صفحات الناس

صدام «ثقافتين»… وتعثّر جهاز الدولة الألمانيّة في استقبال اللاجئين والمهاجرين

 

 

فريق صحافيي «شبيغل»

لا شك في أن تونس قادرة على استقبال عدد صغير من مواطنيها المرحّلين. فألمانيا ترغب في ترحيل 1200 تونسي الى بلدهم الأم. لكن سفارة بلادهم في برلين غير مهتمة بالمسألة، أو ربما لا وقت لديها أو لديها أسباب غامضة تجعل اتصال المسؤولين الألمان بها «بالغ الصعوبة»، كما يقرأ المرء في وثيقة حكومية ألمانية. ونتيجة تعذّر الاتصال بالسفارة التونسية، يقتصر عدد المرّحلين التوانسة على 6 أشخاص في النصف الأول من 2015. وعلى رغم أن السفارة الجزائرية لا توصد الأبواب في وجه المحققين الألمان، حالت مسائل قانونية ومشاغل إنسانية دون ترحيل ألفي جزائري الى مسقط رأسهم، واقتصر عدد من شملهم الإجراء على 24 شخصاً.

اليوم، يبلغ عدد أبناء المغرب وتونس والجزائر المدرجين على لائحة الترحيل من ألمانيا بضعة آلاف، لكنهم يجولون ويصولون في الأراضي الألمانية نتيجة عجز الدولة عن ترحيلهم. ويتساءل كثر: هل استسلمت هذه الدولة؟

تعود المشكلة الى ما قبل فوضى حوادث محطة القطار في كولونيا (كولن) في ليلة رأس السنة. ففي عدد من الولايات البارزة، يبدو أن السلطات الألمانية تواجه مشكلات تفوق طاقتها. وهذا ما أدركه الألمان على مضض. فدولتهم القادرة على تسجيل كل تفاصيل حيواتهم لفرض أصغر الضرائب التفصيلية، وهي صاغت العام الماضي أو عدّلت 8 آلاف مقطع من القوانين، تعجز، اليوم، عن فرض القانون وإرساء الأمن والنظام العام.

وطوال عقود، قتّرت ألمانيا في الإنفاق على الخدمات المدنية واقتطعت الموازنات حيثما وسعها، واليوم، تدفع برلين الثمن. وفي ألمانيا، وهي ديموقراطية عمرها 66 عاماً، يتوجه رجال الشرطة الى السكان على أنهم «أصدقاء ومقدمو العون»، وهذا ما يسيء فهمه الشباب اليافعون الآتون من شمال أفريقيا. وثمة صدام بين ثقافتين: بين دولة دستورية تعلي شأن الحوار وعدم التصعيد والدمج والتعاطف مع الشباب المنحرف، وتولي تنشئتهم الاجتماعية مجدداً، وبين مهاجرين متحدرين من مجتمعات استبدادية يسيئون فهم المقاربة اللينة ويستغلون العقاب الرخو الذي ينتظر من ينتهك القانون. فيغيب حكم القانون في عدد من الأماكن كما حصل في كولونيا ليلة رأس السنة أو في بعض أحياء فرانكفورت وبرلين طوال العام.

ولكن، كيف تحول الحيز مقابل محطة القطارات في كولن الى حيز خارج عن القانون؟ الى نهار الخميس المنصرم، بلغ عدد الدعاوى في حوادث رأس السنة في كولن 650 دعوى جزائية، نصفها يتناول اعتداءات جنسية، وثلاث منها دعاوى اغتصاب. وفي 103 شكاوى، جُمع الاعتداء الجنسي الى السرقة. وبعد أسبوعين على الحادث يستمر توجُّه الضحايا، ومعظمهم من النساء، الى مراكز الشرطة للإبلاغ عما جرى، على رغم معرفتهم بأن الحقائب والهواتف لن ترد إليهم.

واعتقل 13 مشتبهاً بهم: 8 مغاربة، 4 جزائريين وتونسي، وخمسة منهم أودعوا في مراكز اعتقال موقت، وهم متهمون بالسرقة وحيازة ذهب مسروق ومقاومة الاعتقال. ويتولى التحقيق في حوادث ليلة رأس السنة 4 مدعين عامين، و135 عنصراً من وحدة التحقيقات الخاصة، وجمع المسؤولون ثياب الضحايا الداخلية لاستخراج حمض الجناة النووي («دي أن أي») من آثار تعرّق أصابعهم. وعرضت الشرطة 10 آلاف يورو جوائز لمن يرشدها إلى الجناة. فهي تبحث عن «حشد من الجناة»، لذا، تشاهد 300 ساعة من لقطات كاميرا في محطة القطارات ومحيطها. وأبرز ما وقع عليه التحقيق الى اليوم، أن شطراً راجحاً من الكاميرات معطل، والشطر الآخر مضى عليه الزمن.

ويلوم وزير داخلية شمال الراين- فيستفاليا، رالف جاغر، في ما حصل مركز الشرطة في كولونيا. فالشرطة «لم تطلب الإمدادات والدعم». لكن ما لا يقوله هو أن الدعم لم يكن ليبلغ طالبيه قبل ساعتين. فقوات الدعم كانت موزعة في مناطق متباعدة من الولاية، منها على بعد 70 كلم من غرب كولونيا وأخرى على بعد 100 كلم…

وانصرف الساسة الألمان في السنوات الخمس الأخيرة، الى تقليص حجم قوات الشرطة من جهة، وإناطة مهمات كثيرة بها من جهة أخرى. وفي العام 2000، بلغ عدد ضباطها 237198، وعددهم اليوم أقل بعشرة آلاف عنصر. وتقليص النفقات خلف أثره في عتاد الشرطة. فخلص تقرير في كانون الثاني (يناير) 2015، الى أن رجال الشرطة الألمانية عاجزون عن حماية أنفسهم في حال حصل إطلاق نار من أسلحة رشاشة. فعتاد الحماية (مركبات محصنة وسترات وقية من الرصاص) لا يقي من طلقات الكلاشنيكوف على غرار تلك المستخدمة في هجمات شارلي إيبدو الباريسية.

وطالب رئيس الشرطة الفيديرالية الألماني، دييتر رومن، بزيادة قوات الشرطة 3 آلاف عنصر في موازنة 2013. لكنه لم يلق آذاناً صاغية في 2013 و2014. في 2015، أضيفت 200 وظيفة فحسب في سلك الشرطة لحراسة البوندسبنك (البنك المركزي) في فرانكفورت. وفي شباط (فبراير) المنصرم، حذر رومنّ في تقريره من «نتائج قاتلة» وثيقة الصلة بالمسؤولية السياسية (عن تردي الأحوال) إذا لم يُلبّ طلبه رفع عدد قوات الشرطة. وخذلته وزارتا الداخلية والمال. فبادر البوندستاغ (البرلمان الفيديرالي) الى دعم طلبه في مفاوضات الموازنة الفيديرالية. فزعيم الحزب الاشتراكي الديموقراطي، سيغمار غابرييل، وهو كذلك وزير الاقتصاد ونائب المستشارة، أيّد رومنّ. فأقرت الموازنة الفيديرالية في 2016 زيادة 3 آلاف فرصة عمل في الشرطة.

فشل الدولة

ونتائج التقشف ماثلة على الحدود البافارية، حيث تولت الشرطة الفيديرالية، في الصيف والخريف المنصرمين، مهمات الاعتناء باللاجئين: توزيع وجبات الطعام وتجميع اللاجئين في باصات النقل وتنظيمه الى مراكز تسجيل الأسماء والاستقبال. «وما يجري في باساو لا يعقل، ويعيد الى الأذهان لعبة البينغ بونغ (كرة الطاولة)»، يقول ضابط شرطة محبط. فالنمسا ترسل لاجئين الى بافاريا، ثم تعيد ألمانيا كثراً منهم ممن يرغبون في التوجّه الى السويد على أعقابهم (النمسا). ثم بعد أقل من 24 ساعة، يعود هؤلاء اللاجئون الى باساو.

* فريق موقع «شبيغل أون لاين» الألمانية، 21/1/2016، إعداد منال نحاس.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى