باسل العوداتصفحات سورية

شياطين جنيف/ باسل العودات

 

 

بيان جنيف الذي أصدرته مجموعة العمل من أجل سورية قبل ثلاث سنوات ، ووافقت عليه القوى الكبرى وأقرته لحل الأزمة السورية، زاد اشتعال الأزمة بدلاً من أن يطفئها، خاصة بعد أن اختلفت القوى الصغرى والكبرى على تفسيره، وراح كل طرف يشرح ما خفي بين السطور وفق أهوائه، ويضع الكلمات الناقصة التي يحبها في الفراغات.

هذا البيان الذي صدر في 30 حزيران/ يونيو 2012 عن مجموعة العمل من أجل سورية والتي تضم الأمم المتحدة والجامعة العربية وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا والصين والمملكة المتحدة، ومعها الاتحاد الأوربي وإيرلندا، وبعض دول الإقليم كتركيا وقطر والعراق والكويت وغيرها، زعم واضعوه أنه يشكل “خطوات واضحة في العملية الانتقالية”، و”خطوات تسوية لا رجعة فيها تتّبعها العملية الانتقالية”، وقد شمل من أجل تحقيق ذلك عدة بنود أهمها وأكثرها جدلاً المادة الأولى في هذه الخطوات والمتعلقة بهيئة الحكم الانتقالية.

الحديث هنا عن الفقرة الأولى لا يعني حصر شياطين البيان بفقرة واحدة، فالبيان فيه مجموعة من الشياطين، يرى البعض أنها تعكس رؤية واضعيه، وربما هي طريقة خبيئة مضمونة لاستمرار الصراع واستمرار عنف النظام، واستمرار تشتت المعارضة وهزالها، ولإنهاء الأزمة في يوم ما بطريقة لا يتوقعها أحد، وغريبة يمكن أن تُفاجئ الجميع.

تنص المادة الأولى على ثلاث جمل، هي حرفياً “إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وأن تُمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة”.

ائتلاف المعارضة السورية الذي فاوض النظام (بوفد هزيل) في جنيف، فهم هذه المادة بأنها عملية تسليم وتسلم للحكم، وأن النظام عليه أن يسلم الراية له، وأن (الائتلاف) هو الذي سيشكل الحكومة ويسمي رئيسها، وهذا التفسير يؤكد على أنه لم يقرأ الوثيقة جيداً.

أما النظام، فقد فهم من هذا البند بأنه يتوجب عليه لحل الأزمة أن يُضيف بضعة وزراء من المعارضة لحكومة نظامه المُهيمن عليها أمنياً، وراح يشترط أن يوافق مسبقاً على نوعية المعارضة المطلوبة، ووزع شهادات الوطنية والخيانة كما شاء، وهذا التفسير يؤكد على أن النظام، ليس فقط لم يقرأ الوثيقة جيداً، بل وأنه منفصل عن الواقع إلى درجة غريبة.

لم يتطرق كثيرون لحرفية هذه المادة ووفق الأصول القانونية والدولية وحتى اللغوية، فجملتها الأولى (إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة)، لم تحدد ما تعني البيئة المحايدة، هل تعني بيئة إيجابية، وإن كان كذلك، لماذا لم تّذكر إيجابية صراحة، مع افتراض أن هذا النص مدروس بدقة وصادر عن دول عظمى تعرف تماماً ما تريد وعن خبراء دوليين يعرفون تماماً ما يكتبون.

أما جملتها الأخيرة عن الهيئة التنفيذية التي “يمكن أن تضم” أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة، فهي تعني صراحة أن هذه الهيئة قد لا تضم أعضاء من المعارضة ولا أعضاء من النظام، وبالتالي يصح التساؤل عن من ستضم إذاّ؟ هل هناك أشخاص يُعدّون لذلك، أم أن من سيتولون هذه المهمة ليسوا من المعارضة وليسوا من النظام، وهل هم من طرف ثالث، ومن هو؟

مادة مليئة بالألغاز، أو بالأحرى بالمخاطر، وتفتح الباب للتفسير على مصراعيه، ويتضح منهما أن المشكلة ليست في صلاحيات هيئة الحكم الانتقالية، فهذا الأمر واضح ومحسوم، ولن يكون للأسد ولا لرئيس وزرائه أو وزرائه أو أجهزته الأمنية وقادة جيشه أي صلاحية، بل هي بالكامل لهذه الهيئة الانتقالية، لكن المشكلة بـ “البيئة المحايدة” وبـ “من هم” أعضاء هذه الهيئة.

صحيح أن المطلوب عقد مؤتمر تفاوضي لتنفيذ بيان جنيف بأسرع وقت لوقف الكارثة السورية، وسحب كل الصلاحيات من النظام السوري ورموزه لصالح جهات أكثر اعتدالاً مقبولة من الشعب تعرف كيف توصل سورية إلى بر الأمان، أو على الأقل وقف تدهور الأوضاع فيها، لكن من الأنسب والأسلم، أن يطلب الشعب السوري، ليس رموز المعارضة ولا النظام، من الدول الكبرى تفسير جنيف وتوضيحه قبل أي مؤتمر للتفاوض، لمعرفة خطواته وتفاصيله وما يُراد منه، ليتأكدوا قبلاً أن أرواح مئات آلاف السوريين لم تذهب هباءً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى