صفحات المستقبل

طائفتي مش سوري !

 


إحدى العبارات التي أثارت تحفظي الشديد في المدّة الأخيرة “ أنا طائفتي سوري “ و على الرغم من أنني أعي تماما ً أنها مجرّد رمز للوحدة و التلاحم الوطنيّ و التي ترفعه ُ إلى درجة ٍ أعلى و أهم من أيّ طائفة ٍ إخرى و بذا لا يرى كلّ شخص ٍ طائفته ُ بل يرى أنّه ُ سوريّ فوق أيّ إعتبار ، و هذا رائع و أعشقه ُ وأفتخر به و أتفق ُ معه ُ تماما ً و لكن اذا عدنا من الحالة المثاليّة و اتجهنا إلى مركز النفوس و السجلات الرسمية لنبحث عن طائفة كلّ منّا فلن تتطابق الطوائف أو الأديان و لكن سنشترك ُ جميعا ً بكوننا سوريين ( الهويّة و الإنتماء ). و بذا فإنّ طوائف أربعه أشخاص قد نختارهم عشوائيّا ً من الذين رفعوا شعار “ أنا طائفتي سوري “ قد لا تتطابق و لكن الهوية ستفعل و هذا بديهيّ ! إذا ً ما الفائدة من رفع شعار “ أنا طائفتي سوري “ طالما أنّ الإنتماء سوريّ و الهويّة سورية ؟

بمعنى آخر  ما الضرر بأن تختلف طائفتك عن طائفتي عن طائفته أو طائفتها و أن أتقبّلك كما أنت دون أن يكون كلانا من نفس الطائفة ؟

و اذا كان هذا فعلا ً موجود و يحصل و طبيعيّ فلم َ نأت ِعلى  ذكر الطائفيّة في الحديث السوريّ ؟

لا أحد يتحدّث في البديهيات عادة ً فهي بديهيّات و أمور ٌ لا يتمّ ذكرها و التباهي ، أو التفكير ، بها فلا نسمع عادة ً  أحدهم يتفاخر بأنه يسمع أو  آخر يرفع شعار “أنا أرى” ، إلّا إذا كان َ قد عانى سابقا ً من فقدان هذه الحاسة أو تلك . هذه مسلّمات و بديهيات طبيعيّة نتعايش معها جميعا ً. فالخوف ، الكبير جدّا ً ، من الطائفيّة هو تماما ً ما يجعل ُ منها حاضرة ً بقوّة ٍ في هذه المرحلة في سوريا.

دعونا نعترف أنّ الشارع السوري يحتوي على عدد ٍ متنوّع من الأديان و الطوائف و نعترف أيضا ً بأنّ هناك الكثير من الناس التي ، سواء إعترفت أم لم تعترف ، تسكن ُ ضمن َ قوقعة ِ طائفيتها فيظهر ُ هذا بشكل ٍ عفويّ و غير مقصود عندما تقول إحداهنّ ، صديقتي المسيحية قالت و فعلت و كذا أو صديقي المسلم ، أو جارنا العلوي أو جارتنا السنيّة  أو أو أو ، أو عندما يتمّ ، بطريقة ٍ محببة ، تعميم ما يقوله ُ أحد ٌ ينتمي إلى طائفة ٍ ما و كأنّ الطائفة كلّها قد إجتمعت و وافقت على ما يقوله ُ أو يفعله ُ.

بالإضافة إلى التقسيم الجغرافيّ للمدن بناء ً على خلفيات ٍ دينيّة  أو طائفيّة لأنّ كلّ طائفة ٍ او دين ( الأقليات بشكل ٍ خاص ) تفضّل أن تكون محاطة بمن يشبهها فهذا يشعرها بالأمان  ( و هذا طبيعيّ ).

لذا يمكننا القول : نعم هناك طائفيّة و لكنها لم تكن يوما ً مؤذية ً بالمعنى الحقيقيّ ، فلم تهدد طائفة وجود طائفة أخرى أو حريتها الدينيّة و الفكريّة مما يسبب ُ حروبا ً طائفيّة ً – كالتي حصلت في لبنان في الثمانينيات و التي تشكل ُ المثال الذي لا يريد ُ أيّ سوريّ يرفض العنف و يبحث عن الأمان و الإستقرار الوصول إليه – ، لذا كان الحل بربط الطائفة بالهويّة كي يتذكر كلّ سوريّ أنه ُ سوريّ أولا ً و أنّ هذا الإنتماء يجب أن يكون أقوى لأنه هو ما يجمعنا كسوريين، و هذا رائع و لكن المشكلة هنا هي برفع شعارات تندد بالطائفيّة  تحت َ الشمس و التخوّف الكبير جدّا ً من الطائفيّة في الظل و كأنه ُ يتمّ محاربة الطائفيّة بالطائفيّة نفسها و لا أعتقد أن  هذا ما يحتاجه ُ الوضع في هذه المرحلة.

كمثال ٍ على ذلك أذكر  أنه ُ و في بداية توتر الأوضاع في حمص في أواخر آذار/ أوائل نيسان الماضي قام َ أحدهم بدعوة الجميع في صفحة على الفيس بوك بأن يقوموا بزيارة أناس ٍ يختلفون عنهم في الطائفة و شرب فنجان قهوة في بيوتهم كي تقول كلّ طائفة ٍ للأخرى أنهم أهل و أحباب و على ما أذكر فقد كان هذا جزء من العنوان الذي لا أذكره ُ كاملا ً . بشكل ٍ شخصيّ أجد ُ في هذا الفعل نفسه طائفيّة ً (على الرغم من أنني على ثقة ٍ بأنّ صاحب َ الدعوة أنشأها بدافع ٍ وديّ ) ، فالبحث ُ عن شخص ٍ من طائفة ٍ مختلفة هو فعل ٌ طائفيّ أصلا ً !

فمحاربة الطائفيّة لا تكون بتسليط أضواء المحبّة على الطوائف الأخرى.

أخيرا ً أذكر ُ مقطعا ً ( كنت ُ قد ذكرته ُ في تدوينة سابقة ) من رواية  للكاتب الأميركي ريتشارد رايت يتحدّث فيها عن مرحلة معاناة أصحاب البشرة السوداء في الولايات المتحدة الأميركية ؛المرحلة التي كان يعاني منها السود مشاكل اجتماعيّة عديدة ، يذكر في روايته أحداها.  في أحد المقاطع يروي البطل ( الأسود) موقفا ً حصل َ معه أثناء عمله كسائق عند عائلة بيضاء ثريّة عندما قامت ابنة “السيّد” الذي يعمل لديه و زميلها ، الذي يعمل ناشطا ً في حقوق المدافعة عن ذوي البشرة السوداء ، بمحاولة التقرّب منه ُ و إزالة الحاجز العرقي بينهما بأن طلبت  إليه أن يأخذها و صديقها  إلى أحد الملاهي الليليّة التي يرتادها السود كمحاولة ً منهم أن يجعلوه ُ يشعر أنـّهم قريبين منه إلى حد ٍ كبير لكنّ  الذي رواه البطل عن شعوره ِ حول ذلك لم يكن ْ بتلك َ الإنسانيّة . لا أذكر الوصف المفصّل لكنني أذكر أن وصفه لمشاعره كان يغلب عليه الشعور بالخجل و بأنـّه و عائلته و عرقه كالحيوانات التي يذهب ُ الناس إلى حدائق خاصـّة و يدفعون النقود كي يتعرّفوا إلى طريقة عيشيها !

هذا مبالغ ٌ به مقارنة ً بالوضع الطائفيّ في سوريا لإختلاف الوقائع التاريخيّة المرتبطه بكلّ مثال و لكن ما أودّ قوله ،  إنّ زيادة التودد إلى طائفة ٍ ما، هو الوجه الآخر لمهاجمتها و هو في النتيجة فعل ٌ طائفي ّ ، و محاولة الإبتعاد عن ذكر الطائفيّة هو كذلك فعل ٌ طائفيّ مصطنع ، لذا أنا أفضّل على كلّ ما ذكر سابقا ً الإعتراف بوجود طوائف متعددة في سوريا و الإعتراف بوجود حيّز لا بأس به من الطائفيّة التي سيحاول ُ البعض أن يستغلّها و التي سنحاول  نحن ُ كسوريين ، بطوائفنا المتعددة ،جاهدين أن نكون  لهم بالمرصاد بأن نتقبل الطوائف الأخرى بإختلافها و الإعتراف بحقها بالاختلاف كما في الوجود.

 

http://www.freesham.com/

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى