صفحات سورية

شهادة من الماضي البعيد حين التقيت علي فرزات


عماد يوسف

.في عام 1987 تعرفت إلى أحد الأشخاص الذي يُدعى أنطوان نصري، وهو يعمل كوكيل لشركة شحن بحرية في دمشق ولديه مكتب هناك وهذه الشركة هي شركة السي أم آ الفرنسية العالمية للنقل البحري بالحوايا. عرّفني إليه أحد الأصدقاء التجار يومها وذهبنا إلى مكتبه الذي يقع في الحلبوني. في اليوم التالي ذهبنا إليه أيضاً في بعض الشغل وكانت مفاجأتي كبيرة عندما وجدت هناك الفنان علي فرزات. كانوا جميعاً، السيد انطوان نصري صاحب المكتب والموظفين الموجودين فيه والفنان علي فرزات يجثون على الأرض وأمامهم كومات كبيرة من القمصان القطنية ” التيشرتات ” المعبأة في أكياس، وكانت أعداد هذه القمصان بمئات الآلاف وعليها شعار دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط آنذاك التي حصلت في صيف عام 1987. وبعد السؤال والدردشة والأخذ والعطاء .. علمت فيما علمت من معلومات بأن السيد أنطوان نصري والسيد علي فرزات قد فازوا بمناقصة لتصنيع هذا الكم الهائل من التيشرتات لصالح دورة المتوسط الأولمبية في سوريا. وهذا طبيعي جداً، فممكن لأي أحد أن يُمارس أي نشاط تجاري لتحسين وضعه المعيشي . ولكن مناقصة بذاك الحجم وهذا المستوى، وبذلك الحدث الكبير لم يكن يستطيع أحد أن يفوز بها إلاّ إذا كان مدعوماً جداً ومقرّبا من جهات عليا، وهذا ما فهمته لاحقاً بأن المناقصة كانت على الأغلب بجهود علي فرزات لأن المدعو أنطوان نصري لا تصل به معارفه إلى هذه الحظوة. طبعاً عرفت هذه المعلومات بعد أن تساءلت كثيراً عن السر الذي يجمع بين أحد الأشخاص الذي يمتهن التجارة الحرة وبين مثقف وفنان مثل علي فرزات. طبعاً؛ كان السيد علي فرزات في ذلك الزمن يركب سيارة حكومية من نوع بيجو 504 وكانت بمعايير ومقاييس ذلك الزمن سيارة فاخرة جداً وخاصة في انعدام وجود السيارات في سوريا. ولا أعلم لصالح أي صحيفة كان يرسم يومها ، ربما جريدة الثورة على ما أذكر. في ذلك الزمن كانت أقبية السجون والمعتقلات السورية تعج بعشرات الآلاف من المعتقلين الذين قالوا ” لا ” لهذه السلطة. وكان كاتب هذه الكلمات يحلم بوظيفة بسيطة في الدولة تكفيه عيشه لإتمام دراسته. وغيري الآلاف ممن قهروا وعذبوا وشردوا وأمثال علي فرزات وغيره مثل خطيب بدلة وحكم البابا وأمثالهم يدعم هذا النظام ويشكّل أحد مكوّناته وأسسه الإعلامية والفكرية، مهما كانت بسيطة أو متواضعة؟! ليس السوء بأن يتحول علي فرزات بعد اغلاق صحيفته الدومري إلى ُمعارض، تلك الصحيفة التي تواسط له الرئيس بشار الأسد شخصيا لاصدارها في الوقت الذي كنا فيه ممنوعين من السفر ومحاصرين وبدون عمل و إعالة من أي نوع كان بسبب مواقفنا السياسية. المهم؛ لاشك أن من واجب الجميع أن يرّحب بتحول علي فرزات وغيره إلى المعارضة بعد أن استنزفوا فرصة الحصول على مناصب عليا ومسئولة في السلطة. ولكن ما ليس مرحباً به أن يتحول هؤلاء إلى ابطال ورموز وعناوين لحركة معارضة كانت ومازالت تقدّم آلاف الضحايا والتضحيات عندما كان هؤلاء يجولون شوارع دمشق بسياراتهم الحكومية، ويقومون بتوظيف من يرغبون ولهم امتيازات يحلم بها كثيرون من أبناء الوطن مجرد حلم .. لا نعلم من تعرض لعلي فرزات، ولا نعلم من تعدّى عليه وهذا العمل مدان بكل المعايير والأدوات واللغات من أي طرف كان ولأي سبب كان .. ليس فقط بحق علي فرزات بل بحق أي شخص مهما كان بسيطاً أو بلغ مستواه الاجتماعي.

أما علي فرزات، فيبقى علي فرزات، له منّا تحية. ولكننا نرى بأن تحويله إلى قضية رأي عام كما حصل مع الطفل حمزة الخطيب وغيرهه من التوظيفات المبتذلة هي قضايا فضفاضة على الجميع في هذا البلد.. هناك قول شائع يقول ” بضاعتكم ردّت إليكم”. فنحن لا نعلم ماذا قدمت السلطة لعلي فرزات حتى تطالبه بالدين الذي في رقبته، هذا على افتراض بأن من فعل ذلك هو السلطة .

لنكن جميعا مع سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى