صفحات سوريةفايز ساره

ضرورة عاجلة في سوريا!


فايز سارة

لا يختلف كثيرون على أن ما يجري في سوريا من أعمال قتل وترويع هو أمر استثنائي، بل إنه كان من الصعب تصوره. ليس فقط من حيث حجم عمليات القتل التي جرت على مدار عام مضى، بل من حيث نوعية أعمال القتل ووحشيتها، والتي يبدو بعضها أفظع، مما يمكن تصوره. ففي المعطيات الرقمية المدققة، هناك أكثر من عشرة آلاف شخص، قتلوا في أنحاء مختلفة، والأقلية من هؤلاء عسكريون، والأغلبية من المدنيين. والنسبة الكبيرة من الاخيرين سقطوا أثناء التظاهرات وعمليات الاحتجاج التي شهدتها مدن وقرى كثيرة، وعلى الرغم أن اغلب هؤلاء من الرجال ولاسيما الشباب، فان قسما منهم كانوا من الأطفال والنساء. أما تقديرات محصلة القتل في سوريا، فإنها تذهب إلى ما هو أبعد من عشرة آلاف ممن قتلوا، حيث يتضاعف الرقم، وقد يزيد عن ذلك، بسبب غياب الارقام الرسمية وصعوبات الاحصاء والتوثيق، التي يتم التعامل معها رسميا باعتبارها جريمة، او بسبب وجود كثير من المفقودين، أو نتيجة عدم معرفة مصير كثير ممن جرى اعتقالهم، ولم يتم إطلاق سراحهم، ولا استطاع أهلهم معرفة مصيرهم، مما يجعلهم كما غيرهم من المختفين والمفقودين في عداد الموتى.

وتبين أرقام وتقديرات القتلى حجماً هائلاً من الخسائر البشرية، قد أصاب بلداً صغيراً مثل سوريا، لا يزيد سكانه عن ثلاث وعشرين مليوناً. وهذه الأرقام والتقديرات مرشحة للزيادة، إذا شهدت البلاد انفجارات اكبر في مسار العنف الراهن، وهي مرشحة لذلك أكثر من أي وقت مضى، والأسباب في ذلك عديدة ومعقدة.

أول الأسباب وأهمها، أنه بعد مرور عام على بدء الحراك، ما زالت قاعدة الأحداث ثابتة، لم تتغير في الموقفين الشعبي والرسمي. حيث الاحتجاجات والتظاهرات تتواصل من قبل السوريين مع المطالبة برحيل النظام، فيما تستمر مجريات الحل الأمني – العسكري لاخضاع المحتجين من جانب السلطات. وقد طورت الأخيرة موقفها في بعض المناطق إلى حل حربي، يتضمن استخدام القوات العسكرية وأسلحتها على نطاق واسع، كما حدث في بابا عمرو بحمص، ويحدث حالياً في ادلب، الأمر الذي يعني، أن ذهاب السلطات السورية نحو حل سياسي، يعالج الأزمة، هو أمر غير مطروح أو مؤجل في المدى المنظور.

وثاني الأسباب، أن أعداد القتلى، تزايدت لدرجة يمكن معها القول، أنه من الصعب تصور بيت سوري واحد، لم تطله آثار القتل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويترافق مع تزايد القتل، بشاعة غير محدودة في تفاصيله وفي الصور التي تنقل عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات، ومنها عمليات القتل الناتجة عن التعذيب والتنكيل بالمعتقلين، وقد اصابت أطفالاً ونساء، كن في عداد من تم قتلهم.

وثالث الأسباب، أن نهجاً رسمياً دفع عناصر مدنية من الشبيحة في سياق أعمال العنف رغبة في كسب مساعدتهم لوقف التظاهرات و إخماد الاحتجاجات، ولم تكن علة هؤلاء، أن قسماً كبيراً منهم من ذوي الأسبقيات الجنائية، بل أن كثيراً منهم بدا مستعداً لتقديم براهين امتنانه لمن جندوه، وقد أعطوه «قيمة» و«نفوذا» و«مالاً»، فأوغل عميقاً في العدوان على الآخرين من المدنيين، وكان ذلك بين أسباب دفعت إلى نمو أحاسيس الرغبة بالانتقام في أوساط مدنية، والميل الى الانشقاق في الاجهزة الامنية والعسكرية، واتجه بعض هؤلاء نحو التسليح والعسكرة، وبالتالي تطورت الأمور إلى مزيد من عمليات القتل المقابل.

و إذا كانت الأسباب السابقة باعتبارها أسباباً داخلية، زادت عمليات القتل والاقتتال، فان ظهور المجتمع الدولي عاجزاً عن معالجة الأزمة في سوريا، لعب هو الآخر دوره السلبي كسبب في استمرار القتل وزيادته، وبصورة إجمالية، فان هذه الأسباب، تهيئ الوضع في البلاد لانفجار واسع في اقتتال قد تتعدد أشكاله، فيصير في بعض جوانبه قتالاً من السكان ضد الأجهزة الأمنية والعسكرية، وقد يصير قتالاً بين بعض مكونات المجتمع السوري، وهو أمر يمكن أن يتطور لاحقاً إلى حرب يدخل فيها الجميع. ولا يحتاج الوضع السابق إلى تأكيدات على خطورته، ولا على تهديده للكيان السياسي السوري ووحدة سكانه، فهذه من البديهيات، التي لا تحتاج إلى براهين، لكن الأخطر منها، أن انفجار الوضع السوري، سيكلف البلاد وسكانها جميعاً فاتورة بشرية ومادية كبيرة، وغالباً فان ذلك يمكن أن يمتد سنوات طويلة من النزاعات الدموية، لن يكون احد من السوريين بمنأى عما تخلفه من نتائج، بما في ذلك لحمة النظام، بل إن تلك النتائج سوف تترك ظلالها على المحيط الإقليمي والأبعد إلى المحيط الدولي الذي لاشك انه سوف يتأثر بشدة إذا انفجر الوضع السوري، وبهذا المعني فان الجميع خاسرون من ذلك.

و إزاء احتمالات الانفجار السوري، فإن ثمة حاجة ملحة لتجنب انفجار العنف والسعي السريع الى وقفه من القوى الداخلية والخارجية على السواء، وربما ذلك يفسر الحراك الإقليمي والدولي الذي يتوالى حالياً حول سوريا وأزمتها، وفي سياقه المبادرة الصينية ولقاء وزير الخارجية الروسي مع الوزراء العرب في القاهرة، وزيارة كوفي عنان، ومؤتمر استانبول القريب ومؤتمر طهران الذي يعقد في غضون أيام قليلة. غير أن نتائج الحراك الإقليمي والدولي ستظل مرهونة بالاستجابة التي يبديها النظام السوري، لأنه ما لم يقرر وقف الحل العسكري ـ الأمني والانخراط في حل سياسي، فان العالم كله، لن يتوصل إلى وقف العنف والقتل والتوجه إلى معالجة سياسية.

كاتب وصحافي في دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى