كتب ألكترونية

شذرات من خطاب محب، تتبعها صفحات غير منشورة/ رولان بارت

 

الحبّ والكتاب/ أمجد ناصر

“هناك دائما كتاب في موضع ما في الكائن البشري، أياً كانت الثقافة التي ينتمي اليها، وهذا الكتاب يفرض العاطفة على اللغة ويفرض على العاطفة أن تكون لغة”. هذا ما يقوله رولان بارت في كتابه “شذرات من خطاب مُحبّ” (ترجمة علي نجيب ابراهيم، المنظمة العربية للترجمة). واستمرارا مع بارت “فليس ضروريا أن يكون هذا الكتاب محددا ومسمَّى، بوسعه أن ينتمي الى كتاب اللغة الكبير مجهول المؤلف، كتاب الآخر، وهو كتاب لا يمكن رصده ولكن تطفو منه أحيانا مقاطع أكثر وضوحا: الأغاني الشعبية”!

لا يجادل بارت، هنا، في أيهما له الأسبقية: الحب أم الكتاب، ولكن يمكننا أن نلمس، بوضوح، مرجعيةَ المكتوبِ الموجِّهةَ في خصوص العاطفة. لا بدَّ أنَّ الحبَّ، كشعور غريزيٍّ خام، سابق على المكتوب. لا بدَّ أن ذلك حدث ذات يوم. إنه ارتطام الجمال (المعشوق) بالعين فجأةً ومن دون سابق إنذار. إنَّه ذلك الاختلاج الداخلي. التقلّصات. نشاف الريق. إنَّه، بعد ذلك، الرغبة الجارفة، المجنونة ربما، في الاقتراب من الجمال – المحبوب، لمْسِه، شمِّه، تذوّقه، ضمّه. ثم الالتحام به، لأنَّ البعد عنه لا يطاق. فالبعدُ، في هذه الحال، منفى. لا أعرف، شخصياً، تعريفاً أو وصفاً للحبِّ غير هذا. قد يقول قائل إنَّ ذلك هو الحب “الحسيِّ”، وليس الحب “العذريّ”. مع قول كهذا يحضر، على الأغلب، ذلك الكتاب، مجهول المؤلف، الذي تحدَّث عنه بارت. تحضر الكلمات. ويحضر التأليف والتصنيف.

هذا يعني أني أقدِّمُ الحبَّ على ذلك “الكتاب”. أعطيه الأولوية. ولكن ليس دائماً، ليس على طول الخط. إنَّ ذلك الارتطام المفاجىء للجمال بالعين. تلك التقلّصات وجفاف الريق، غير المصحوب بكلمةٍ، أغنيةٍ، قصيدةٍ، مَثَلٍ، حدث في زمن سحيق جداً كان فيه الانسان أقرب الى الحيوان الأعجم. بعد ذلك الانسان، شبه الأعجم، وجِِدَ الكتاب، حتى صرنا لا نستطيع أن نعرف الحب إلا انطلاقا من مَتْنِه، فإن قال لنا ذلك المتن هذا حب، فهو حب إذن، وإن قال لنا إنه ليس كذلك وافقنا. بل إنَّ ذلك الكتاب هو الذي يحدِّد حيال أيّ نوع من الحب نحن: عذري، حسي، افلاطوني، إلهي.. فهذه “أنواع” حبِّ ذلك الكتاب (وربما هناك غيرها).

مذ غادرنا ذلك الانسان شبه الأعجم، الانسان البعيد الذي لا يشبهنا الآن (هل وجد حقاً؟) لم يعد ممكنا أن نحب من دون كتاب، ولا أمكن لنا، بطبيعة الحال، أن نقف على حب الآخرين من دون الكتب التي لها مؤلفون وتلك التي تتناقلها الشفاه من كتاب الحياة الكبير.

أعود الى بارت وأقتبس: “الحبُّ يأتي من الكتاب، والحبُّ، قبل كلّ شيء، مكتوبٌ، وأنا لا أفعل غير إعادة كتابته، إلى ما لا نهاية: من دون كتاب يدلني، لا أعرف مَنْ أرغب فيه ولا أعرف ماذا أفعل، أصادف على الدوام (أي العاشق) كتابا (لغة، طرفة، انفعالا) يجسد رغبتي”. يخطر في بالي قيس ليلى. لا بدَّ أنه ترسَّم خطى مكتوب ما. كان هناك من فعل مثله وترك أثراً، وصار هذا الأثر مرجعاً. في حالة قيس قد يكون المرجع (الحكاية، الواقع، الدراما) هو عروة بن حزام صاحب “عفراء”. هذا مثل “عذريٌّ” سابق. رائد في اتجاهه. عاشق. المعشوقة ابنة عم. شاعر كذلك ولا شعر له إلا في ابنة عمّه. طبعا ليس هذا بالضبط ما دفع قيس الى العشق. أقصد ليس ضروريا أن يكون “عروة” هو المرجع فـ “الكتاب” الذي يتحدَّث عنه بارت موجود في زمن “المجنون” في الجوّ. إنه كثير ومتواتر حتى إنه شكَّل ظاهرة فريدة في الشعر العربي عرفت باسم “الظاهرة العذرية”.

كتاب بارت الذي لا وجود له موجود دائما، ولا يسعنا إحصاء مفرداته.

حب المعرفة، لكنه أيضاً الحيرة المقلقة، والتلمّس الذي يعطي التفكير الفلسفي بعد الإثارة. ولهذه الأسباب عينها يكون الحب فلسفة: فالمحب يقتلع نفسه من نظرته الخاصة، لكي يوجّه إلى نفسه وإلى العالم نظرة الآخر، ويكابد محنة الشك بعد الحماس، ويغذّي التفكير بالشكوك. هذا التردّد الجوهري يحرّر المحب من الاعتداد ومن الحماقة. ففي الواقع إن الأحمق لا يعرف الحب واختلالاته. في كتابه هذا يرينا بارت كم أن في الحب من دفءٍ وضياء.

  • رولان بارت (1915-1980): ناقد وعالم سيمياء فرنسي. أحد أهم محرّكي المغامرة البنيوية والسيميائية الفرنسية. من مؤلفاته:

L’aventure sémiologique (1985), Système de la mode (1967).

  • علي نجيب ابراهيم: أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية- كلية الآداب- جامعة تشرين، اللاذقية، سوريا.

يقع الكتاب في 446 صفحة.

ترجمة الدكتور علي نجيب ابراهيم.

 

الرابط الأول

 

شذرات من خطاب محب، تتبعها صفحات غير منشورة/ رولان بارت

 

الرابط الثاني

 

شذرات من خطاب محب، تتبعها صفحات غير منشورة/ رولان بارت

 

الرابط الثالث

 

شذرات من خطاب محب، تتبعها صفحات غير منشورة/ رولان بارت

 

 

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى