صبحي حديديصفحات سورية

“شبّيحة” خواجات

 


صبحي حديدي

‘شبّيحة القلم’، أو

Shabbiha of the pen

في الصياغة الإنكليزية الأصلية، هو التعبير الذي ابتكرته الأكاديمية والإعلامية السورية رنا قباني، لتوصيف ثلّة من المعلّقين في الغرب، بريطانيا والولايات المتحدة بصفة خاصة، على رأسهم أمثال باتريك سيل وأليستير كرووك وجوشوا لانديز. وهؤلاء، في رأيها، يسوقون ـ ومن جانبي، شخصياً، أستطيع القول إنهم أيضاً يسوّقون ـ ‘الحجة العتيقة القائلة بأنّ الأسد وأسرته الموسّعة المؤلفة من القتلة واللصوص هم الأفضل للبلاد، أو للبــــنان، أو الفلسطينيين، أو حتى للحدّ من التسلّط الإسرائيلي أو الأمريكي’، كما كتبت قباني في صحيفة الـ’غارديان’، تعليقاً على مقال نشره سيل بعنوان’إذا سقط الأسد فسنشهد تفكك جميع تحالفات المنطقة’.

‘وحين يعيدون التشديد على هذه الحجة الخادعة، التي توجّه الإهانة إلى دم كلّ شهيد سوري سقط في غمرة سعي الأسد اليائس إلى سحق الثورة بالقوّة، فإنّ هؤلاء’، تتابع قباني، ‘أظهروا أنهم ناطقون باسم النظام السوري، وليسوا مراقبين محايدين. وهم، مثل الأسد نفسه، عاجزون عن إصلاح أدمغتهم، التي تجاوزتها الأحداث منذ زمن بعيد. نعم، لقد آن الأوان لكي تتغيّر التحالفات في الشرق الأوسط! وكلا، ليس بعبع الإخوان المسلمين هو الإستبدال الحتمي لمافيا الأسد العلمانية، كما تساجل هذه المقالة الكسولة (…) إنّ سورية تتغيّر أمام أعيننا، وحين تتخلص من آل الأسد، فإنها لن تكون بحاجة إلى هؤلاء الأدوات الفكرية، شبّيحة القلم على نحو بالغ الإحراج، ممّن ما يزالون يعيشون في رواسب الثمانينيات العتيقة’.

وإذْ أسجّل إعجابي، الشديد في الواقع، بهذا التعبير اللاذع والموفّق تماماً، وأبصم بالأصابع العشرة على جدارتهم بصفة ‘شبّيحة القلم’، فإنّ بعض الفوارق في تقاليد ‘التشبيح’، تميّز هؤلاء عن ‘شبّيحة’ مالك الأسد ومنذر الأسد وفــواز الأسد ورامي مخلوف وإيهاب مخلوف وإياد مخلوف… ثمة فارق أوّل هو أنّ سيل وكرووك ولانديز (وفي الوسع إضافة أسماء أخرى كثيرة، بالطبع، مثل الأمريكي فلنت ليفريت، مؤلف كتاب ‘اختبار النار’، ومواطنه دافيد ليش، صاحب ‘أسد دمشق الجديد: بشار الأسد وسورية الحديثة’، والبريطاني جيمس دنسلو، الذي يكتب في صحيفة Syria Today السورية الحكومية، والفرنسي بيتر هارلينغ، من ‘مجموعة الأزمة الدولية’)… ليسوا ‘بلديات’، بل ‘خواجات’، لكي نستخدم تعبير أهلنا في مصر.

وهم، في جانب آخر، متطوعون من تلقاء أنفسهم، أياً كانت منافعهم الغثة أو السمينة وراء هذا التطوّع، ومهما تنوّعت بواعثهم المعلنة أو الخافية، وتلوّنت ذرائعهم في تمويه الدفاعات عن نظام وراثي إستبدادي عائلي فاسد، لم يكن ينقص انكشاف سوءاته، كافة، إلا إراقة دماء المئات من الأطفال والشيوخ والنساء والرجال، وتفريق التظاهرات السلمية بالدبابة والمدفع الثقيل وراجمة الصواريخ، وحصار المدن والبلدات والقرى. لا ريب أنّ واحدهم يمتلك الحقّ، كلّ الحقّ، في أن يفكّر كما يحلو له بصدد تحليل المشهد السوري، مثلما يحقّ لأيّ قارىء، والسوري بصفة خاصة، أن يتفق أو يختلف مع تحليلاتهم تلك، أو أن يرى فيها الرأي الذي يشاء، بما في ذلك ازدراء مقولاتها السياسية والأخلاقية، ووضعها في سياقات الوقائع الفعلية على الأرض، بما ينطوي عليه هذا من تأطير لمقدار الخدمة التي يسديها أولئك السادة للجلاّد، ومقدار ما يوجهونه من إهانة للضحية.

ولكن، في المقابل، هل يحقّ لأي منهم أن يلوي عنق الحقائق البسيطة، فيتعمد تسمية الأشياء بغير مسمّياتها الحقيقية الفعلية، كأن يصف الإنتفاضة أو التظاهرة أو الإعتصام بأنها ‘أعمال شغب’، كما يفعل باتريك سيل مثلاً، أو يرى أنّ أيّ تغيير في سورية سوف يخلّ بتوازناتها الإثنية والدينية والمذهبية، وبالتالي خير للأمور أن تبقى على حالها، ثابتة لا تتحوّل، كما يوحي جوشوا لانديز، أو يصرّ، رغم نفي صاحب العلاقة نفسه، على أنّ الأسد راغب في الإصلاح ولكنّ بطانته هي الفاسدة، ولهذا فإنّ النظام دكتاتوري بلا دكتاتور، كما في المساجلة السقيمة التي يعتمدها جيمس دنسلو؟ وكيف، والحال هذه، يكون هؤلاء السادة أحفاد توماس جيفرسون، وأوليفر كرومويل، وفولتير؟ وكيف ينتسبون إلى أيّ نظام أخلاقي إذا كانت الشفقة، أو الإعراب عن الأسف تجاه الأعداد المتزايدة من القتلى والجرحى، أو نصح النظام بالتخفيف من قبضة العنف في أفضل الأحوال… هي كلّ ما يقترحونه على الشعب السوري، الذي يزعمون معرفته، وحبّه؟

أغلب الظنّ انّ ‘الشبّيح/ الخواجة’ هو مستشرق أزماننا الراهنة، وهو لا يتردّد في انتحال صفة خبير لا يُشقّ له غبار في تشخيص أمراضنا السياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية، وذلك بالرغم من اعتماده شبه الكليّ على معرفة بائسة، جاهزة، سطحية، أو قائمة على الكليشيهات وحدها أحياناً. في المقابل، لا نعدم ضميراً حيّاً مثل السينمائي الأمريكي الكبير مايكل مور، يُخلص لأصفى ما في التراث الإنساني من تقاليد تضامن، فيقول لطغاة سورية: ‘لقد انتهى وقتكم. كفى. إنها النهاية!’، كما يقول للشعب السوري: ‘لا تستسلموا! التاريخ في صفكم! كلّ دكتاتور وكلّ طاغية على مرّ التاريخ سقط واحترق. كلّهم يرحلون عاجلاً أم آجلاً، مهما بلغ شرّهم. التاريخ يتقدم، والبشرية تتطور، وهذا هو ما يحدث الآن في سورية’.

لا ريب. ولا عزاء للخواجة، الشبّيح بالقلم!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى