صفحات الرأيطيب تيزيني

شعوب دخلت التاريخ ونُظم خارجة منه


د.طيب تيزيني

قد يمكن القول, في ضوء الدراسات السياحية والتاريخية, بأن العالم العربي, على ثنائية مثيرة ولافتة – في تأثرها الفاعل بقوة في العالم المذكور, تلك هي القائمة على شعوب (عربية) صدّعت مؤخرا قيودها الفولاذية, وانطلقت باتجاه المستقبل, الذي عليها وعلى آخرين كثيرين ان يصوغوه, من طرف أول, وعلى نُظم أمنية اصبحت عبئا على التاريخ فأُخرجت منه تحت عبء توغلها في الفساد والافساد وتغولها في الاستبداد الرباعي (استئثارها بالسلطة والثروة والاعلام والمرجعية) من طرف آخر.

ففي البلدان العربية المعنية هنا (مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية) وُجدت وتوجد نظم امنية اعمارها عقود ورؤساؤها هم انفسهم لم يتغيروا طوال هذه العقود, لعل ببعض الدراسات المقارنة, يمكن وضع اليد على ما انجزته هذه النُظم من تخريب وتحطيم في بلدانها: الاقتصاد والسياسة والمؤسسات العلمية والثقافية ومنظومات القيم وغيرها, مع سلب حريات الناس الفردية والسياسية والاعلامية, اضافة الى افقار شعوبهم ودفعهم الى مستقبل يلفعه الاسى والخوف, ومن الملاحظ الطريف والهام ها هنا ان النظم الآمنة المذكورة خصوصا, كان سقوطها قد اعلن عن نفسه مع الاستئثار بالسلطة في بلدانها ومعها الثروة والاعلام والمرجعية اما بداية سقوطها فقد تواقتت مع نهوض الشباب الراهن وقرارهم بالدفاع عن حريتهم وكرامتهم وعدالتهم, منذ ما يتجاوز اربعة اشهر.

فقد أفقد اولئك شرعياتهم مع استحوازهم على السلطة على نحو غير شرعي بالإنقلاب العسكري, او بالتوريث, او باستباحة منظومة الدساتير والقوانين الوطنية, وما يقترن بذلك, وكان على الشعوب العربية المعنية ان تعيش احوالا اوصلتها – مع مرور الزمن – الى درجة مأساوية من الحُطام.

اما بداية تداعي ذلك الهرم من الحطام فقد جاء مع الانتفاضات, التي ولّدها شباب الوطن في البُقع المحددة, وهكذا, نرصد أمامنا حالتين اثنتين اخذتا تطلان بقوة, هما سقوط اولئك وولادة هؤلاء مما عنى اغلاقا وفتحا, اغلاقا اوليا لعالم مترّهل ومُثقل بما لا يُحصى من ملفات الفساد والإفساد والاجرام بكل او بمعظم انماطه, وفتحا لآفاق جديدة تحمل صورا وردية لعالم شبابي جديد.

واذا كان ذلك قد فرض نفسه على النحو المذكور, اي بصيغة الثنائية بين السقوط والنهوض, الا ان الامر ظهر – مع مرور بعض الزمن الذي انقضى على هذا وذاك, – وكان رجال الخرائب من اعلى النظم الامنية الى ادناها.

لن يستسلموا, كما ظهر ذلك في مصر وتونس, بل انهم سيسعون الى استعادة مواقعهم بكل السبل. وهذا هو بالذات ما يدور على معظم ارض العالم العربي الآن, وذلك عبر الافتئات على شباب المستقبل وما يقدمونه – بأخطائه وايجابياته – من مشروع يسعى الى امتلاك مفاتيح مستقبل من النهوض والتنوير والحداثة والعدالة وهم من اجل ذلك يعملون على انتاج مجتمع وطني قائم على التعددية السياسية والحزبية والديمقراطية البرلمانية, على مبدأ التداول السلمي للسلطة كما على فصل السلطات الخ..

واخيرا, يصح القول بأن المجتمعات العربية الحديثة ظلت – على الاقل – منذ اخفاق المشروع النهضوي الناصري بسبب اسقاط الاستحقاق الديمقراطي منه – تبحث عمّا يعيد فتح الآفاق, الى ان ظهر ذلك »في أصغر خلقه«, الشباب من النساء والرجال ومن معهم.0

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى