صفحات المستقبل

صحن حمص مغمس بالحنين/ شادية الأتاسي

 

 

يا سيدي الأديب الجميل…

أثرت مواجعي في هذا الصباح، الذي يبدو فيه أن الخريف يزورنا في غير أوانه، والخريف دائما يأتي سيالاً بالحنين، هكذا اعتدنا، ربما الأمر هكذا معنا، نحن الآتون من ذلك الشرق الحزين.

زمنك العاطفي الملغم تحديداً “الشامي” نقر على شباكي الزمني، أخذني بعمق إلى خليط من موزاييك الأزمنة المتشابكة، الهاربة من زمنها الفواح بكل منمنمات الزمن الجميل، لتندس ببراءة ماكرة في فضاءات لحظاتنا الآنية، ولا تتركنا إلا ونحن أسرى لسطوتها.

صحن الحمص الشهي بالزيت البلدي، تحت ظلال شجر التفاح، في حديقتك الأميركية البعيدة، حرض مكامن الذائقة في الذاكرة، أعادني إلى مدرستي وخربشات دفاتري، أعاد لي حضن أمي، أعاد لي ضجيج تلك الصباحات وشقاوة تلك الأيام، شممت فيه رائحة تلك المساءات الندية، التي خربشنا فيها بنزق الشباب، في كل دقيقة منها، حلماً جميلا بعيد المنال.

وعروق النعناع الأخضر، المسقية من مياه البلاد الغريبة، ذكرتني بشتلاتنا النعناعية الطازجة، على أطراف البساتين الخضراء، وعلى درابزين البيوتات المتلاصقة، وفي أصص الزريعة، تهاوش الشمس، وتغازل المطر، تلاعب الريح، تنداح رائحتها طازجة، شهية، زكية، في عمق ذاكرتنا، وفي زمن غربتنا.

ومخلل اللفت الأحمر الشهي، الذي نشأ ونما غريباً، تحت شموس الوطن البديل “قطرميزاته” الحمراء الشهية، المصفوفة بعناية، لمونة طويلة، ليستوي على مهل، بشمس الشتاء الخجولة، على أسطحة البيوت الواطئة، وفي أرض الديار، وعلى بحرات البيوت، يجاور بجرأة، شتلات الشب الظريف، والمستحية، وقلب عبد الوهاب، يستعير منهم حلاوة الذكريات، لكنه يبقى محايداً، محافظاً على مكانته.

حمص بالزيت البلدي، وعروق النعناع الخضراء، وشرحات اللفت الأحمر. وجبتك الشهية، تحت شجر التفاح، في حديقتك الأميركية البعيدة، وراء المحيطات هي وجبتنا جميعاً، ذائقتنا في منافي الغربة لن نكف عن الحنين إليها، سيبقى زمنها سيالاً بدفء الذكريات، لعبتنا الجميلة دائمة الحضور، فيعلو غيم الحنين فوق غيم الزمن الشامي الجميل الحاضر أبداً، زمننا الذي نحب.

ضفة ثالثة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى