صفحات العالم

صحفي روسي يتجول في سوريا ويكتب : من يعارض “صاحب الجلالة” ؟


مجلة “بروفيل” نشرت تحقيقا للصحفي تيمور اوليفسكي الذي زار سورية في الآونة الأخيرة. يقول أوليفسكي إنه من المتعذر الحديث مع الناس في شوارع دمشق عن الاضطرابات في البلاد، فالناس يخشون الكلام. ولكن أتيح له في ليلة من الليالي التحدث أثناء تجواله بالسيارة مع شخص قدّم نفسه كأحد منظمي مظاهرات الجمعة التي تجري في أماكن مختلفة على أطراف دمشق. وشرح له ذاك الشخص أن أجهزة الاستخبارات تعرف مسبقاً أماكن التظاهر، وتقوم قبل يوم من الموعد بمحاصرة تلك الأحياء بواسطة حاملي الرشاشات، وتجعل من المستحيل تقريباً اختراق تلك الحواجز. ويضيف الصحفي الروسي ان محدثه وعده بأن يحاول اصطحابه الى هناك في وقت مبكر وايجاد شقة له، لكي يستطيع تصوير المتظاهرين من النوافذ. ولكنه عدل عن تلك الفكرة بعد التفكير، متعللاً بأن ذلك سيكون خطراً للغاية، بالاضافة الى أن دعوة أي ممثل للصحافة الأجنبية لتغطية المظاهرات قد تجعل رجال الشرطة يطلقون النار على المتظاهرين. وحدثه جليس آخر ان القناصين في السابق كانوا يطلقون النار على الجموع، ولكننا اتفقنا مع السلطة على استبدال الشعارات التي يرفعها المتظاهرون، فبدلاً من شعار يسقط بشار الأسد، صرنا نهتف يسقط الفساد، فتوقف القتل، حتى أن رجال الشرطة صاروا يحيوننا. يبدو ان مكافحة الفساد بلا عنوان واضح، أمر تحبذه السطات الحاكمة في كل مكان، خاصة اذا كانت السلطات نفسها هي التي تقود تلك الحملة. لقد استفاد بشار الأسد والمحيطون به من دروس الجيران جيداً، وهم يحاولون بكل طاقتهم استغلال الوقت الضائع. إن انشاء قوى “معارضة” شكلية تدار حسب الطلب، هو أحد أهداف اصلاحاتهم. واولئك يعرفون جيدا الحدود التي لا يمكنهم تجاوزها. ويحصلون من النظام على حصصهم من الكعكة. ولكن المشكلة تكمن في أن السلطات في دمشق الآن في وضع حرج للغاية، فمن جهة يجب عليها اظهار ان أجهزة الأمن تدافع عن نفسها من الأوغاد الذين يخربون البلاد، ومن جهة أخرى من المهم للسلطات ان لا تُظهر شيئاً.

تشهد سورية حربا من نوع ما، وهذا ما لوحظ بقوة في مدينة حماة، التي لم يتمكن المدعي العام فيها من إعطائنا رقما دقيقا عن عدد المعتقلين. وعند سؤالنا إن كان مئتين، أم ثلاثمئة، أجاب قائلا “إن عدد الذين أفرجنا عنهم أكبر من عدد الذين لا يزالون خلف القضبان”. وعلى أية حال لم يتح لنا مشاهدة أماكن احتجاز المتمردين. ولايستبعد أن يكون هؤلاء في عداد الأموات. ولقد اقترح علينا المدعي العام نفسه التحدث إلى ممثل المعارضة المحلية، ولكننا فضلنا زيارة معرض للاسلحة التي صودرت من المحتجين. وفي قسم الشرطة شاهدنا العديد من القنابل المصنعة يدويا، إضافة إلى قطع من أنابيب وعلب دهان فارغة والعشرات من بنادق كلاشينكوف قديمة، وبنادق صيد وأسلحة بيضاء. كل ذلك لم يكن ليشبه ترسانة أسلحة من صنع أجنبي. ولتبديد شكوكنا رفع ضابط قنبلة يدوية وحيدة، عليها كتابة عبرية.

أما المدينة الأخرى (حمص) فقد مر موكبنا فيها بسرعة. ولم يُسمح لنا بالتوقف فيها. إن ما يريد نظام الأسد عرضه على العالم هو مشاهد فيديو لمسلحين في الزي المدني وهم ينكلون برجال يرتدون الزي العسكري الرسمي.

المحلل السياسي السوري هيثم بدرخان يؤكد أن”الشعب السوري كله انتفض ضد نظام الأسد”. ويعزو بدرخان النزاع في سورية إلى الوضع الديمغرافي، فخلال السنوات الثلاثين الماضية تضاعف عدد السكان، ومن الصعب جدا أن يجد الشباب عملا لهم، ولذلك نراهم ينتفضون. ينبغي القول إن الكثيرين مستاؤون من النظام، ولكل منهم روايته التي يعتبرها الصحيحة. وفي مؤتمر صحفي عقد في الثامن من أكتوبر / تشرين الأول يقول عضو قيادة هيئة التنسيق الوطنية عبد العزيز الخير “نحن مع تغيير النظام الديكتاتوري الاستبدادي الأمني الى نظام ديمقراطي برلماني تعددي تداولي”.

وتتحدث المجلة عن خصوصية الوضع السوري واختلافه عن “الثورات” العربية الأخرى، فتقول إن القوى العلمانية هي المحرك الأساسي للاحتجاجات…وتتوقف المجلة عند أحداث حمص، مبرزةً أن نشطاء حزب الشعب الديمقراطي بقيادة رياض الترك، هم الذين ينسقون تحركات المعارضة في هذه المدينة… ومن ناحيةٍ أخرى، لا شك أن الاسلاميين يلعبون دوراً كبيراً في التظاهرات… وحسب المحلل السياسي السوري هيثم بدرخان فإن البعض ينظرون بعين القلق إلى دور القوى الاسلامية في مظاهرات أيام الجمعة، عندما يخرج الناس من المساجد. وترجع هذه الظاهرة إلى أن المسجد بات المكان الوحيد الذي بوسع السوريين التجمع فيه. فهنا يلتقي النشطاء الاسلاميون والمسلمون المعتدلون… ويتوقع المحلل السوري أن يحصل الإسلاميون على نسبةٍ لا تزيد على أربعين بالمئة من الأصوات فيما لو شهدت سورية انتخاباتٍ حرةً في المستقبل القريب.

في الثلث الأول من تشرين الأول/ اكتوبر زار موسكو وفد من المعارضة السورية “البديلة”. وقد أكد أعضاء الوفد ان التدخل العسكري الأجنبي مرفوض، وأن الشعب السوري يشكر روسيا على استخدامها حق النقض في مجلس الأمن الدولي. وعلى كل حال، لو أن أغلبية- أو على الأقل نصف- المحتجين السوريين كانوا يعتقدون ذلك، لكان الحوار مع السلطة قد بدأ من زمن بعيد. ولكن هذا الحوار لا وجود له حتى الآن. وهذا يعني أن ” المعارضين الشرعيين” لا يعبرون عن رأي عدد كبير من السوريين. الخبير في معهد الشرق الأوسط يوري شيغلوفين يرى أن الحركة الاحتجاجية تكتسب في الآونة الأخيرة مزيداً من الراديكالية، وتنحو تدريجيا نحو السيناريو العسكري. إن أغلبية الخبراء اليوم يجمعون على أن التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية أمر لا يزال بعيد المنال.

روسيا اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى