صفحات العالم

طبخة» التسوية السورية قد لا تكون لذيذة المذاق

 

 إياد أبو شقرا

عندما طرح أحمد معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطني السوري، مبادرته السلمية المثيرة للجدل – في حينه – التي شملت الحوار مع ممثلي نظام الرئيس بشار الأسد، فإنه «غلّف» صدمة جاهزية المعارضة للتحاور مع نظام قتل من شعبه عشرات الألوف بشرطين مُسبقَين: الأول أن تكون نهاية النظام منطلق أي حوار، والثاني أن يُجرى الحوار مع ممثلين للسلطة الحاكمة «لم تتلطخ أيديهم بالدم».

من الناحية المنطقية بدا الشرطان أشبه ما يكون بحفظ خط الرجعة ليس إلا. فمن ناحية، سيكون من السذاجة انتظار نظام يقاتل بالدموية التي رأينا على امتداد سنتين وقد وافق، هكذا فجأة، على «انتحار» رسمي وبطريقة سلمية. ومن ناحية ثانية، فإن القاصي والداني يعرفان جيدا طبيعة السلطة المطبقة على سوريا منذ خريف 1970، وبناء عليه، فأولئك «الذين لم تتلطّخ أيديهم بالدم» أصلا أشخاص لا يربطون ولا يحلّون، أما الذين يمكن أن يتكلموا حقا باسم النظام فهم متورطون بالدم بطريقة أو بأخرى.

خلال ساعات من إعلان مبادرة الخطيب، تطايرت ردات الفعل من هنا وهناك. بعضهم هاجمها، والبعض الآخر تحفظ عن ذلك مفضلا استجلاء الموقف. وهناك من رأى فيها «بالون اختبار» متعمدا، وبعكسهم، اعتبر عدد من المراقبين أن قلة خبرة الخطيب في دهاليز السياسة دفعته إلى ما دفعته إليه. وحقا ما أن جاء سلبيا أول رد على المبادرة من صحيفة سورية «شبه رسمية»، سارع مَن لام قلة الخبرة إلى اعتبار أن المبادرة انتهت ودُفنت. غير أن الخطيب عاد وتجاوز مرور المهلة التي أعطاها، وتخلّى عن شروط أساسية كان اشترطها هو على النظام، كالإفراج عن السجينات وإجراء المفاوضات خارج الأراضي السورية، ومجددا وجد «مخرجا» معنويا للتخلي.

عند هذه النقطة، أي عند إطلاق مبادرة ثانية معدّلة أقل راديكالية وحزما، بدا واضحا أن وراء الأكمة ما وراءها. واتضح أن في الأمر حقا «بالون اختبار»، وهذا البالون.. ليس الخطيب بالضرورة هو الذي أطلقه.

وبعدها.. خلال الأسبوع الماضي، تسرّبت تقارير عن طبخة تسوية تتضمن إعادة بنية الدولة السورية، بما في ذلك إنشاء مجلس شيوخ، نُفيت شكليا من دون تناول جوهرها. وجاء خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن «حالة الاتحاد» لافتا فيما ذهب إليه في الشأن السوري، ثم زكّى توجه واشنطن – الذي أضحى مكشوفا الآن – كلام وزير الخارجية الجديد جون كيري. فالرئيس أوباما، الذي رفض أخيرا توصيات من أركان في إدارته بدعم المعارضة السورية بالسلاح، أكد أنه ليس في وارد المواجهة، بل لقد برر خياره بالقول بما معناه إن تزويد المعارضة بالسلاح يهدّد إسرائيل.

في هذه الأثناء، وردت تقارير من واشنطن مفادها أن الوزير كيري يؤمن بأن موسكو هي مفتاح الحل في سوريا، وأنه يراهن على نجاح موسكو بإقناع الرئيس السوري بالتنحي لضمان بقاء بنية الدولة – أو ما تبقى منها – بما في ذلك جماعات من المحسوبين عليه. وهذا يعني التفاهم على المحافظة على مصالح روسيا في سوريا بعد إزالة عنصر «شخصنة» النظام، ومسألة تمذهبه.

ثم، بالتوازي مع الانفتاح الأميركي على دور روسي في التسوية، تزايدت في العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، التقارير عن «الدور البارز» الذي تلعبه الجماعات المقاتلة التكفيرية والجهادية في الثورة السورية، ما يشكل مبررا مقنعا للإحجام عن تزويد «الجيش السوري الحر» ومن خلفه فصائل المعارضة المعتدلة بالسلاح.

أمام كل هذا، أين نحن الآن؟

من الصعب جدا تصور التوصل إلى صفقة أميركية – روسية حول سوريا بمعزل عن إيران وإسرائيل. والاستنتاج المنطقي يقول إن عواصم القرار الدولي الكبرى، بما فيها نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة ومطبخ سياساتها ومبادراتها التوسطية، تدرك تماما أن اللعبة تجاوزت الآن شخص بشار الأسد، وتجاوزت نظام حكمه، وفق التعريف الضيق لكلمة نظام.

أكثر من هذا، بعد سنوات من التفاوض العبثي، ما عاد أحد لديه الحد الأدنى من الفطنة يشك لحظة واحدة في أن لا مانع أبدا للمجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، من التعايش مع إيران نووية.

نحن الآن، حقا، بصدد تحديد حدود مناطق النفوذ والتبعية بين إيران وإسرائيل في الشرق الأدنى. وهذا على الرغم من أنه بجانب الرسائل السياسية التي تتجسّد بين الحين والآخر في تصريحات ومبادرات ولقاءات، توجّه رسائل أخرى أكثر عنفا، على غرار القصف الإسرائيلي لما قيل إنه قافلة أسلحة مرسلة إلى «حزب الله»، أو قتل الجنرال حسن شاطري مسؤول «الحرس الثوري الإيراني» البارز في لبنان داخل الأراضي السورية.

وبناء عليه، فالصورة العامة، ما لم يثبت عكس ذلك، توحي بأن سوريا بوجود الأسد أو من دون الأسد ستبقى مع لبنان «محمية إيرانية» بموافقة إسرائيلية – أميركية – روسية. وهذا مع العلم أن اللاعب الرئيس – بل الحاكم الفعلي – في سوريا، واستطرادا، في لبنان، لم يعد الأسد منذ وقت غير قصير.

لعبة المبادرات السياسية، التي هي من إنتاج مطابخ التفاوض الدولي، غدت مع الأسف في ظل السقف المفروض على تسليح المعارضة السورية أكبر بكثير من مطامح الشعب السوري. لكن الوقت حان ربما لكي يدرك السوريون اليوم ما سبق أن أدركه بعض العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين من قبلهم؛ أنهم لاعبون صغار في ملعب كبير.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى