صفحات سورية

صفقة الزبداني… الضجيج الكاذب/ هنادي الخطيب

 

«الكل متفقون على بيع كل شيء… ولكنهم مختلفون على الأسعار!».

محمد الماغوط

 

في سورية، أصبح بإمكاننا التعامل مع بعض العبارات على أنها حقائق علمية بدل أن تكون جملاً أدبية أو إنسانية أو عاطفية، وفي سورية اليوم أصبحت جملة الماغوط السابقة حقيقة علمية تكاد تكون غير قابلة للتأويل أو حتى للنقاش، وآخر الاختلافات السورية، التهجير القسري للزبداني ومضايا، والاتفاق «الغامض الواضح»، الذي عقدته هيئة تحرير الشام وأحرار الشام مع إيران و «حزب الله».

سمعنا جميعاً الأصوات التي تعالت من طرف المعارضة للتنديد باتفاق ما يعرف بـ «البلدات الأربع»، اتفاق الزبداني ومضايا مقابل كفريا والفوعة، وترافقت تلك الأصوات الصاخبة والشاجبة مع إشارة استفهام كبيرة، هل حقاً فوجئت هيئة التفاوض وفوجئ الجيش الحر وغيرهم من معارضين بالاتفاق؟ وإن كانوا كذلك فعلاً، فهل من المنطقي أن لا تخرج أسئلتهم الاستنكارية عن بضع جمل إعلامية بعيدة عن عمق المشكلة وحقيقة الصفقة التي أجريت.

اتفاق الزبداني مضايا- كفريا الفوعة، ليس حالة التهجير القسري الأولى في سورية ولن تكون الأخيرة، كما أن الاتفاق لم يحدث بين ليلة وضحاها، وعمليتا تهجير أهل الزبداني ومضايا وتوريث المنطقة لـ «حزب الله»، هما أمران يُجرى التحضير والتفاوض في شأنهما منذ أكثر من عام، وتم الكثير من المحادثات خلال العام المنصرم وتغيرت البنود منذ المفاوضات الأولى وصولاً إلى الاتفاق النهائي الذي نتحدث عنه الآن والذي أصبحت هيئة تحرير الشام الطرف الأبرز فيه.

وأما هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، فإن تاريخ الاتفاقات التي أبرمتها باسم جزء من السوريين مع الإيرانيين و «حزب الله»، ليس تاريخاً نزيهاً، خصوصاً أن ثمة بنوداً سرية للاتفاق الأخير (كما عادة اتفاقات النصرة)، خرجت عنه تسريبات مثل: «معتقلون قطريون في العراق، ملايين الدولارات دفعت للهيئة، المعتقلون الذين تم التفاوض عليهم معظمهم يدينون بالولاء للنصرة»، ولا يمكن لأحد أن يجزم بصحة أو خطأ تلك التسريبات إلى حين يتم كشف الاتفاق للعلن بكل بنوده.

ما الجديد في هذا الاتفاق حتى يتبارى البعض في التنديد بالاتفاق، ويتبارون في ادعاء عدم معرفتهم بهذا الاتفاق مسبقاً؟ على رغم أننا نعرف أن الائتلاف وهيئة التفاوض والجيش الحر وجميع السوريين الهاربين من جحيم الأسد يدركون أن أهل الزبداني ومضايا الذين ذاقوا الويل تحت الحصار، هم اليوم بين نارين، فمن جهة، الاتفاق ربما ينهي حالة نسيان العالم وتجاهله موتهم اليومي تحت الحصار، وانتقالهم إلى إدلب قد يفتح باب أمل لأناس عوملوا على أن حصارهم تحصيل حاصل، فلا المعارضة تحركت فعلاً لإنقاذهم، ولا العالم استنكر احتلال «حزب الله» لهم وقتلهم، وبات الحصار شبه شرعي بتخاذل العالم وتجاهله، ومن الجهة الأخرى فإن اقتلاع بشر من أرضهم وبيوتهم وبلدهم وتهجيرهم إلى مكان آخر من دون أن يعرفوا إذا ما كانوا سيرون أرضهم مرة أخرى، هما حكم بإعدام الروح وبقاء الجسد على قيد الحياة.

أما مؤيدو الاتفاق ومعارضوه، فلا يمتلكون إجابات مقنعة لسبب تأييدهم أو معارضتهم، ويبقى الاعتراف بأن البدايات الخاطئة لا تؤدي إلا إلى نتائج خاطئة، وفي اللحظة التي سكت العالم والمعارضة عن القنص والقتل والتجويع والحصار، واعتبروه تحصيل حاصل، اكتسب أي اتفاق مهما كان جائراً صفة شرعية تحت يافطة «تخفيف الموت».

بالطبع، نتيجة المفاوضات (الفتح- إيران) ظهرت منذ تموز (يوليو) 2016 بما سمي حينها، اتفاق الزبداني مضايا- كفريا الفوعة، الأول، والذي جاء بعد حصار قتل الأخضر واليابس في مضايا، وأخرج حكايا مروعة عن أطفال ورجال ونساء ماتوا جوعاً، ولم يثر ذلك الاتفاق الذي لم ينفذ من بنوده إلا الجزء اليسير ليس من ضمنه فك الحصار، لم يثر لدى المعارضة السياسية أو المسلحة «الجيش الحر» أي استفسارات أو محاولات للتدخل بالاتفاق، وعلى رغم عدم تنفيذه إلا أنه شكل قاعدة أساسية للاتفاق كما تم اليوم.

إذاً فوجئت هيئة التفاوض السورية المعارضة، وفوجئ الجيش الحر، وفوجئ الائتلاف، ولكنهم وفي خضم المفاجأة التي أطلقت ألسنتهم وأصواتهم، لم يتجرأوا على لوم هيئة تحرير الشام بالاسم على الكارثة الديموغرافية التي ستنتج من الاتفاق اياه، وإنما تلاعبوا بالجمل، وصدرت بيانات نددت بروسيا وبالنظام السوري، وبـ «حزب الله» بالطبع، ولم تسمّ الهيئة أو الأحرار، ولم تقارن بين البلدات، إذ ما معنى أن تتم مقايضة فك حصار بلدتين تم ذبحهما جوعاً وقهراً وقصفاً ببلدتين كانتا محاصرتين إعلامياً فقط؟ فالجميع يعرف أن كفريا والفوعة لم تعانيا حقيقة مما يسمى حصاراً، وما معنى التنديد والطلب من المجتمع الدولي والدول العربية التدخل لإيقاف تنفيذ الاتفاق؟ من دون أن يُطرح السؤال المشروع: «ما هي شرعية هيئة تحرير الشام في توقيع اتفاق كهذا الاتفاق»؟ ولماذا انسحبت الأمم المتحدة من رعاية الاتفاق خوفاً من اتهامها بالمشاركة بعملية تهجير قسري، على رغم أنها أشرفت على عمليات التهجير الأخرى في مناطق سورية؟ ثمة حلقة ناقصة لن نعرفها كسوريين اليوم، ذلك أن الفضائح تنتظر وقتاً لتنكشف.

اتفاق الإجلاء برعاية هيئة تحرير الشام وأحرار الشام، والقاعدة التجارية المعروفة «البيع يحتاج لشارٍ ولبائع» ينطبقان على هذا الاتفاق، وما يشذ عن تلك القاعدة بيانات المعارضة التي دانت الشاري بما يناسب البروباغندا الإعلامية لغسل يدها من الاتفاق، وتناست البائع ربما خوفاً وربما تبعية. أو ربما كما اعتادت غالبية قادة المعارضة، من أيام المجلس إلى يومنا، أن يقولوا لكل من يسألهم «ليس كل ما يُعرف يُقال»، فهذا الشعب الذي قدم أكثر من نصف مليون ضحية وهُجر أكثر من نصفه، ما زال في أعين قادة المعارضة لا يستحق أن يعرف، طبعاً بالنسبة لقادة النصرة وتحرير الشام وغيرهم، فمن البديهي ألا يقولوا شيئاً لأنهم يرون الناس أصلاً «رعايا» و «عامة».

في الواقع، لا أخاف أن يحصل ما يسمونه عمليات إعادة توطين وخلطاً ديموغرافياً، فهذا مستحيل في سورية، مهما بلغ مكر النظام وحليفه النظام الإيراني، فالسوريون سيستعيدون سوريتهم، لكن السؤال المؤلم: لماذا يجب أن ندفع هذا الثمن المرّ؟ أهو فقط بسبب مكر النظام وحلفائه، أم لأن باب التجارة مفتوح منذ سنين، ونحن ما زلنا نسأل بسذاجة «علية القوم» علهم يجيبون.

* صحافية سورية

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى