صفحات الحوار

صبحي حديدي: النظام السوري يحتضر و«الإصلاحات» خدعة قديمة لا تنطلي على أحد


| بيروت – من ريتا فرج |

أكد المعارض السوري صبحي حديدي المقيم في باريس لـ «الراي»، أن الشعب السوري لم يعلق «الكثير من الآمال على وعود» النظام. مشيراً الى أن أي عملية إصلاحية ستؤدي الى زعزعة بنية النخبة السياسية الحاكمة.

حديدي الباحث والناقد والمترجم، تخرج في «جامعة دمشق» قسم اللغة الانكليزية، وتابع دراساته في فرنسا وبريطانيا. له العديد من الابحاث النقدية والترجمات، من بينها «الخطاب ما بعد الاستعماري» و«إدوارد سعيد تعقيبات على الاستشراق». ولم يمنعه العمل الفكري والاكاديمي من أن يكون في مقدم المعارضين السوريين في المهجر.

على إيقاع الأحداث الجارية في سورية، تحدثت «الراي» الى صبحي حديدي وسألته عن موقفه من خطاب الرئيس بشار الأسد ورزمة الاصلاحات التي اعلنها النظام ومآل الحركة الاحتجاجية في سورية. وفي ما يأتي وقائع الحوار:

 

• الخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد اعتبر من البعض انه جاء عكس التوقعات لا سيما لجهة البرامج الواضحة للاصلاحات السياسية. لماذا في رأيك ركز على وجود مؤامرة تتعرض لها سورية ولم يتطرق الى الخطوات الاصلاحية المطلوبة؟

– جرت العادة ألا يعلّق المواطنون الكثير من الآمال على وعود الرئيس بشار، أو تلك التي تقول بها مؤتمرات حزب البعث، استناداً إلى تاريخ طويل من الخذلان والنكث بالوعود. ولعلّ بعض السوريين خرجوا عن العادة، هذه المرّة على الأقل، بالنظر إلى انتفاضة الشارع الشعبي في العديد من المدن السورية، وبالتالي خيّب الأسد التوقعات مجدداً ولم يقع استثناء لقاعدة المماطلة والخداع. أمّا لماذا ركز الخطاب على حكاية المؤامرة، فالتفسير بسيط للغاية وكان متوقعاً على نطاق واسع، ليس لأنّ الأسد احتذى بما تحجج به جميع المستبدين العرب الذين سقطوا أو يوشكون على السقوط فحسب، بل كذلك لانّ هذه الأسطوانة عتيقة مشروخة وسبق للنظام أن اعتمدها خلال عهد (الرئيس الراحل) حافظ الأسد.

• أصدر الرئيس الاسد توجيهات تتعلق بالاوضاع الانسانية للأكراد في سورية ممن لم يشملهم احصاء 1962. ما قراءتك لهذه الخطوة؟

– إنها مجرّد توجيهات لم تتحول بعد قرارات وإجراءات على الأرض، والنظام الآن قطع خطوة إضافية حين شرع في التفاوض مع بعض القادة الاكراد بهدف تحييدهم بعيداً من الانتفاضة. هذه أيضاً حال النظام مع شيوخ العشائر البدوية في شرق سورية وشمال شرقها، الذين استقبل الأسد بعضهم قبل أيام. لكنّ الجماهير السورية الكردية تدرك أن مصير حقوقها مرتبط بالإصلاحات الشاملة التي تخصّ جميع مكونات المجتمع السوري، الإثنية والدينية والطائفية، وأن الاستفراد بفئة دون أخرى تكتيك مكشوف ومخادع ولا طائل منه. كذلك تعرف جماهير البدو أنّ أجهزة النظام سلّحت بعض العناصر من بين صفوفها، في موازاة افتعال مشكلات يومية مع الأكراد والتهديد بحلّها تحت وطأة السلاح. وفي تظاهرات مدينة القامشلي الأخيرة ردّد المتظاهرون الأكراد الشعارات ذاتها التي رددتها تظاهرات المدن السورية الأخرى، بل أضافوا إليها شعاراً جديداً حاسماً: نحن طلاب حرّية، لا جنسية!

• ماذا عن اللجنة القانونية التي تعمل على وضع قانون يمهد لرفع حال الطوارئ؟ ولماذا أشارت التوجيهات المتعلقة بهذا الموضوع «الى إنجاز تشريع يضمن المحافظة على أمن الوطن ومكافحة الارهاب»؟

– منذ الآن، وحتى قبل صدور توصيات هذه اللجنة، يعلن بعض أعضائها أنّ هناك حاجة ماسة الى قانون خاصّ بديل من قانون الطوارئ، سيكون شبيهاً بالقوانين المعتمدة في أميركا وبريطانيا وفرنسا. نقطة الخداع الأولى في هذا الأمر أن أي قانون لمكافحة الإرهاب سينقلب إلى قانون طوارئ مقنّع إذا كان النظام القضائي فاسداً وتابعاً، والنظام الحاكم نفسه على نقيض من دولة القانون ودولة الفصل الصريح والفعلي بين السلطات الثلاث. أغلب الظن أنهم سيبطلون مفعول قانون تحت ضغط الشارع الشعبي بالطبع، وسيستبدلونه بآخر يتيح استمرار ممارسات العسف والقمع ومصادرة الحريات، لأنهم ليسوا في واقع الأمر في صدد إدخال إصلاحات جذرية حقيقية وإنما ذرّ الرماد في العيون.

• المعارضة السورية لم تطالب في شكل علني بتداول السلطة. هل تخشى في رأيك الصدام مع النظام؟

– هناك فرق بين مطالب المعارضة الرسمية أو التقليدية، إذا جاز هذا القول في وصف الأحزاب والمنظمات ولجان المجتمع المدني ونشطاء الرأي وحقوق الإنسان التي أعلنت وتعلن المعارضة وفق هذا البرنامج السياسي أو ذاك، والتي طالبت وتطالب بتغيير جوهري في حياة البلاد، وبالتداول السلمي للسلطة تحديداً، والمطالب التي عبّرت عنها التظاهرات وأنساق الحراك الشعبي خلال الأسابيع القليلة الماضية التي انطلقت عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بصفة خاصة، وهذه توافقت على شعارات عريضة تخصّ الحرّيات العامة والإصلاح الجذري وردّ المظالم وحفظ كرامة المواطن. ولستُ أرى خشية من النظام في الموقف الثاني، أو تجاسراً عليه في الموقف الأول، ومن الإنصاف أن نرى الموقفين في حال تكامل من حيث الوظيفة، وليس في وضع تناقض أو افتراق.

• ثمة من يسأل الى اي مدى يمكن توسيع هامش الديموقراطية في ظل هيمنة سياسية أحادية كما هي الحال في سورية؟

– هناك تنافر تامّ بين نظام الهيمنة الراهن في مستوياته السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية، وأيّ هامش جدّي وفعلي للديموقراطية. لا بدّ من تغيير جوهري يشمل جميع مؤسسات النظام وقوانينه وممارساته، وإلا فالأمر أقرب إلى استئناف خدعة قديمة لم تعد تنطلي على أحد. الإجراءات التجميلية، أو تلك التي تتخذ صفة تقديم الرشوة الموقتة إلى الشارع الشعبي، استهلكها النظام ذاته طوال اعوام، والمشهد عالق على النحو الذي صوّره المفكّر الإيطالي أنطونيو غرامشي: القديم لم يمت بعد، والجديد ولادته عسيرة!

• الأنظمة العربية تعاني ازمة بنيوية ومن بينها النظام السوري. هل تكفي التوجيهات التي أصدرها الرئيس الاسد لتجاوز أزمة النظام آنيا؟

– لا تكفي طبعاً، بل هي خيانة للطموحات الشعبية وإهانة لدماء الشهداء. في مستوى البنية ذاتها، ثمة تاريخ طويل من التكلس والجمود والانغلاق جعل البنية متحجرة على نحو لا يقبل التشذيب أو التعديل من دون الكسر والاستبدال. وفي يقيني أنّ معضلة النظام الكبرى هي أن الإصلاح الحقيقي سيصيب بنيته بشقوق وصدوع وانكسارات قاتلة تضعف سطوته، وتخلّ بتوازناته الداخلية من حيث محاصصات القوّة والنهب، وهي التي تُبقي أواصر الولاء المشترك حيّة وحيوية في نفوس أهل النظام ودوائر السلطة الأعلى والأضيق. إنها، إذاً، بنية مستعصية على الإصلاح والتطوير والتغيير، لأنّ أيّ تبديل في معادلاتها سيصيب المعمار بأسره بارتجاج قاتل. هكذا كانت حالها حين ألقى بشار الأسد خطاب القسم العام 2000، فتفاءل مَن تفاءل وبات البعض، وكنتُ وأظلّ في عدادهم أكثر تشاؤماً. وهكذا بدت الحال حين ألقى الأسد خطاب القسم الثاني العام 2007، وهي حالها اليوم أيضاً بعد الخطاب الأخير.

• أشار الرئيس الاسد في خطابه الى وجود دول قريبة تهدف الى تخريب الامن في سورية. ما رأيك؟

– هذا لغو صار مكروراً ومل الناس سماعه، ولا أظن أن طفلاً في سورية يصدّقه. سمعنا مزاعم مماثلة من حكّام تونس ومصر واليمن وليبيا، وسنسمع مزيدا منها كلما انهار نظام استبداد عربي.

• هل تعتقد ان الحركة الاحتجاجية في سورية ستتابع مسيرتها؟

– الأرجح أنها ستتواصل، وستتخذ صياغات مختلفة ومتجددة في النوع كما في الكمّ. لقد كشّر النظام عن أنياب في القمع كانت خافية على بعض المواطنين، وصارت بينه وبين الشارع دماء شهداء بالعشرات، كما أصدر الأوامر لقناصة الأجهزة الأمنية باغتيال المتظاهرين أو حتى اغتيال بعض رجال الشرطة للإيحاء بأنهم قُتلوا برصاص «المندسين»، فضلاً عن إهانة الأمهات الثكالى برفضه استخدام صفة الشهيد عند الحديث عن ضحايا أجهزته التي أعطاها الإذن بأن تنفلت من كلّ عقال. نظام الأسد آخذ في الاحتضار، وسقوطه الختامي مسألة وقت، ليس من دون أثمان وطنية فادحة كما يجب الإقرار، وليس من دون تضحيات جسيمة سوف تنجم عن تعنت النظام وهمجية رجالاته.

• كيف تقرأ الموقف الاميركي من الأحداث في سورية؟ ولماذا يبدو أكثر تحفظاً مقارنة بموقفه من ليبيا واليمن؟

– ليس هذا موقف أميركا وحدها بل هو موقف إسرائيل أيضاً، والمرء يلمس القلق الإسرائيلي على النظام السوري في التصريحات الرسمية كما في أقوال الساسة في اليمين والوسط واليسار، وكتابات الغالبية العظمى من المعلقين. وهذا الموقف الأميركي – الإسرائيلي ناجم عن ثلاثة اعتبارات رئيسية بين أخرى أقل أهمية: اولا أن النظام، في عهد بشار مثل عهد أبيه، ضمن صمت المدافع في الجولان المحتل، فلا تُسمع هناك طلقة حتى من بندقية صيد، وثانيا أن النظام حارس يقظ للحدود الطويلة مع العراق، وهو بالتالي شريك في أمن جيش الاحتلال الأميركي هناك، وثالثا أن النظام يعلن «الممانعة» قولاً ولكنه يضمر الاعتدال فعلاً، ويسعى جاهداً الى اتفاق سلام مع إسرائيل وينام ويصحو على حلم تحسين العلاقات مع واشنطن. هذا إضافة إلى نظرية «الاستقرار السوري» التي يعتنقها كثير من الأميركيين والإسرائيليين الذين يزعمون الخبرة بالمشهد الجيو- سياسي في الشرق الأوسط، لكنهم في الواقع ينظّرون لفرضية واهمة أثبتت الاعوام أنها باطلة وقبض الريح.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى