جولان حاجيصفحات الثقافة

صندوق الألم

 

جولان حاجي

(مقطع)

لم تكنْ هناك، هذا الفجر،

حين أطلَّ المرضى والركابُ والجنود

برؤوسٍ صلعاء وحليقة

مثل أكواخٍ معتمة في نوافذ بعيدة.

ضبابٌ خفيف لم يمكثْ  طويلاً

عبَرهُ الصبيُّ أمام بوّابةِ المستشفى

حيث وجدَ مسدساً ملقى على العشب.

لم تكن هناك.

الآن، أنت قصةٌ تُروى في مكانٍ لستَ فيه.

حلقك، صندوقُ الألم،

مليءٌ بالعظامِ والريش.

في بياضِ  عينك

بقعةُ دمٍ صغيرةٌ وصدئة

كشمسٍ تغربُ في البعيد

فوق حقلٍ من الثلج

داسَتْهُ أرتالٌ طويلةٌ من الجنودِ الجوعى.

-ضوءُ آذار-

(مقطعان)

انظُرْ:

الغيمةُ فوق رأسك

       مثل بطنِ حيوانٍ تحبُّ أن تداعبه،

الثلجُ يغطّي في الظلّ

           حجراً وكسرةَ خبز.

أتسمعُ الريحَ  بين غصونِ الخوخ المزهرة؟

هل فهمتني؟

إنهُ الصباح،

الهواءُ أصفى من عيوننا

    ولا أحدَ يتركُ أثراً في مرآة.

*** *** *** ***

العصفورُ الذي رفرفَ عن سلكِ الغسيل تعرّفَ إليّ دون أن يعرفَ اسمي. كانت ساقاه أنحلَ من السلك؛ ولكنهما تخدمان حياته جيداً. أفزعتهُ بظهوري فأطلقَ الفزعُ جناحيه عالياً. لا فرقَ لديه بين سائر الأشكال التي يُطْلَقُ عليها اسمُ البشر؛ سيانِ أنا أو سواي، فعيناه البراقتان لا تستأمنان أحداً. أما أنا فأكره إني أحرسُ اسمي الذي وُهِبْتهُ كي يأسرَني، أجرَّه ويجرَّني، فالتصقَ بوجهي وصار جزءاً من نبرة صوتي، أستغربه أحياناً إذا قرأتهُ أو سمعته، أو أضجر منه وأمقته. كالآخرين جميعاً، أمضيتُ وقتاً طويلاً كي أسجنَ نفسي في اسمي، إذ كلُّ امرئ يُدفَنُ حياً في اسمه: قبرٌ من الخوف والمتعة وسوء الفهم.

*** **** ***** ****

-الزُّناة-

(مقطع)

أفكاري أبْردُ من يديك

أقسى من حَلَمةٍ أفاقَتْ  بين أسنانِ غريب.

نفخةٌ ستُبعثرني بين الظلال

حيث تومضُ النذورُ والعلامات

ويَهرمُ المؤرَّقون

وتبردُ الأطباقُ  كوجوهٍ تنسانا.

يثرثرُ الموت

حين تعبرُ يدي المائدةَ كعربةٍ بطيئةٍ من القشّ

ثم يبتعدُ عنا، غاضباً مثلنا،

ويتركُ هذا المنديل

وقصاصةً تحملُ اسمك

كيلا تضيعي إذا خرجتِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى