجموعات الإسلامية المتشددة. أعتقد أن ما حسم مصير شباب 2011، هو تحول الثورة إلى الحرب، مع عدم قدرتهم أو قدرة أي كان، على وقف هذه العملية، أو على المشاركة الجماعية والواسعة في الحرب. المسألة هنا في تصوري، وليس في أي أخطاء لا يخلو منها عمل بشري.

16 – مهيار الخشروم: بذهني سؤال عن دور الشباب المغترب/ المهجّر/ اللاجئ، في صياغة مفهوم جديد للثورة السورية في المستقبل السوري، ولأي مدى تنعكس تجربة الاغتراب وعيش المنفى على مفهوم الوطن الميت/المولود من جديد؟

[ياسين: بوحيّ من السؤال، يخطر ببالي يا مهيار، ضرورة بناء شبكة مغتربين سوريين، تقوم بأنشطة اجتماعية وثقافية، وسياسية، وتكون نواة لمنظمة سورية عالمية، قضيتها وحدة سوريا وبناء أكثرية سورية جديدة، والعودة إلى البلد طبعاً، وإعادة الإعمار.

مهم في رأيي، منذ اليوم، أن ندخل قضية اللجوء والشتات بتفكيرنا السياسي كقضية أساسية، وأن نساهم أيضا بالنقاش العام السياسي والفكري في البلدان التي نعيش فيها، ونكسب شركاء لقضيتنا.

وتبدو لي فكرة الوطن الميت/ المولود من جديد، فكرة مثيرة، وجديرة باستثمار أدبي وفني وفكري. عادة، أفكر في المنفى، وقبله السجن، كتجربة افتداء أو تجربة قربانية، يمكن أن تكون محررة، لكن بثمن موت المنفي أو السجين، وانبعاثه المحتمل. اليوم، يبدو أن سوريا ككل هي في وضع السجين والمنفي، وهي التي قد لا تنبعث من دون موت يطال ما هو أكثر من صورتها الأسدية. ثيمة الانبعاث يمكن أن توجه النشاط العملي، علاوة على خصوبتها الثقافية.

17 – ميادة الخليل: ياسين حج صالح كشاب، عمل بالشأن السوري في حقبة حافظ الأسد في أوج قوته. وفي زمن الثورة، كان الشباب هم الحامل الرئيسي للثورة، فما هي نقاط الضعف في شباب الثورة اليوم؟

[ياسين: الفرق بين جيلنا وجيل شباب اليوم يا ميادة، يتمثل في أمرين أو ثلاثة. أولاً، كنا ناشطين في أحزاب سياسية لها أيديولوجيات محددة، وتعتمد في جاذبيتها على أيديولوجياتها بقدر لا يقل عن توجهاتها السياسية، إن لم يكن أكثر. من شأن الأيديولوجيات أن تكون «طماشات« تعمي، بقدر ربما يفوق ما تتيحه من رؤية. شباب اليوم، تحركهم يشكل قيماً أكثر اتساعا، إنسانية ووطنية، لا تعمي، لكنها أيضا أقرب إلى حساسية عامة، ولا تصلح أساسا لحركة فكرية أو سياسية منظمة. ثانيا، من عواقب فقدان الثقة بالأيديولوجيات الكبيرة، توجه الثقة كلها نحو الأنا، نحو إحساس الشخص وتجاربه وتفضيلاته وأهوائه ومصالحه وشهواته، وبالتالي درجات متفاوتة من الأنانية والتمركز حول الذات، أمور كانت في تصوري أقل انتشارا في جيلنا. لكن أنانية جيلنا كانت أنانية حزبية وأيديولوجية في الواقع، لا تتعارض مع درجة من التضحية من أجل الحزب والقضية. الفرق الثالث، هو أن علاقتنا بالكتاب كانت أفضل في تصوري، وهذه نقطة شديدة الأهمية. اليوم القراءة قليلة، وتفاقم مواقع التواصل الاجتماعي من ذلك. وهذا في رأيي سيء جدا. فإذا كان لي أن اقترح شيئا على شباب اليوم، فهو أن يقرأوا كتبا، وأن يخصصوا وقتا يوميا للكتب، وأن يحددوا لأنفسهم حدا أدنى شهريا وسنويا للكتب المقروءة.

في أيامنا، كانت ثقافتنا كتبية وتجربتنا محدودة، وهذا خلل ثقافي كبير. اليوم لدى بعض الشباب تجارب مهمة، لكن ثقافتهم الكتبية محدودة، وهذا خلل ثقافي بالدرجة نفسها.

 

18 – نبيل نبو: كيف أثر الشباب سلبا على مسار الثورة السورية، في ظل انعدام الخبرة السياسية والمهنية، والإفساد المتعمد من بعض المنظمات غير الحكومية، وذلك باستبدال الخبرات والكفاءات بـ«المثقلين ثوريا»؟

[ياسين: يبدو لي السؤال ظالماً، يا نبيل. الشباب لم يأتوا إلى الثورة من خارجها حتى يؤثروا على مسارها سلبا. وهم وقلة خبرتهم، جزء من هذا الحدث التاريخي الكبير الذي هو الثورة السورية، والثورة أيضا جزء منهم. وعلى كل حال، لا أحد خبيراً بالثورات، وهي، تعريفا، عملية خروج على الواقع والمتوقع، تدفع إلى إعادة النظر في ما نعرف وفي ما لدينا من خبرات، بينما هي تعمل على إعادة النظر في ما نعيش.

هناك ظواهر شبابية جديرة بالنقد مثل «الشوفينيين»، ومن وصفتهم بـ»المثقلين ثوريا»، وأظنك تقصد من استغنوا بتجاربهم في الثورة، بداياتها خصوصاً، عن التعلم وعن المشاركة مع آخرين. لكن ليس من الإنصاف حرق الشباب أو بعض الشباب، لأن هذه الظاهرة موجودة بكثرة بينهم. حين تنظر إلى أدوار وأداء أناس من أجيال أكبر، وهم لا يشكون من قلة «الشوفينية» من دون «ثقل ثوري» غالبا، تصبح أكثر استعدادا لتقبل كل ما يأتي من طرف الشباب.

19 – نزهت شاهين: لماذا يتم تغييب دور الشباب في العمل الفاعل في مؤسسات الثورة؟

[ياسين: هل المقصود بمؤسسات الثورة «الائتلاف…» وما شابه؟ إن كانت هي، فلأنها مؤسسات غير شابة، وعينها ليست على فاعليات الثورة الشابة وغير الشابة، بل على جهات إقليمية ودولية تلتمس منها اعترافا ووزنا. وهي مؤسسات «ضيقة العين»، يريد الكهول القائمون عليها، الاستئثار بالعلاقات والروابط والأسفار، على حساب غيرهم من الكهول وعلى حساب الشباب، وعلى حساب أي مبادئ، أولا.

20 – همام الصباغ: ما الآلية الممكنة لإعادة التواصل الفكري والتواصل بين الشباب من مختلف الأطياف والمشارب الفكرية، بحيث تخف حدة التوتر في التخاطب بين الجميع؟

[ياسين: أستاذ همام، أعتقد أن مواجهة الثورة بالحرب، أطلقت تدريجيا ديناميكية عسكرة وتشدد وتطييف مستمرة حتى اليوم، و»توتر الخطاب» الذي تتكلم عنه، هو أحد أوجه هذه العملية، التي من أوجهها الأخرى التمزق الاجتماعي والنفسي، وروح الخصام والتعادي، والانفعال والغضب… وهي ديناميكية مستمرة لأن مضختها الأصلية لا تزال شغالة، النظام الأسدي وحربه، مع دخول مضخات أخرى للعنف والتحطيم، مثل «داعش« وجبهة النصرة، وبدرجات متفاوتة، المجموعات الإسلامية الأخرى.

من المهم بالطبع أن لا ينجر الواحد منا، نحو العنف اللفظي وسيكولوجية القطيعة، وبالعكس نحاول الوصل بالغير ونوسع مساحات التلاقي والاشتراك. لكن من دون تعطيل مضخات القتل والكراهية والكذب، تبقى الفرص محدودة برأيي لأن تنطلق ديناميكية التواصل والثقة والتقارب، مثل تلك التي مثلتها الثورة في شهورها الأولى.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى