صفحات العالم

صراع على “الجسر السوري”!


راجح الخوري

أسقط أحمد داود أوغلو “مهلة الأسبوعين” التي أعطاها رجب طيب أردوغان للرئيس بشار الأسد لوقف العمليات العسكرية ضد المتظاهرين. وفي أقل من 24 ساعة، انهالت المطالبات على النظام السوري من واشنطن ولندن وأنقرة والرياض والسلطة الفلسطينية بوقف القصف فوراً. ولكن ليس من المحتمل ان تتوقف عمليات القصف، التي دفعت الدبابات الى محاصرة المدن السورية والاضطرار لدخولها المرة تلو المرة، بما يؤكد ان دورة التظاهر والمطالبة بالحرية لن تتوقف بعد ستة أشهر من استعمال القوة والعنف!

لا ندري معنى ان يقول أوغلو لدمشق حازماً: “أوقفوا القتل، هذه كلمتنا الأخيرة”. ما معنى” كلمتنا الاخيرة” الآن بعد كل ما تردد عن استعداد تركي للتدخل عسكرياً، أو على الأقل لإقامة حزام داخل الأراضي السورية؟ الأخطر أننا لا ندري ما معنى المشاورات الأخيرة بين أردوغان والرئيس باراك أوباما، التي قيل إنها درست الوضع في سوريا، على قاعدة المجازر التي سبق ان شهدها العالم في رواندا، بما قد يعني ضمناً وجود تفكير بتدخل عسكري دولي في سوريا!

وإذا كانت تركيا قالت كلمتها الأخيرة، فإن إيران مستمرة في قول كلامها اليومي حيال دعم الأسد ومساعدته لوجيستياً وعسكرياً ومادياً كما يعلن علي خامنئي تكراراً، والذي أعطاه ستة مليارات دولار، وخصه بـ290 ألف برميل نفط يومياً، وأوعز الى نوري المالكي في العراق بدعمه بمبلغ 10 مليارات دولار.

من الواضح تماماً ان الأزمة في سوريا تحولت حلبة صراع متصاعد بين تركيا وإيران يدخل الآن مرحلة الضرب في الخواصر. وليس سراً ان البلدين يجدان أنهما يقفان على رقعة استراتيجية ذات بُعد إقليمي مهم لكل منهما. فاذا كانت سوريا تمثل المنصة الإيرانية الضرورية لمصالح إيران وامتداداتها غرباً في اتجاه العراق ولبنان والأردن وفلسطين ووقوفها كقوة تملك نفوذاً على الشواطئ الشرقية للمتوسط، بما يعطيها نفوذاً في الإقليم وفعالية في مواجهة الغرب، وهو أمر حيوي لها بالنسبة الى النوويات والى دورها الخليجي، فإن سوريا تمثل الجسر الذي تعبر عليه مصالح تركيا في اتجاه الجنوب وصولاً الى لبنان والأردن وفلسطين والعراق، وهو الذي يؤمن بالتالي وزناً كبيراً لها كقوة إقليمية يعتمد الغرب عليها كمحور إقليمي كونها القوة الثانية في الأطلسي بعد أميركا.

ورغم اتساع المصالح الاقتصادية بين إيران وتركيا التي استطاعت ان تلعب دور معبر صادرات النفط والغاز الإيرانيين، وهو ما أنعش اقتصادها بتريليون دولار، فإن من المحتم حصول صدام إيراني – تركي متصاعد فوق الحلبة السورية. كل ذلك على قاعدة متناقضة تماماً، بمعنى: إن بقاء النظام السوري يعني استمرار الجسر الإيراني شرقاً وسقوطه يعني اتساع الجسر التركي جنوباً، والقصة تتعدى الجسر وحتى دور الدولتين الى تغيير جذري في الواقع الاستراتيجي في المنطقة الأشد حساسية وخطورة على نطاق دولي… ومرة جديدة: الحكمة… الحكمة أو الفوضى!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى