صفحات الناس

شهر رمضان في سورية –مقالات متنوعة-

 

رمضان دورة زمنية ناقصة/ فاطمة ياسين

يجبرك إعلان رؤية هلال شهر رمضان على النظر إلى الخلف، حيث ألقيتَ عاماً هجرياً بكل تفاصيله الشرق أوسطية. عند حلول رمضان، لا تكون الأرض قد أتمت دورة إهليليجية كاملة، فالتقويم الهجري “يتخلَّف” بحوالى عشرة أيام عن الميلادي.

أنظر في المرآة، ليس على طريقة الملكة الشريرة التي تسأل عن جمالها. ولكن، على طريقة “أليسا”، فلدى المرآة، على الرغم من طبقة نترات الفضة الرقيقة التي تطلي سطحها، ذاكرة ضخمة من رتبة الغيغا بايت، وقد اختار صانع المرايا ألا يضع لها لساناً، فحافظت على الصمت، بوصفه خياراً وجودياً، على الرغم من الذاكرة المتخمة. أتمعن في تفاصيلي. تزداد ملامح أمي وضوحاً على وجهي، ومساحيق العناية بالبشرة متوسطة الجودة، لا تخدع المرايا، لكنها تفضل أن تعكس صورة، مستقرة أصلاً، في خلايا العينين الضوئية، لا تخلق “الحملقة” في المرآة شعوراً بالرضا، بل تعطيك شعوراً ناقصاً، كالعام الهجري الذي قُضِمَتْ أيامُه العشرة.

رمضان الماضي، ورمضان الذي سبقه، والمطحنة الوطنية ذات الشفرات الحادة، ابتلعت كل الأحداث الكبيرة والصغيرة. يستحضر روّاد “فيسبوك” لحظات تعثرهم بخبر موت حافظ الأسد. لا أذكر أين كنتُ حينها، وترفض المرآة أن تخبرني، فتحتفظ بكل شيء لنفسها كالشاهد الصامت. ذكرى تضخم الكيان الداعشي ودخوله إلى الموصل. المناسبة هجرية، وباقي الذكريات ذات طبيعة ميلادية، أحيا التنظيمُ الأسود ذكرى تمدده المفاجئ بقتل رجالٍ قال إنهم جواسيس. ضربات التحالف الدولي لم تتوقف ليلة. وعلى الرغم من ذلك، تجد جيوش “الدولة الإسلامية” طرقات تسلكها لاحتلال مزيد من المدن. يلف الغموض طبيعة الضربات وموعدها وعمقها، يقول مسؤولو البنتاغون الأميركيون إن الضربات تقتل كثيرين، لكن التلفزيون يعرض صوراً دخانية اللون، تظهر هدفاً متحركاً ضمن مربع، ثم يعم السواد، وتضيع معالم الصورة مثل انعكاس الأشياء في المرايا المحطمة. ينقص الصورة شيء مهم، لتشكيل المشهد الذي يرفض أن يكتمل.

تتحكم السياسة بعدد الطلعات الجوية، وبطبيعة زخات الرصاص، وبنوعية الصواريخ، وبشكل الدراما أيضاً. تهرب المسلسلات ذات الإنتاج الضخم من الحكاية السورية، وتفضل أن تعود إلى الوراء قليلاً، فتضخم ما كان من انتقادات لدريد لحام ووخزات لياسر العظمة، وتعكسهما على مرايا محدبّة، فيظهر اللص الصغير على شكل عراب ضخم يخفي وراءه “سوسة البلا”، وتضيع معالم الرواية بين ثنايا الدراما الملفقة المصنوعة أصلاً للتسلية، يتبخر كل أثر للجوع والعطش، وتتلاشى فلسفة الصيام، فلا شعورَ بالجائعين والجوعى، الذين أضيف إليهم المقصوفون بالبارود والحديد الساخن. تبقى الدراما بشكلها الفني المعكوس على الشاشات التي تشبه المرايا. تساير المسلسلات رمضان، وتفترض مسبقاً أنه كامل بتمام أيامه الثلاثين، ولن يخيب رجاؤها إن نقص يوم من آخره. تعكس المرآة حالة حالية راهنة. لكن، ببعدين اثنين وتقلِّد الوقائع التي تجري أمامها بإتقان تام. نطلب منها المزيد، ونسألها أن تعود بنا إلى الوراء، أو أن تسافر بنا إلى الأمام. لكن، يأبى الزجاج الخروج عن طبيعته الفيزيائية المطلية بالفضة، وتبقى نقاطُ العَلام الزمانية كرمضان، تفجر الذواكر وتبعثر اللحظات.

كان هناك وطنٌ جريحٌ نزف أجزاءه مدينة مدينة، فلم يبق منه سوى دعوات إلى الاجتماع في جنيف، وصراع على من يتسيد الطاولة. والطاولة، هنا، مثل كل الأشياء في المفاوضات، غير مكتملة، تنقصها إحدى أرجلها، فلا فائدة من الاستناد عليها. الملفات العاجلة مُنَضدة فوقها كقطع الشوكولا، أكثرها إلحاحاً ملفا “يلعن روحك” و”الإرهاب”، وهناك ورقة منثورة، تُظهر درجات الطالب حافظ بشار الأسد النهائية في فحص الشهادة الإعدادية، ينظر إليها الجميع بنهم.

العربي الجديد

 

 

 

رمضان السوريين.. تقشف برعاية النظام/ مروان أبو خالد

يحلّ شهر رمضان كئيباً على السوريين وسط عجزهم المتزايد عن تأمين احتياجاتهم المعيشية اليومية، ولاسيما الغذاء الذي تقلص الإنفاق الحكومي عليه لأقل من 10% حسب الباحث الاقتصادي عابد فضيلة، فبدلاً من أن يكون رمضان شهراً للإحسان والرحمة حولّه تجار النظام إلى شهر للنهب، مبددين بذلك آمال السوريين الفقراء، الذين كانوا يمننون أنفسهم بإنخفاض الأسعار خلال هذا الشهر، لإحياء موائدهم الرمضانية. فاللحوم انخفض استهلاكها إلى النصف، من 4 ألاف إلى ألفي ذبيحة يومياً، مقارنة بما كانت عليه قبل 4 أعوام، حسب جمعية حماية المستهلك في دمشق، وذلك بسبب استمرار ارتفاع الأسعار، حيث وصل سعر كيلوغرام لحم الخاروف إلى 3000 ليرة (10.1 دولارا) بعد أن كان 2400 ليرة (8.08 دولارا) قبل رمضان، أما كيلوغرام لحم العجل فقد وصل إلى 2500 ليرة (8.4 دولارا)، علماً ان اللحوم لم تسلم من الغش الذي يجتاح الأسواق.

وبإعتراف عضو الجمعية بسام درويش، في تصريح لجريدة الوطن الموالية للنظام، فإن نسبة الغش في لحم العجل قد وصلت إلى 90%، إذ يتم خلطها بلحوم الجاموس الأقل سعراً، حيث يبلغ سعر الكيلوغرام منه 1500 ليرة (5.05 دولارا). أما الفروج والبيض فقد ارتفع سعر كل منهما وسطياً بقرابة 40%، إذ وصل سعر كيلوغرام الفروج المذبوح إلى 600 ليرة (2.02 دولاراً)، في حين لا يقل سعر البيضة الواحدة عن 20 ليرة (0.06 دولارا)، وذلك على عكس التوقعات بانخفاض أسعارها خلال رمضان، نظراً لتوقف الصادرات بعد سقوط معبر التنف بيد “داعش” الشهر الماضي، وهو آخر معبر حدودي بين سوريا والعراق والذي كان يستحوذ على 90% من صادرات الدواجن السورية. فبرغم وجود فائض في الإنتاج بعد توقف التصدير، إلا أن معدلات التضخم في الأسعار لم تنخفض نتيجة لارتفاع تكاليف الإنتاج- خصوصا لجهة غلاء الأعلاف التي تشكل 80% من كلفة الفروج- المرتبطة بسعر الدولار، في وقت تنهار القدرة الشرائية للسوريين، وسط غياب حكومي عن تقديم أي دعم للمنتجين والمستهلكين معاً. والأمر ذاته ينطبق على الخضروات والفواكه، فبرغم تراجع تصديرها بشكل كبير بعد أزمة المعابر البرية، فإن أسعار معظم الخضروات والفواكه ما زالت مرتفعة.

ارتفاع اسعار السلع انعكس على كلفة ارتياد المطاعم، وبرغم تقديم معظمها لعروض رمضانية تتضمن وجبات سحور وفطور، إلا أن أسعارها لا تناسب الغالبية العظمى من السوريين، وهي موجهة فقط للقلة المحتكرة للمال والسلطة من تجار الحرب، فأقل وجبة سحور تبلغ 1500 ليرة للشخص الواحد (5.05 دولارا)، في حين تبدأ عروض الفطور من 3000 ليرة (10.1 دولارا) للشخص الواحد. حتى ارتياد المقاهي الشعبية للسهر بعد الإفطار أصبح صعباً على غير الميسورين، فتناول كأس شاي مع نرجيلة فقط، يكلف 500 ليرة (1.6 دولارا) بالحد الأدنى. وهذه الأسعار النارية التي تفوق قدرة مداخيل غالبية السوريين، تحرم الأسر ذات الدخل المحدود من الاستمتاع برمضان.

هذا الوضع، يأتي وسط حملة يشنها مسؤولو الحكومة للدفاع عن تجاوزات مافيات التجار وتحكمهم بمعيشة السوريين، فالهيئة العامة للمنافسة والاحتكار قد أصدرت دراسة خاصة بأسواق دمشق خلال الأسبوع الأول من رمضان، اعتبرت فيها أنه لا يوجد أي مؤشر مخل بالمنافسة، إذ تتوفر سلع اللحوم والفروج والتمور وغيرها بأنواع متعددة وأسعار مختلفة متوافقة مع مفهوم المنافسة وتغطي حاجة الأسواق. وهذا كلام زائف، إلا إذا كان مفهوم المنافسة لدى مؤسسات الحكومة يعني تعزيز حرية التجار وتفلتهم من القوانين. وحتى جريدة الوطن الموالية لحكومة النظام، اعترفت نقلا عن مصادر حكومية، بوجود 200 تاجر يخالفون يومياً جدول الاسعار، ناهيك عن عمليات الغش.

غياب الحكومة عن مراقبة الاسواق، يجعل من اسعار رمضان بورصة تتحرك بحسب جشع التجار، أما السوريون فلا يكادون يرتاحون لانخفاض سعر سلعة معينة، حتى يرتفع سعر سلع أخرى، حتى بات التقشف المعمول به أصلاً منذ بداية الأزمة السورية، صفة لا تفارق بيوت السوريين.

المدن

 

 

 

 

سورية.. صيام بلا صوت أذان/ مصطفى الجرادي

“رمضان في المنفى لا طعم ولا رائحة ولا لون.. لا صوت أمي ولا ضحكات أولاد أخي وأختي ونحن مجتمعون على الإفطار.. رمضان هنا دون صوت الأذان.. ودون مدفع رمضان.. هنا رمضان لا يحمل بعده عيد.. ولا كليج (كعك) خالتي الديرية.. رمضان هنا لا أطفال تحمل صحون تطرق بيتي.. هنا توجد فقط صور وذكريات عن ذاك العزيز”.

هذه الكلمات المليئة بالأسى واللوعة، هي لـ “سعاد نوفل” التي تعيش في المنفى تلخص الحالة التي باتت تلتصق برمضان السوريين هذه الأيام. رمضان الذي كان قبل الثورة حدثاً استثنائياً احتفالياً، له طقوسه وأجواؤه الخاصة به، والتي تختلف من مدينة لأخرى، وربما من حارة لأخرى، لكنها بالتأكيد كانت تتطابق بالروحية التي تميز أجواء هذا الشهر وتطبع أيامه بها.

قبل الثورة وبعدها

كان لهذا الشهر وقعه الخاص على المجتمع السوري والعائلة، وبشكل أخص على الشباب الذين كانوا يجدون فيه فرصة للتعبد وممارسة الشعائر الدينية، التي لم يكونوا يمارسونها بانتظام (الصلاة والذكر وقراءة القرآن)، لكن بالطبع لم يكن شهر عبادات فقط، فبعد الإفطار كانت هناك العديد من الأنشطة والأمكنة التي يقصدونها ليروحوا عن أنفسهم وينسوا تعب اليوم الرمضاني الطويل.

تقول سعاد معلقة عن يومياتها الرمضانية قبل الثورة في مدينة الرقة: كان والدي المرحوم في اليوم الأول يحمل مع طبق الحلويات المفضل لديه “القطايف” نجلس سوية ونزينها بالجوز ونحشوها “بالقشطة”، كنا نتراكض قبل الإفطار لتجهيز المائدة، وصوت أبي ما زال صداه يرن في أذني، وهو ينادي علينا بالإسراع في تجهيز المائدة قبل أن يحين موعد الإفطار، بعد اندلاع الثورة ومشاركتي فيها وفي مظاهرتها السلمية تغيرت اهتماماتي وأولوياتي وتبدلت أيام رمضان ولياليه، فبات فرصة يومية للتظاهر والتعبير عن ذواتنا ومقارعة الظلم والطغيان الذي خرجنا ضده.

“أبو عمر” (اسم افتراضي)، لشاب من دمشق يستذكر طقوس رمضان في مدينته دمشق، ويروي ذكرياته الجميلة عن الأجواء الخاصة في رمضان في الشام باجتماع العائلة كلها في وقت الإفطار وأصوات الآذان في حارات دمشق القديمة ورائحة العرقسوس التي تعبق الأجواء، والسهرات الرمضانية.

يستدرك أبو عمر “لكن بعد اندلاع الثورة ومشاركتي فيها تم اعتقالي في عام 2011 للمرة الأولى لدى فرع الأمن العسكري قبل بدء شهر رمضان بنحو عشرين يوماً، فتحوّلت هذه الأيام الفضيلة إلى حفلات للتعذيب المتواصلة، فلا تبديل طرأ على وجبات الطعام الشحيحة أصلاً ، بل زاد السجانون جرعات التعذيب وتقصدوا أن يكون موعدها في وقت الإفطار، حيث تسمع السباب بأقذع العبارات، كان المؤنس الوحيد لي في ليالي رمضان، هي الصراصير الصغيرة التي ملأت الزنزانة الانفرادية التي كنت أقبع فيها، وجاء العيد وذهب وكأنّ شيئاً لم يكن”. وأضاف: في عام 2012 تكرر السيناريو مرة أخرى واعتقلت مجدداً وكانت المعاناة أشد، أما اليوم أعيش خارج سورية وأتذكر رمضان بمزيج من الحلاوة والمرارة”.

“كندة” من حمص كان لها رأي آخر عن نوازع الحنين إلى رمضان “الحمصي” وتقول: “كانت حمص تكتحل بالنفحات الرمضانية وبأخلاق كل من فيه، لكن الحال والأيام تغيرت بحسب كندة إذ أصبح رمضان، اليوم، عبئاً ثقيلاً على البشر، والكثيرون لا يعلمون بقدومه وكأنه شبح قادم إليهم”.

البعد الديني المفقود

علاقة الشباب بالأخص برمضان كانت علاقة احتفالية تبجيلية، فهو شهر للالتزام بالشعائر الدينية التي كان بعضهم لا يواظب عليها، فهم يرتادون الجوامع بكثرة فيه، ويُقبلون على تلاوة الآيات وتدارسها فيها بغض النظر عن التزامهم باقي العام، ومع انطلاقة الثورة وارتباط الليالي الرمضانية بالنشاط الثوري “المظاهرات التي تتلو صلاة التراويح” كحدث يومي متكرر، ازدادت هذه العلاقة تجذراً وتفاعلاً، لكنها سرعان ما تحولت إلى حالة من القطيعة والهجران لهذا الشهر وطقوسه الدينية كما يوضح “أبو العمر” الذي يعيش في الرقة إذا يصنف رمضان بتوقيتين مختلفين قبل “داعش” وبعدها، ويوضح أبو العمر فكرته بالآتي: “رمضان ما قبل داعش يختلف جذرياً عمّا بعدها، أتحدث هنا عن فئة الشباب، فما أن يدخل رمضان إلا ويشهد الدافع الديني ارتفاعاً ملحوظاً لدى الشباب وتراهم يزدادون في المساجد، وفي الصفوف الأولى وترى الإقبال الكبير على القرآن، وحتى الذين لا يصومون تراهم يخجلون من الإشهار ويستترون في إفطارهم.

مع قدوم داعش تغيرت القاعدة وبدا النفور واضحاً حتى قبل دخول رمضان والشباب يبحث عن حجة يبرر بها إفطاره، والمساجد تفقد زوارها بسبب خطباء “داعش” وأئمتهم، والخشية صارت خوفاً من بطش “داعش” وأحكامه التعسفية.

لا ريبَ أن البعد القيمي لرمضان يبقى له حيز عند الشباب السوري في مختلف أطواره وأحواله، لكن التشتت الحاصل والتفرق في ديار الأرض التي قصدها الشباب وأزهق الكثيرين أرواحهم لأجلها، حجّم تلك العلاقة الاحتفالية التي كانت تطبع الشباب بهذا الشهر.

(سورية)

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى