سمير العيطةصفحات الرأي

صور الفظائع في سوريا.. سلاح في أي اتجاه؟/ سمير العيطة

 

 

هناك نقاشٌ واسع بين كثيرٍ من السوريين حول مسألة نشر صور الصراع الفظيعة في بلادهم. البعض يدافع عن ضرورة «التحديق في وجه هذا الهول الرهيب» لكي «يتطوّر إدراك السوريين بجذريّة وضعهم ومأساويته، ويتطوّر فناً وفكراً وأخلاقيات مجبولة بتمثيل هذه الأوضاع المستحيلة»، انطلاقاً من ضرورة «تنمية ذاكرة حول هذه الفظاعة كي لا تتكرّر».

لا شكّ في أنّ الصورة في زمن الصراع هي أداة تعبئة وتحريض، وجزءٌ من الصراع ذاته. وأمام حقيقة ذلك يتابعون القول إنّ ضرورة «التحديق» تأتي من ضرورة «مساءلة النفوس والتاريخ والمجتمع والثقافة عن هذه الفظائع». وفيما يتعلّق بالعلاقة بين عموميّة وخصوصيّة هذه الصور وكونها جزءاً من كرامة البشر الذين تمّ تصويرهم، هم وأسرهم، تأتي الحجّة أنّ مشاعيّة هذه الصور الفظيعة هي أحد وجوه أزمة إعادة تأسيس المجتمع بما أنّها دلالة على انحلاله العام.

يتمحور جزءٌ مهم من النقاش إذاً حول العلاقة بين الفرديّ والعامّ في زمن الصراع، فنحن في زمن الصراع ولسنا في منحى طيّ صفحته وصنع ذاكرته الجماعيّة. ذلك أنّ انتهاك الكرامة الفرديّة عبر نشر صور الفظاعات من دون سؤال من تخصّه واحترام كرامته وحرمته ينزع الصفة الإنسانيّة عن الأفراد كما ينزع الانتماء الجماعي إلى المجتمع. ويتمحور جزءٌ من النقاش أيضاً حول العلاقة بين صورة الفظاعة كدليلٍ قانونيّ على جرم وكونها مشهداً على وسائل إعلام وفي نظام «فرجةٍ عالميّ تقوده أطراف سياسيّة فاعلة». وبعض أطراف النقاش حذّر من سلبيّة الإغراق بصور الفظاعة، لأنّ الإسفاف في تكرارها يأتي على عكس ما يريده منها ناشروها، ولا يُحفّز لإنهاء المقتلة، بل يُساهم في نزع البعد السياسيّ كما الإنسانيّ عن الذين يتعرّضون للجرم. المطلوب أوّلاً ويجب أوّلاً مواجهة «فظاعة طريقة الفرجة على صور الضحيّة السوريّة»، والتنبّه من أنّ غزارة عرض الصور تُسهم في تطبيع الجريمة والوصول إلى «حال ما بعد الجريمة الكاملة التي، برغم كلّ القرائن على ارتكابها، لا تثير أيّ ردّ فعلٍ اجتماعيّ». وبالتالي الحذر الشديد من زوال معنى صور الفظاعة، قانونيّاً وفرديّاً واجتماعيّاً. «فكيف يمكن التحديق في صورة الضحية أن يكون جامعاً بين السوريين، وجعلهم قادرين على التقيؤ ورفض استهداف ضحايا «مدنيين» أيّاً يكن موقعهم؟».

هذا النقاش جوهريّ وجهدٌ مشكور. بل إنّ انطلاقه دليلٌ على وقفة لافتة أمام تردّي الحالة السوريّة التي تنزلق وتتعمّق منذ خمس سنوات من هوّة إلى أخرى من دون قرار. وهو يذكّر بنقاشٍ جرى في بدايات الثورة السوريّة حول العنف بحدّ ذاته، قبل أن يصل إلى مستوى الفظاعات التي وصل إليها اليوم. لم يأخذ النقاش حينها كامل مداه في حين تمحور حول سؤالٍ جوهريّ عمّا إذا كان على ثورة ترفع أصلاً قيم الكرامة والحريّة أن تواجه العنف بالعنف؟ وبما أنّ سلطة البلاد هي التي تحتكر العنف «الرسميّ»، وتتمادى به، هل تجوز الاستعانة بدولٍ أخرى لا تمتّ إلى قيم الثورة بشيءٍ لمحاولة جلب الغلبة بالتحديد لهذه القيم؟

يعطي بروز هذا النقاش حيّزاً كبيراً لمفهوم الفرد، وبالتالي الإنسان، وحقوقه والأخلاقيّات تجاهه مقابل المجتمع وآليّاته، بما فيها السياسة كصياغة لطموحات جماعيّة وقابليّتها للفعل والمساهمة في خلق واقعٍ آخر. وهذا أحد «معاني» زمن «الربيع العربيّ». كما يُظهِر التفاعل الوثيق بين الداخليّ والخارجيّ، على صعيد الإعلام والثقافة والفكر والسياسة كصياغة لتوجّهات العصر ومصالحه وصراعاته.

ربّما ما زال هذا النقاش يفتقد إلى بعدٍ أساسيّ من حيث ديناميّة التفاعلات. إنّ التاريخ ليس خطيّاً، وبالتالي ليس حتميّاً أو قدريّاً، ومساءلته لا تكمن فقط في نبش الجذور، بل أيضاً في ما أدّى إلى تفعيل جذورٍ من دون غيرها. وربّما تكمن هنا نقاط رئيسة تستحقّ النقاش والمساءلة. فما الذي حدا بالسوريين جميعهم إلى منحدرٍ أدّى إلى ارتكاب مثل هذه الفظاعات؟ والسؤال الأهمّ هنا، والآن كيف السبيل للخروج منها؟

لكنّنا في زمن الصراع، ولسنا في منحى طيّ صفحته وصنع ذاكرته الجماعيّة.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى