صفحات العالم

صواريخ روسية إلى تركيا لمناكفة «الناتو»/ ألكسندر غولتس

 

 

عشية المناورات الروسية «زاباد 2017»، التي أقلقت كثيراً دول الناتو، تلقت الأخيرة صفعة قوية. فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن توقيع أنقرة عقداً مع موسكو لتزويدها بمنظومة الدفاع الجوي أس-400 الروسية. وقال أردوغان إن «أصدقاءنا وافقوا على صفقة أس-400 وعلى تسديد القسط الأول (من ثمن المنظومة) والخطوة التالية تقضي بحصولنا على قرض من روسيا». وأكدت الدائرة الاتحادية للتعاون العسكري التقني في روسيا كلمات الرئيس التركي حول توقيع عقد تسليم منظومات الدفاع الجوي من طراز أس-400 إلى تركيا. وقال المكتب الإعلامي «الطرفان توصلا إلى اتفاق حول تسليم أس-400 وأبرم العقد». وشددت الجهات الرسمية الروسية على أن تسليم المنظومة إلى تركيا يخدم المصالح الجيوسياسية الروسية.

ولا يصعب فهم تكتّم الإدارة الروسية في الحديث عن الصفقة. إذ يعدّ هذا عقداً خيالياً: روسيا تبيع تركيا أحدث نظام دفاع جوي بأكثر من بليوني دولار. وفي الوقت نفسه، إذا كنّا لنصدق الرئيس التركي فإنّ موسكو ستدفع بنفسها، بواسطة القرض، ثمن هذه الفرصة الرائعة لتزويد بلد عضو في الناتو بالنظام الدفاع الجوي الروسي. ودامت المفاوضات أشهراً. والتذكير بأن المفاوضات ذاتها مع الصين استغرقت ثلاث سنوات، في محله. وحينها أوضح ممثلو روسيا أنّ العقبة الرئيسية التي حالت دون إبرام سريع للصفقة كانت مخاوف موسكو من سرقة التكنولوجيا المحلية الفريدة، وأن العاصمة الروسية حسمت أمرها (في إبرام الصفقة مع الصين) بسبب حاجتها الماسة إلى الموارد المالية. ولكن اليوم تقوم روسيا نفسها بتمويل تزويد المنظومة نفسها إلى تركيا. وإلى ذلك، يطالب أردوغان بأن تُشارك تركيا في المستقبل في إنتاج هذه المنظومات الدفاعية. وعليه، يبدو أن نقل الابتكارات التقنية، التي صنّفت منذ وقت ليس ببعيد بـ «السرية»، لا مفر منه.

وجلي أن مكانة ما يسمى بالاعتبارات «الجيوسياسية»، أي الرغبة في تعزيز مواقف روسيا في الساحة الدولية، بارزة في هذا السياق. والعلاقات مع تركيا متقلبة جداً. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، أسقطت طائرة تركية مقاتلة روسيّة. وتحولت أنقرة على الفور إلى عدو روسيا اللدود. ثم أبرمت مصالحة على قدر من الغرابة بينهما. وبدأت تركيا المشاركة في المفاوضات السورية في آستانة وجمدت عمليتها العسكرية في سورية. ومع ذلك، لا ضمانات بأن الزعيم التركي لن يقوم غداً بخطوة ما من شأنها إفساد العلاقات بين الدولتين.

وتخاطر موسكو من طريق تزويدها بأنظمة الدفاع الجوي الحديثة، بتقويض العلاقات مع دول صديقة (مع اليونان وأرمينيا)، وهذه العلاقات نُسجت على مدى عقود. فاليوم، تتولى منظومة باتريوت «الأطلسية» في إيطاليا وإسبانيا في إطار الدفاع الجماعي عن حلف شمال الأطلسي حماية المجال الجوي في تركيا. ولكن هذه الحماية مقيدة. وعلى وجه التحديد، يتعذر نشر نظم الدفاع الجوي بالقرب من الحدود مع أرمينيا واليونان، وكذلك على ساحل البحر الأبيض المتوسط. ويشير خبراء أتراك إلى أن هذه القيود لن تُلتزم حين نشر أنظمة أس-400، وهذا يقلق أثينا ويريفان. وينبغي احتساب أن اليونان، الخصم العسكري الرئيسي لتركيا، اشترت في الماضي منظومة الدفاع الروسية من طراز أس-300، وهي تبدو قديمة وبائتة اليوم قياساً على طراز أس-400.

وأبرز سؤال هو ماذا تجني موسكو (من هذه الصفقة) في غياب فوائد اقتصادية أو سياسية واضحة. وأظن أن حادي روسيا الرئيسي إلى إبرام الصفقة ه1ه مع تركيا هو مناكفة الناتو فحسب. ومنذ أن قمع أردوغان محاولة الانقلاب العسكري العام الماضي، تتحول تركيا، أكثر فأكثر، إلى دولة استبدادية. ويوجه حلفاء أنقرة في الناتو سهام النقد إليها. وبوتين، شأن نظيره التركي، صار منبوذاً على المستوى الدولي. ولذا، قرر الحصول على حليف آخر، أو على أقل تقدير، التظاهر بأن ثمة حليفاً صدوقاً يقف إلى جانبه. ولا شك في أن الصفقة ترمي إلى مناكفة الناتو. وفي سبيل هذا المأرب، لا يحول حائل دون إنفاق بليوني دولار. أمّا متى ستعود هذه المبالغ إلى الخزانة الروسية، فيمكن توجيه هذا السؤال إلى الرئيس الفنزويلي نيكولا مادورو.

* محلل عسكري، عن موقع «يجيدنفني جورنال»، 14/9/2017، إعداد علي شرف الدين

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى