صفحات العالم

طالب الحرية يعرف الثمن الذي ينبغي دفعه


دمشق ـ غازي دحمان

في سوريا، هذا البلد الاشتراكي السابق، والمتحول إلى اقتصاد السوق خفية، صار كل شيء فيه برسم البيع، بما في ذلك تمتع الإنسان بقيم العصر، والتي تأتي في مقدمتها، الحرية والديموقراطية والحداثة والمدنية، باعتبارها أنماط رفاهية تستلزم رسوماً مقابلة، مثل كل السلع الاستهلاكية التي يحصل عليها الفرد. من يحتكر هذه القيم (السلع)، هي الجهة التي احتكرت كل موارد البلاد وقامت بتوزيعها بتمييز صارخ على المجتمع .

الحرية هي آخر السلع التي دخلت الفضاء السوري. بالطبع هي سلعة تم تصنيعها خفية وبطريقة منزلية، وجرى تهريب بعض قطع غيارها بعيداً عن المنافذ الجمركية، كما جرى تعميم تصميماتها في الفضاء الذي لا قدرة للنظام على التحكم به، وهكذا ليجد النظام نفسه فجأة أمام حالة إغراق لبضائعه البائسة، التي لم تكن تملك أي قيمة إضافية، تؤهلها للصمود في مواجهة قيم الحرية والعدالة والحداثة.

وواضح أن النظام يسعى جاهداً إلى التحكم بهذه (السلعة) المندرجة حديثاً في الواقع السوري، سواء عبر إخراج تصميم مقلد لها تنتجه السلطة ويؤدي إلى إخراج النمط الأصيل من حيز التداول، أو عبر رفع أثمان هذه السلعة بحيث يصبح لا قبل للغالبية على الإنخراط في رفاهية التمتع بها.

وتطبيقاً لذلك، تطرح السلطات السورية في سوق القيم حزمة من الإجراءات، تحت مسمى الإصلاح، قوانين للأحزاب وللانتخابات والإعلام…، وهي ليست سوى منتجات ممسوخة ومشوهة ولا تكاد تشبه المنتج الأصيل بشيء وليس لها ذات الفعالية والجدوى، المهم فيها ضمانها عدم إفساد ذوق المواطن السوري وتعويده على نكهات مختلفة غير النكهة الواحدة التي اعتاد عليها دائماً، أو إنزياح هذا المواطن إلى أنماط حياة متطلبة ومنفتحة ترهق النظام وتبعده عن الانشغال بقضايا الممانعة والصمود والتحدي وسواها من القضايا الميتافيزيقية المقدسة إلى القضايا ذات الطبيعة المدنسة والتي تتمثل هنا بالحرية والرفاهية.

أما من يتأنف عن هذا النمط المتاح والمحدود، فثمة أثمان وتكاليف يتطلب عليه دفعها، وذلك حسب شدة رفضه، ونوعية النمط البديل الذي يطرحه، ولكل شيء سعر في قائمة البدائل، التظاهر له ثمنه، والاعتصام والعصيان أيضاً، وحتى التعليقات الفايسبوكية لها ثمنها، أما الأسعار فهي تمتد من القتل إلى الإخفاء القسري إلى التشوه والحبس، هذا مع العلم أن النظام يعلن أن مدة العرض للقبول بمنتجه محدودة إذ لم يتم حتى اللحظة اللجوء إلى القوة لإقناع المتأنفين.

والحال فإن لمن يريد الحرية في الفضاء السوري عليه أن يجهز تابوتأ ثمناً لها، هكذا ثمنتها لجان التسعير في البلد الاشتراكي السابق، كما أن ليس من حقه تحديد مواصفات الموت الذي يريده طالب الحرية. لكن الغريب أن هذه السلعة ورغم أثمانها غير العادلة تتمتع بإقبال كبير في سوريا لدرجة أنه حتى الأطفال يرغبون باقتنائها، فهل تستطيع السلطة تجهيز كل ذلك الكم من التوابيت!

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى