صفحات الناسلقمان ديركي

صباح الخير أيها الغباء/ لقمان ديركي

 

 

صباح الخير أيها الغباء صباح الخير يا أخطاء البارحة التي أتجرعها هذا الصباح مع قهوتي (غيتي)

مرحبا معلِّم، مرحبا أيها الغبي. كل يوم أريد أن أقول لك هذه الجملة عندما ألتقي بك أمام المرآة متهيئاً للخروج. أراك فأتمنى أن أصفك بالغباء، لكنني أقول في نفسي التي لا يسمعها زجاجك العاكس أنو مو وقتها. اتركْهُ اليوم يمضي إلى أشغاله، يمضي إلى فك معضلاته. يمضي إلى حل مشاكله. دعه يلجأ للأصدقاء تارة، وللأهل تارة أخرى، ولواقع الحال في نهاية المآل… ونتابع المقال..

فالغباء سمة بشرية مميزة شأنها شأن الذكاء. وأنا لا أتحدث عن الغباء الأزلي المستوطن في شخص ما، ولا عن الذكاء الأزلي المقيم في رحاب شخص ما. أتحدثُ عن إنسان عادي مثلي يتمتع بلحظات غباء تماماً كما يتمتع بلحظات ذكاء. لكن الفرق ما بينهما هو أن الذكي في لحظته يستطيع اكتشاف غبائه في لحظة سابقة، حتى لو كانت من الماضي السحيق.

أما الغبي في لحظته، فهو لا يفعل ذلك، بل بالعكس يضيف إلى تاريخك المجيد في الغباء لحظة غبية أخرى. ولكي لا تتألم بسببها مَنَحَكَ الجبَّار غباء طويلَ الأمد كي لا تكتشف غباءك، وبالتالي كي تنام على ودانك دونما أي شعور بالآلام، دون أي شعور حتى بالذنب، ذلك أن الأغبياء وحدهم لا يشعرون بالذنب. أمَّا إذا كانوا أغبياء أصيلين، فإنهم يشعرون بما ارتكبت أيديهم من آثام وأخطاء لكنهم يبررون ويبررون حتى آخر ما يتبقى لهم من رمق في الحياة. بل وإنهم يتفلسفون في تبرير الأخطاء، بل ويروجون لارتكابها، بل ويشعرون بالراحة الكبرى إذا رأوا من مثلهم يتكاثرون في كافة مرافق الحياة.

بَيْدَ أن الحياة لا تصرِّف هذا النوع من العملات النفسية الدونية. لا تقبلها حتى، لا تحت بند فلسفة، ولا حتى تحت بند الأشعار. الحياة لا تهضم الأغبياء، تلعب مع الغبي اللذيذ المضحك البريء الذي من أخطائه براء. وتلعب بالغبي المتذاكي الذي يجد لغبائه حيزاً ومنطقة من خلال تنظيره وتفسيره ودفاعه عما مارسه في حياته من غباء.

ذلك الغبي المتخبط المسكين، الذي لا يعترف لوهلة أو للحظة بقرف تصرفاته، بسخافتها، بصغرها ودناءتها، ذلك النوع من الأغبياء يموتون برضى تام. يموتون وهم يعتقدون أنهم برروا للعالم كل ما فعلوه من تفاصيل حقيرة لا قيمة لها سوى قيمة الشر الدوني. يموتون وهم يعتقدون أنهم ولشدة ذكائهم، أمضوا حياتهم وهم يلعبون ويتلاعبون بالحياة، وكأنهم لا يعرفون أن الحياة أذكى منهم بما لا يقاس، وأنها طيلة تلك الأيام كانت تلعب بهم. ولفرط غبائهم لم يدركوا ذلك.

وبناء عليه.. صباح الخير أيها الغباء.. صباح الخير يا ذنوب البارحة، صباح الخير يا تصرفات البارحة الرعناء، ويا تحركات البارحة الهوجاء. صباح الخير أيتها الأخطاء، يا أخطاء البارحة التي أتجرعها هذا الصباح مع قهوتي. صباح الخير يا سمَّ الندم الذي أتجرعه مع القهوة كل صباح.

الإنكار جريمة. التبرير مهزلة. الإعتراف، بوقته، فضيلة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى