صفحات المستقبل

صورة محظورة في وقت انكشاف المطمور/ روجيه عوطة

 

 

صورة واحدة لأمين عام حزب الله حسن نصرالله كانت كفيلة بجر جمهوره الى السُخط على مجموعة “عالشارع”، التي نشرتها في “فايسبوك”. اذ ظهر فيها قائد “المقاومة الإسلامية” محاطاً بمرافقيه المسلحين، وقد كُتب فوقه عبارة “ما في شي بالضاحية.. لا مي ولا كهربا.. المهم تضل خزان حروبك”. وما أن راح المستخدمون يشاركون هذه الصورة حتى شرع الكثيرون في التعليق عليها عبر الشتم والتخوين، بالفضل عن تبليغ الموقع الأزرق عنها كي يحذفها، وهذا ما فعله.

طبعاً، وبالرد على هذه الصورة، ذاع في “تويتر” هاشتاغ “#إلا_السيد”، و”#لولا_السيد”، اللذين استُعملا للحديث عن محورية نصرالله وأهميته في حماية “الوطن” و”درء الفتنة عنه” و”إشباعه بالكرامة”. والحق ان الحجة الأساس، التي تكمن خلف رفض إظهار قائد حزب الله بين باقي زعماء السلطات الحزبية في لبنان، هو انه “رجل دين وليس رجل سياسة”، وانه “شريف وليس فاسد”، وانه “اكبر من حشره في الصف اللبناني، في وقت انه رمز أممي”.

فمن الممكن نقد الجميع، الإنتفاض عليهم، “إلا” هو. ذاك، ان “لولاه”، لما كان هناك بلد أصلاً، ولما كان منتقدوه على قيد العيش، بسبب تصديه للعدو الإسرائيلي من جهة و”الدولة الإسلامية” من جهة أخرى. كما لو انه ضمانة اي شيء قد يحدث في لبنان او للبنان، اذ يتعهد ركوده وحراكه، أمنه وحربه، بيوته وشوارعه، ميادينه وساحاته، استقراره وتحوله. كل شيء يجري ويتغير ويثبت عبر نصرالله وبعده.

ولما كان على هذا الوضع، فلا شك ان نشر صورته، والتعليق عليها بنقد حزبه، هو فعل محظور، من المستحيل، بحسب جمهور القائد، القيام به. فالذين مارسوا هذا التحريم، قالوا للخارجين الى الشارع: “افعلوا ما شئتم، لكن، اياكم والاقتراب من الرجل المقدس، وفي حال اقتربتم، فنحن لكم بالمرصاد”. بالطبع، الاتهامات جاهزة، وممجوجة لدرجة السُخف، من العمالة الى الكٰفر، مثلما ان مطلقيها، على ما يبدو، هم في تنسيق كامل مع بعضهم البعض بغاية التصدي لأي كلمة او صورة قد تندرج، بالاستناد الى منطقهم، في سياق انتهاك الممنوع مساس به.

لقد كان هذا المنع متوقعاً، لا سيما ان خرقه، على طول السنوات الماضية، كان بقيادة فريق ١٤ آذار، الذي بات يبرر وجوده السياسي به. ذاك، ان المعادلة بين المعسكرين الآذارين استوت على فعلين متداخلين: الحظر من جهة ٨ آذار (ما في شي)، والطمر من جهة ١٤ آذار (الفراغ). وحين خرج الناس من وسط هذين الطرفين، اتضح فعل كل واحد منهما أكثر فأكثر، كما بانت العلاقة المتينة بينهما: الطمر هو حظر قائم على الإخفاء، والحظر هو طمر قائم على الإظهار.

تالياً، لا يمكن النظر في صورة نصرالله سوى بعين محددة، رسمية، ومقفلة للغاية، والا سيرتطم النظر بالحظر. ذاك، انها اعلى من كل الصور الأخرى، وأكثر قوةً منها، بسبب المُمثل فيها. وهي تطمر تحتها مجتمعاً بأكمله، ما ان يفلت منه احد ما حتى يتلقاه مطمر اخر بتنميطه والرهاب منه. فذلك المجتمع عالق تحت المحظور وان خرج منه لا طريق يحمله الآن سوى الى مدفن مضاد لسلطته، ومؤلف بالفوبيا منه.

بعد ذلك، لا شك ان الحظر على صلة بالطمر، ففريق الصورة المحرّمة يغذيها فريق الفراغ المستور. لكن، هل صعود الفراغ الى سطح البلاد قد يؤدي الى فكّ الطمر عن الحظر، ثم اصطدام سلطة الأخير بالمجتمع الذي تحكمه؟

غرّدت إحداهن، موجهةً كلامها الى المتظاهرين: “لولا السيد لكنتم الآن في المكب”، لكنها، لم تنتبه الى ان هؤلاء، وهي ربما معهم، يسكنون في بلد اضحى مجرد مكبّ، لكنهم، يحاولون مبارحته. ثم ان السكن في المكبّ والسعي الى مغادرته، افضل من التواري داخله او الانتقال منه بهدف قتل الغير على أرضه، خارج البلاد.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى