صفحات الثقافة

شبّيحة وفزّاعات

    سناء الجاك

مشهد شبّيحة الاسد في حي الفراقيص الحمصي يدل على أن وسيلة هذا النظام الوحيدة للبقاء تكمن في تدمير كل شيء يتحرك، بعد فشل ذريع لحوالى نصف قرن من محاولات تدمير عقل الفرد السوري وكرامته وقدرته على المطالبة بالحرية.

في حي الفراقيص نموذج صارخ لجبن الشبّيحة ونظامهم، على اعتبار أن كل شيء يتحرك يشكل خطراً عليهم، ويعوق التزامهم إبادة الشعب السوري، فهم يعملون ضمن معادلة قوامها من ليس شبّيحاً هو إرهابي وخائن ومرتزق عربي أو أجنبي.

حوّل الشبّيحة الحي ركاماً ثم راحوا يتكلمون بخوف الى المذيعة الميدانية الغنوجة التي تريد أن تقنعنا بأن كل ما يجري دفاع محق عن الوطن في وجه عصابات وإرهاببين. المفارقة أن لا شعب في المشهد، ولا حتى خلفية لمواطنين مبتهجين أو نسوة يزغردن وينثرن الأرزّ على المنقذين. السبب ان الشبّيحة ومن يأتمر بأمرهم يتخيلون وهم يتحدثون امام الكاميرا ان هناك من يتربص بهم حتى في أسرّتهم، ويلتفتون يمنة ويسرة ليتأكدوا انهم لن يتعرضوا الى هجوم من تحت الركام.

ما لا يتحرك يخيف الشبّيحة أيضاً. يكفي ان يرتابوا بوجود شبح متظاهر يهتف: “ما بنحبك” او بشكل بشري يتربص بهم، حتى يجن جنونهم، لذا يتسلى الثوار بهم، وآخر تسلية كانت عندما نظم شباب داريا في ضواحي دمشق، تظاهرة من الخشب والقماش تطالب بإسقاط النظام ومحاسبة الأسد.

التظاهرة الصامتة تداعت اليها فزّاعات ترتدي ثياباً متنوعة، فظهرت كأشخاصٍ في أعمار مختلفة، وتم لصق شعارات متعددة عليها، في ساحة تتوسط المدينة وتعتبر المكان المفضل لتمركز عناصر الأمن، ففاجأت عناصره، ومن دون أن يتبيّن هؤلاء من يواجههم، عمدوا الى إطلاق نار كثيف، فسقط من الفزّاعات شهداء ومصابون، ودُفن الشهداء من دون تشييع، أما الفزّاعات المصابة فسارع الشبان الى تضميد جروحها وإعادتها الى مكانها ليتكرر إطلاق النار وصولاً الى قذائف الهاون.

يبدو انه لا بديل من استخدام عقاقير مهدئة للاعصاب حتى يتمكن شبّيحة الأسد من إبادة الشعب السوري لبقاء النظام، واذا استحال ذلك بسبب العقوبات، فلا ضير من الاستعانة بأصدقائهم الاوفياء في بعلبك والهرمل للحصول على بعض الحبوب التي يتم انتاجها محلياً، لئلا يتلبك شبّيح أمام الكاميرا ويهاب الركام.

على فكرة، الشبّيحة عاتبون على الحكومة اللبنانية، على أساس ان لحم أكتافها من خيرهم، وتحديداً رئيسها نجيب ميقاتي، وفق ما كتبت صحيفة “الوطن” السورية، التي انتقدت “سياسة النأي بالنفس تجاه الأحداث الجارية في سوريا وكأن سوريا لا تهم لبنان من قريب ولا من بعيد”، وعتبت على حكومتنا “لأنها لم تنأ بنفسها عن تلك العصابات الإرهابية التي تسللت إلى شمال لبنان من تكفيريين ومن تنظيم القاعدة وما يسمى الجيش الحر بل شجعتهم، حتى رفضت الإقرار بوجودهم”.

أما عن الرئيس ميشال سليمان، الذي يحترمه شبّيحة النظام الاسدي ويقدّرونه، فقد لاحظوا انه لم يتخذ “موقفاً واضحاً وصريحاً وشفافاً تجاه الوضع في سوريا”، ما يخالف نص الدستور اللبناني الذي أقر في إحدى مواده أن “لبنان يجب ألا يكون ممراً أو مستقراً لأعداء سوريا”، على أساس ان الشعب السوري عدو موصوف… والعتب كما تعرفون على قدر المحبة، فكيف اذا كان عتب نظام شبّيح ذاقه كل لبناني سواء كان في مقلب “الخيانة والتآمر” أم في موقع الممانعة. ولم يغب عن الذاكرة ان كل فريق في لبنان أخذ نصيبه من هذا العتب، وللحليف قبل العدو “شهداؤه” في هذا الإطار، وتحديداً جنرال الرابية الذي يندب من اليوم “الديموقراطية” في سوريا.

على سيرة الجنرال، يمكن رصد علامات تدل على ان كل من والاه يصاب بسوء الطالع بدءاً بالرئيس العراقي صدام حسين وليس انتهاءً ببشار الأسد وإيران و”حزب الله”. لذا وجب الحذر. ربما وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري تنبه الى مفاعيل لعنة الجنرال فبدأ انسحاباً تكتيكياً. وألف قلبة ولا غلبة.

ولعل النحس الذي ابتلى به الشبّيحة يعود الى هذه الموالاة، والتعويذة الوحيدة لشد عزيمتهم هي قطع دابر كل ما يمت الى لعنة الجنرال بصلة، حينها ينفضون عنهم الخوف ويواجهون الفزّاعات بثقة ويدحرون جحافلها لينتصروا على المؤامرة الكونية ويبقى النظام الأسدي الى الابد.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى