صفحات الناس

صورة اللاجئ السوري وشاشات اليمين الغربي/ عماد مفرح مصطفى

 

 

ما إن يقع أي اعتداء إرهابي في الغرب، حتى تتجه بعض الظنون نحو تورط أحد اللاجئين السوريين في الأمر، على اعتبار أن صورتهم التي ساهمت بعض التلفزيونات الغربية اليمينية بتشكيلها، باتت ترتبط بأهم قضيتين متفاعلتين على المستوى الدولي، وهما الإرهاب واللجوء.

صورة تم إعادة تركيبها على وقع تفاعلات الحالة السورية وتأثيراتها، وبما يتناسب والحسابات السياسية الدقيقة للدول الغربية ومصالحها، مانعةً بذلك تحول تلك الصور إلى أيقونة لقضية إنسانية كبيرة، أو تعنون قصص أصحابها كرمز لأزمة الإنسان المعاصر. على العكس، تم تطويع ذلك الألم في قوالب سياسية وأيديولوجية تخدم قضايا معقدة ومتداخلة، كانت سباقة للحظة السورية ومأساتها. وهنا نتكلّم بشكل خاص عن الإعلام اليميني إن كان في اوروبا أو في الولايات المتحدة الأميركية، وما ركلة المصورة المجرية بيترا لازلو، سوى جزء صغير من السياق اليميني العام الكاره للاجئ.

وبهذا المعنى، فإنّ تقديم الجانب السياسي وتلاعباته على الإنساني وضروراته، حول الوجع السوري الهادر، وصورة اللاجئين الهاربين من الموت والحرب، إلى قوة بشرية تهدد الكيان الغربي وسماته، وتزيد من الفجوة والأشكال في نظام العلاقة بين الدولة الغربية الحديثة وبعض مواطنيها الهامشيين.

هكذا، ومع الاعتقاد بأن اللاجئين السوريين لم يزيدوا إلا كتلة الهامشيين في الغرب قوةً ومتانة، أصبحت قضيتهم تثير المخاوف والهواجس، أكثر من إثارتها لسبل التعاطف والتراحم الإنساني. جرى ذلك بعد أن تمت شيطنة اللاجئ، وتصوير أسباب لجوئه بأنها مشاركة عضوية وفعلية في “غزوة إسلامية جديدة”، إن كان في صحف وقنوات يمينية في أوروبا بشكل خاص… وصولاً إلى أساليب إعلامية أخرى، مثل الملصقات والإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، ونذكر منها هنا مصلقات “بوكيمون” التي ظهرت فجأة في شوارع لندن والمحرضة على اللاجئين وعلى المسلمين، كما نذكر الملصقات التي كتب عليها “الدولة تفرضهم علينا: لقد وصلوا… إنهم في قلب المدينة” والتي انتشرت على شكل لافتات إعلانية في شوارع مدينة بيزييه الجنوبية في فرنسا. وعلى نفس اللافتات صورت كنائس بدت كأنها محاصرة ومحاطة باللاجئين الملتحين.

في المقابل، لم تقف تلك “العقلية الغربية” المنفعلة، والمسكونة بأوهام العظمة القومية، عند حدود اتهام اللاجئين بمحاولة تغير ملامح “أوروبا المسيحية” في تحليلاتها التلفزيونية وصورها المرافقة، بل جاء الخطاب المتناسق في نهجه الشعبوي المتصاعد في فضاءات السياسة الغربية، ليحمّل الضحية السورية، أسباب عجز الاقتصاديات الأوروبية الكبيرة، وتصوير اللاجئ، الذي يجر وراءه بقايا أسرة وحياة في “الجنة الأوروبية”، كنقطة عطالة في تلك الاقتصاديات والنظر إليه كشحاذ، قادم من “الشرق المتدين”، فقط من أجل التنعم “براتب الإعانة” و”السوسيال”.

هكذا باتت صورة اللاجئ السوري، السائلة على بعض التلفزيونات الغربية اليمينية، هي صورة الضحية المجردة من الحاجات الإنسانية والسياسية، بعد التشويش على حقيقة نزوحها وشرودها، وإعادة أسباب نزوحها إلى إرهاب الجماعات “الإسلامية السنية” فقط، وتناسي ما أقدمت عليها المليشيات الطائفية الأخرى، وهو ما يتوافق والمصالح الغربية وسياساتها في المنطقة.

حقيقة، لا تكمن صعوبة الأمر في مقاصد التشويش ومأربه، بل في محاصرة اللاجئ بصور يستوجب منه تبنيها حول نفسه وثقافته. صور تحاصره بما هو مطلوب منه، وتذكره بالشكل والصيغة التي عليه اتباعها من أجل أن يستوفي شروط وجوده وحياته في الغرب. صور تسمح لنفسها بالتدخل في تكوين الذهني للاجئ بكونه الضعيف والهامشي و”الجاهل”، في مقابل الرجل الغربي، الأبيض، السيد، العارف.

الإشكالية السابقة، لم تعد مقتصرة على الجانب الإعلامي، فالثقافي أيضا بات رهين ذلك التدخل. وعلى اللاجئ أن يتهيأ لدورة الحياة والذوبان في اللحظة الغربية وراهنيتها، وإلا فإن طريقه الوحيد لدفاع عن نفسه، وردة فعله على القوة الناعمة والجبارة للدولة، ربما لن يكون سوى الانتحار في تيارات دينية متطرفة.

وبعيدًا عن صور التعالي الغربية ونظرتها إلى ذاتها بكونها مركز كل علم وإبداع وقيم مثلى في العالم، فإن صورة اللاجئ السوري، رغم هشاشتها، تكشف عن حاجة النظام السياسي الأوروبي وتحولاتها الداخلية إلى ضحيتها السورية، من أجل تحميلها صورة عجزها، وجعل الموقف من تلك الضحية المهرب الأسهل من المشكلات الأكبر والأعقد، التي تعاني منها تلك الأوساط السياسية، بحيث أصبح ملف اللاجئين الملف الأكثر خصوبة لاستثمار الخطاب الشعبوي حوله.

كل ذلك لا يخفي حقيقة تعاطف بعض القطاعات من المجتمعات الغربية مع اللاجئين السوريين، وهو تعاطف نابع من إيمانهم العميق، بشرعة حقوق الإنسان والحرية والعدالة، أي ذات الجذر والمفاهيم التي ثار السوريون من أجلها، وقبلت بالرصاص والدم والقتل، حتى يتم تحويلهم إلى شعب، تحت خط الفقر والموت والرحمة.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى