صفحات العالم

“ضرب الاستقرار السوري سيقود إلى تحطم البوابة العربية للبنان”

 


موفدون غربيون يسعون في بيروت للتشويش على دمشق

عماد مرمل

أظهر تقاطر الموفدين الأجانب الى لبنان مؤخرا ان الخارج ما زال ينظر الى البلد، ليس بوصفه قيمة بذاته بل باعتباره «عامل استثمار» قابلا للتوظيف السياسي والامني في معادلات المنطقة، طبعا من زاوية تصنيفه ساحة مفتوحة، أشبه ما تكون بـ«منطقة حرة» ، يمكن ان تستخدم في المقايضات او المواجهات.

ولعل الزيارة الاخيرة لمساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان الى بيروت كانت الاكثر فجاجة في التعبير عن هذه الوظيفة المستمرة للساحة اللبــنانية، ذلك ان «الكــاوبوي» الدبلوماسي لم يجد أي حرج في محاولة إقناع المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم بالانخراط في الحملة الدولية الهادفة الى محاصرة سوريا والضغط عليها، ردا على «قمع نظام بشار الاسد لشعبه وعدم استجابته لمتطلبات الاصلاح بالشكل المطلوب»، حسب مندرجات «الاسباب الموجبة» للحملة، متجاهلا في الوقت ذاته ما ارتكبه على سبيل المثال نظام البحرين من قمع للتحرك الشعبي في ترجمة إضافية لسياسة المعايير المزدوجة المتبعة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.

وإذا كان فيلتمان قد سمع من بعض الذين استقبلوه أجوبة واضحة في رفض الانضمام الى الهجمة الاميركية على سوريا، بينما رفض الرئيس نبيه بري استقباله.. إلا ان مرجعا لبنانيا بارزا في الاكثرية الجديدة يرى انه كان يجب ان يٌعامل فيلتمان في بيروت كما عومل العديد من الوفود الرسمية اللبنانية خلال زياراتها الى واشنطن في السابق.

ويروي المرجع ذاته ان الاميركيين لم يسمحوا في إحدى المرات سوى للرئيس سعد الحريري بالدخول الى باحة البيت الابيض بسيارته للقاء الرئيس باراك أوباما، من دون تفتيش، في حين خضع الوزراء الاربعة المرافقون له الى تفتيش دقيق، بل مهين، كما سحبت منهم جوازات السفر. وعندما امتعض وزير الخارجية علي الشامي من هذه المعاملة وطلب استرجاع جواز سفره للمغادرة احتجاجا، لم يُستجب لطلبه، حتى كاد يشعر وكأنه أصبح رهينة.

ويكشف المرجع انه في مرة أخرى عومل أيضا وزير لبناني سيادي والوفد المرافق بالطريقة ذاتها من قبل الأميركيين، بل وصل الامر الى حد الطلب من هذا الوزير ومن معه بأن يخلعوا أحذيتهم، في سياق إجراءات التفتيش، متسائلا: متى سيأتي يوم تنتفض فيه الدولة اللبنانية لكرامتها وعنفوانها، ولماذا لا يلقى المسؤولون الأميركيون الذين يزورون لبنان سلوكا مشابها على قاعدة «المعاملة بالمثل»؟

وليست واشنطن وحدها التي سعت الى التشويش على سوريا انطلاقا من لبنان، إذ ان موفدا فرنسيا زار بيروت كذلك قبل أيام هو الممثل الشخصي للرئيس نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الفرنسي الأسبق جان بيار رافاران الذي التقى المرجع البارز ذاته، وسأله أولا عن رأيه في ما أسماه «الربيع العربي»، فأجابه: يبدو أن البداية معروفة، ولكن النهاية مجهولة.

وأضاف مخاطبا ضيفه الفرنسي: أشعر بأن هناك محاولات لاحتواء وإبطاء مسار الثورات التي لا تناسب الغرب وأميركا، كما هي الحال مع ثورة مصر التي أعتبرها من أرقى الثورات في العالم (غامزا من قناة الثورة الفرنسية)، إلا ان هناك من يسعى الى ركوب موجتها والتحكم بإيقاعها لحرفها عن خطها الاصلي، خدمة للسياسة الاميركية بالدرجة الاولى، ولذلك لا أعرف كيف يمكن ان تنتهي الامور..

ثم طرق الضيف الفرنسي أبواب «بيت القصيد»، سائلا المرجع البارز في الاكثرية الجديدة عن قراءته للوضع في سوريا، وموقع لبنان مما يجري فيها، فسمع منه كلاما مباشرا فحواه ان التحالف بين لبنان وسوريا هو لمصلحة البلدين تاريخيا، أما اليوم فإن وقوف لبنان الى جانب سوريا يشكل بالدرجة الاولى مصلحة له قبل ان يكون مصلحة لها.

وتابع المرجع متوجها الى زائره الفرنسي: إذا تغير النظام في سوريا فإن البديل يكاد يكون معروفا منذ الآن، خلافا للوضع في مصر حيت تبدو الاحتمالات متعددة.. عليكم ان تعلموا ان سقوط بشار الاسد سيعني ضرب تركيبة سوريا المشابهة لتركيبة لبنان، مع فارق ان نسب الطوائف والمذاهب عندنا هي أكثر تقاربا، وبالتالي فإن أي انهيار قد يصيب الصيغة السورية سينعكس تلقائيا على الصيغة اللبنانية الهشة أصلا.

ولفت المرجع انتباه ضيفه الى انه إذا كانت فرنسا هي بوابة لبنان على الغرب، فإن سوريا هي بوابته على العرب، ومن هنا، فإن ضرب الاستقرار في سوريا سيقود الى تحطم هذه البوابة، وانكشاف لبنان على رياح الفوضى، متسائلا عما إذا كان هذا السيناريو يخدم المجتمع الدولي.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى