صفحات سورية

صحارى واسكتش ‘الحبيب المجهول’!


أحمد عمر

ظهر الرئيس اليمني بالصوت والصورة بعد غياب، على فضائية اليمن لكن بالأسود والأبيض المحمّر الرأس، في عصر سكوب بالألوان الديمقراطية، فابتهج أنصاره وذبحوا، فرحا بنجاته، عشرة ثوار! كان الثوار أيام زمان مسلحين بخراطيش الذخائر، ويعتصمون بالجبال والمغاور أما الآن فهم مسلحون باللافتات والشعارات والطرائف والهتافات في الشوارع!.

الرجل من أكثر الزعماء صراحة ومراوغة، أشهر دليل على روغانه هو نكثه بوعد عدم الترشح للرئاسة، وهاهو يعتصم بالكرسي اعتصام المؤمنين بحبل الله. اعترف الرجل بأنه أجرى ثمانية عمليات تجميل، وهذا يعني أنّ الثورة اليمنية ستفوز بمنصب ملك جمال الثورات العربية! أما مشهد الزعيم الليبي وهو يلعب الشطرنج، ووجهه للكاميرا مع رئيس الاتحاد العالمي للشطرنج وظهره مكشوف للكاميرا ، فمشهد خال من التشويق، ومع ذلك يظهر في الصورة مشجّعان ليبيان من اللجان الثورية يبديان اهتماما بحركة هجومية للقذافي، على أذكى محارب شطرنج في العالم، أما الفائز فلا بد انه صاحب النظرية الخضراء، فهو مثل بقية الملوك، لا يقبل إلا بالفوز، و لا يهاجم إلا بالفيلة وحدها وها هو يهدد من الساحة الخضراء بإطلاق فيلته على أوروبا، عقب خطبة الجمعة التي أراد فيها باب العزيزية قبلة للمصلين الطرابلسيين بدلاً من كعبة مكة.

أما مشهد البرلمان المغربي بالزي الشعبي الموحد فهو يشبه فيلم ‘انيمشن’، أو مشهدا لمجتمع النمل، أو يشبه فيلما للبرلمان الكوري الشمالي، وقد وعد الملك محمد السادس بإصلاحات دستورية يعفي فيها الشعب من تقبيل يده الكريمة، وبسبب تفاوت القوة بين الشارع والأنظمة، لا نجد معنى للدساتير العربية، المشكلة هي في الفيل – يا ملك الزمان؛ وهي مسرحية لسعد الله ونوس، تحكي قصة ملك ظالم يربي فيلا مدللا، يدوس أولاد الرعية وكرامة الرعية من غير أن يجرؤ أحد منهم على الشكوى، ومع دخول عصر الانترنت ينهض من بينهم ثائر مغوار يطلق على جمعتهم اسم جمعة ‘التشكي من الفيل’، فيتحفزون ويتدربون على المنكر الاكبر، وبعد ذهابهم إلى الملك ووصولهم إليه، يسألهم عن سبب زيارتهم فيقولون: الفيل يا ملك الزمان ويكررونها وعندما يسألهم عن شأنه؟ تتكسر مقادمهم خوفا ويقلبون شكواهم طالبين.. تزويج الفيل!

الإصلاحات الدستورية جارية على قدم وساق في بعض البلدان العربية، ولا معنى لها، ما دامت الفيلة حرة، كل ما سيحدث هو أنّ الملك سيغيّر اسم الفيل إلى أرنب أو بلبل أو نملة، بعد أن يكون قد تزوّج عرفيا وخلف فيلا وفيلات..

وتشهد شهادات فضائية وأرضية ومقالات لا حصر لها أنّ الفيل السوري من أقوى الفيلة العربية على شعوبها ، فهو أغرب حتى من فيل سلفادور دالي! الفيل السوري له أقدام عنكبوت وذنب عقرب، وأنياب ثعبان وخرطوم بعوضة وقرون وحيد قرن ولبدة ليث، ومخالب دب، وهو فيل ‘مقاوم’ للكسر، و’ممانع’ للماء، وتحت سقف الوطن أيضا!!

أصحاب الفيل

أحسنت الجزيرة والبي بي سي تغطية اللقاء التشاوري في مجمع صحارى، بالاتصال بالناشطين والمفكرين السياسيين وكان أغناها وابلغها اتصالهما بهيثم مناع وهوشنك أوسي الذي نعت المشاركين ‘بالنكرات السياسية’، نسي اوسي أنهم معارف وأحوال إعلامية وصحافية وجبهوية! وانّ الصفوف الأولى كانت محجوزة للمشهورين أو لأصحاب الفيل. اكتفت الفضائيات الأخرى بنقل الكلمات. كنت سأسمي اللقاء التشاوري باسم لقاء ‘مونولوج صحارى’ أو مؤتمر ‘سلاف فواخرجي واحد’، باعتبارها أحلى الموجودين، وأكثرهم تضحية سياسية ‘فقد قضت سنوات من عمرها في الزنزانة الفضية وهي تطالب بالحرية، ومؤخرا ظهرت على الفضائية السورية وهي تقول بصوتها الرخيم (حاج بقى دم) ولم نعرف من تقصد بالطلب: الجماعات السلفية التي كان يقودها حمزة الخطيب أم السادة الشبيحة!!

منذ فترة اعتبرت أجهزة إعلامية سورية أنّ الدراما السورية صناعة ثقيلة وطالب بعضهم بجعلها خطا احمر، يمنع نقده، (إضافة إلى الخطوط السورية الحمر الخمسة والتي صارت ستة) وكاد مخرج مسلسل ‘ما ملكت أيمانكم’ أن يطالب بمحاكمة البوطي، الذي كان قد تذمّر من فيل الصناعة السورية الثقيلة لأنه يصرف عن عبادة الله إلى عبادة النجوم الدرامية بسبب مهارته في الألعاب البهلوانية. او لأنه اعتبر تذمره من مسلسله هدرا لدمه بعد استشارة محام ضليع. أحد أسباب تطور الصناعة الدرامية هو: التعويض عن ‘صحارى’ الحياة السياسية وجفافها!

هل سيكون (مجمع الصحارى واحد) صناعة درامية مسليّة أم انه سيكون صفحة جديدة في سورية التي انصرم من عمرها اربعين سنة صحراوية من أصل 7000 عام اخضر! ومن هم الأبطال الحقيقيون؟ هل هم الذين يستشهدون ويضحون بالدماء في الشوارع، ام هم الممثلون والفنانون الذين يسرقون الأضواء والنجومية ويرفعون رايات التحرير ويطالبون ‘بنسف’ الدستور، الذي لم يكن موجودا حتى على الرفوف!! الكلمات التي ألقيت، سمعنا أجمل منها بكثير( خطاب القسم، وكلمات ربيع دمشق التي قيلت في لقاء تلفزيوني لطيب تيزيني وجمال باروت وهما يطالبان بتضييق قانون الطوارئ..) وقد ذهب نجاتي طيارة الى جوف الفيل لأنه كان يكرر: اسمع كلامك يعجبني اشوف رصاصك يقتلني.

كثير من هؤلاء المتكلمين كانوا يعلفون الفيل السوري بأيديهم أو يدغدغونه بأصابعهم، ما دام لن يدوسهم، فالفيل لا يدوس المشاهير. ومن الغريب أنّ أشجع الصحافيين في سورية كانوا من أصحاب الفيل، وهم الآن يتصدرون معارضة صحارى!!

أسوأ الخطب في مؤتمر صحارى كان خطاب رئيس ما يسمى’ بالمبادرة الوطنية للكرد السوريين’، أما بقية الخطب فأتمنى أن تجد طريقها إلى التطبيق لا إلى الكتابة بماء الذهب على حيطان النسيان . سورية حتى الآن لا تزال تغني مع ليلى مراد: لكن خيال حبيبي المجهول (مش لاقية فيك حاجة منو).

أطول علم في العالم!

في الوقت الذي كان الشبان السوريون الأبابيل يتقدمون إلى بوابات الجنة، كان أصحاب الفيل مشغولين بتطويل العلم السوري الذي بلغ طوله 16 كيلومترا! أعلام الشارع الثائر اقل طولا، وهذا يعني أنهم اقل وطنية بالمعيار الكمي. ويمكن طمأنة أصحاب الفيل إلى أنّ دخولهم إلى جنة موسوعة غينس وارد، بل أن عَلَمَهم يمكن أن يرى، مع بعض التطويل، من فوق سطح القمر مثل سور الصين، لكن العَلَم لا يقطع ظهرا ولا يصل أرضا ولا يغني من جوع أو يقي من برد. العلم عادة يبرز في وجه العدو أو الخصم أو في الاتفاقيات والمراسيم فما الذي جعل الطلب عليه كبيرا؟ باختصار: يبدو أن أصحاب الفيل يكتشفون علمهم لأول مرة وأنه لا يمكنهم رؤيته إلا إذا كان طويلا وكبيرا، ويخشى أن تكون مشكلتهم في البصيرة لا في البصر!

أيها القارئ: ألم ترَ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل!!

كاتب من كوكب الأرض

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى