بمثابة تحية إلى نساء سوريةصفحات مميزة

صـــــــــــورٌ للذكــــــــرى: وجدان ناصيف

وجدان ناصيف577776_143958492422678_1870511013_n

 

في الثامن من نيسان 2011 حذرت قوى الأمن جموع المعتصمين في درعا من الاعتصام مجدداً أمام الجامع العمري الذي سبق للقوات أن اقتحمته في أواخر شهر آذار. لكن  بعض الشبان رفضوا إخلاء الساحة الأمامية. يومها قطعت الكهرباء عن درعا وبدأت قوات الأمن تتقدم باتجاه المعتصمين في العتمة.  فما كان أمام فتاة تقف على شرفة تطلُّ على الجامع عند رؤيتها لتقدم القوات إلا وصرخت بالمعتصمين:

-“انتبهوا إجوكم.. إجوكم ………  ” .

حينها انطلقت أول (رشقة) رصاص لتقتل الشابة …!

قبلها بأيام كانت تلك الصبية تشارك في وضع الشموع في كؤوس كرتونية وتوزعها على النساء في اعتصام مسائي من أجل الشهداء ومن أجل آلام الأطفال المعتقلين في درعا.

………….

 تتحدث (هند) بفرح طفولي عن اعتصام  الشموع في درعا وتلمع عيناها بالدموع وهي تقول:

-” هل تتخيلون اعتصام شموع عند حائط الجامع العمري؟ هل تتخيلون صوت سميح شقير يصدح من مكبر الجامع  بأغنية  يا حيف ….؟؟… وكأن نساء درعا عرفن ثقافة التظاهر السلمي منذ أن ولدنّ..!” ..

………….

بعدها بشهر يصرخ شاب في دوما في وجه أخته :

-” عودي الى البيت” … لكنها لا تعود.

 في اليوم التالي، يغلق جميع الأبواب، لكنها تجد طريقها للهرب. تركض باتجاه الساحة حيث تقف حافلة محملة بالمعتقلين. تنادي على باقي النساء وتتردد كلمة ” الأولاد” مثل شيفرة تنتقل بينهن، فيركضن باتجاه الحافلة. يتسمّرن في المكان مطالبات بإطلاق سراح المعتقلين ويبدأن بالصراخ:

– “بدنا ولادنا…..بدنا المعتقلين”.

يصوب الجنود بنادقهم إلى صدورهنّ لكنهنّ يبقين صامدات في أماكنهنّ.

– ” ..مرة بدؤوا بإطلاق الرصاص على نحو جدّي ومفاجئ ، وكانت إحدى النساء مسنّة وصاحبة وزن ثقيل جداً ولم تستطيع الركض فوقعت ارضاً ولم نستطع حملها ..وما أن استطاعت الوقوف حتى ركضنا باتجاهها ونحن نكاد نقع من الضحك … .المرأة كانت قد بللت ثيابها وكانت خجلة منّا ومن أولادها وأحفادها حتى نسيت انها كادت تقتل قبل قليل”

 ..يضحكن …يضحكن طويلاً ..

قدرة السوريات على الضحك تضاهي قدرتهن على البكاء ..!

……………

في 13 أيلول 2012 صباحاً تعتقل هند، وفي 27 تشرين ثاني 2012 تعتقل سارة أيضاً. هند وسارة، أم وابنتها،  جيلان يتقاسمان الألم والعتمة والقهر. جيلان ينتفضان يداً بيد من أجل الإجابة على سؤال الأجيال القادمة :”ماذا فعلتم من أجلنا؟”..

ومع اعتقال هند يكون قد مرَّ عامٌ ونصف على اصطدام رشقات رصاص الجنود بجسد الفتاة الصبية على الشرفة.

وفي مثل هذا التاريخ لن يكون هناك جنود في دوما يعتقلون شباناً فتسارع نساء البلدة مغامرات بأرواحهن على اختلاف أعمارهن من أجل إطلاق سراحهم، لا، بل سيكون هناك الكثير من البيوت والحارات المدمرة والقبور التي ما عادت تتسع للمزيد، ونساء خسرن البيوت وربما الأزواج والأولاد في معارك لا ترحم.

 وستلتقي بهنّ اليوم في بيوت النزوح الفقيرة والباردة، وكلما حانت الفرصة، يتحدثن مثل التلاميذ المشاغبين، كلهن دفعة واحدة… يبكين ويضحكن وهنّ يعددن عليك خسائرهن.

واليوم تكون هند قد دخلت في يومها الثالث بعد المائة في أقبية الظلم والعتمة وستكون كالعادة تفكر في كل أصدقائها خارج المعتقل وتتمنى أن يكونوا بخير جميعاً ..وستغرق عيناها بالدموع وهي تروي لنساء هناك عن بدايات الثورة في درعا وكأنه تاريخ لم تعرف قبله تاريخاً آخر أبداً.

اللوحة للفنانة رندا مداح، وهي تشارك بلوحاتها في محور: بمثابة تحية إلى نساء سورية.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى