صفحات سوريةميشيل كيلو

شرعية الإجرام/ ميشيل كيلو

 

خلال أعوام الثورة السورية التي تربو على الثلاثة، بلور النظام وطوّر نمطاً جديداً من الشرعية، تمكن تسميته “شرعية الإجرام”، للتعويض عن غياب شرعيته الوطنية والدستورية، في الداخل والخارج. تتلخص في قولٍ يعممه النظام وأتباعه أكثر فأكثر، ملخصه أن الأسد أقل إجراما من الخليفة البغدادي، ونظامه “أرحم” من نظام “داعش”، والدليل: إنه يقتل بالطائرات والمدافع والدبابات والصواريخ والطائرات والبنادق والرشاشات والغازات السامة، بينما يستخدم الخليفة السكاكين “الدباحة” أداة قتل مفضلة. صحيح أن الأسد يميل أكثر من الخليفة إلى القتل بالجملة، إلا أنه يمارس جرائمه، أغلب الأحيان، عن بعد، ولم يستخدم الذبح دوما بالكثافة التي تظهر في كل عملية من عمليات المجرم الداعشي. ومع أنه ذبح ومثّل بجثث من ذبحهم، وتفاخر بما فعله عبر أشرطة فيديو، وزعها أنصاره بكل اعتزاز، فإنه كان ينتقل، في تلك الأثناء، إلى طور أعلى من الإجرام، طور يعتبره “رحيماً”، يقوم على القتل بالجملة، من جهة، ومن دون أن يكون على تماس مباشر مع ضحاياه، من جهة أخرى، خصوصاً بعد أن تعاظم زخم الثورة، وانضم الملايين إليها: عندئذ، بدت “رحمته” في ممارسة القتل الجماعي عن بعد، ما نفذه منه بيده، أم بيد من تحالف معهم من شركائه في العداء للحرية، كتنظيم “داعش” إياه، الذي يسوغ اليوم “شرعيته” بفظاعة جرائمه.

يقول النظام مخاطباً الشعب: ألم أقل لكم إن الثورة لن تكون في سورية، غير عمل مجرمين مسلحين ومتشددين، سيكونون أشد قسوة ووحشية بكثير من مخابراتي وجيشي، ستقنعهم أفاعيلهم أنني أهون الشرور، إن كنت شرا بالفعل، بالنسبة إليكم، وأنكم ستندمون، لأن ثورتكم أفسحت المجال لذبحكم على أيدي من ثاروا ضدي، وخلتم – لسذاجتكم – أنهم سيجلبون الحرية لكم، فأتوكم بالموت ذبحاً بالسكاكين، واستباحوا حرماتكم، واستولوا على أملاككم وأرزاقكم، وأوقعوكم في بلاء مستطير، أين منه البلاء الهين الذي كنتم تعانون منه في حكمي؟

هذا الخطاب يستميل، اليوم، جمهوراً متزايد الاتساع من السوريين، خصوصاً في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام، حيث يؤمن قطاع محايد وكبير أن قتلة الأسد يحمونهم من قتلة “داعش”، وأن نجاح التنظيم الإرهابي سيعني فشل الثورة وموت الملايين، بينما سيعني نجاح النظام العودة من جديد إلى استبداد ظالم، ألف المواطن العيش في ظله، وتأقلم فترة طويلة معه.

خسر النظام بالثورة شرعيته الوطنية والدستورية. وها هو يراهن، اليوم، على “شرعية الإجرام” التي تعينه “داعش” وأخواتها على اكتسابها، وإقناع الناس بها، ويجد في نفسه الوقاحة لبناء علاقاته مع مواطنات ومواطني سورية انطلاقا منها، وبالاستناد إليها!

تخيّر “شرعية الإجرام” التي تمثل اليوم 90% من خطاب النظام السياسي، المواطن السوري بين الموت بالبراميل المتفجرة والموت بالسكاكين، وتسعى إلى إقناعه بأن قتله بالبراميل شرعي ورحيم، وأن عليه قبوله ومساندة النظام الذي يمارسه ضده!

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى