صفحات الناس

طبيب في زمن الحرب/ جان – لوي لو توزيه

 

 

صار نواف شريف، طبيب طوارئ، منذ أطبقت «الدولة الإسلامية» على 300 محلة في جوار كوباني، وهي من الكانتونات الكردية الثلاثة في سورية، في آب (أغسطس) المنصرم. وكان قبل أن تحط الحرب رحالها في كوباني طبيب أمراض الجهاز الهضمي. وهو ابن السابعة والثلاثين، ينتمي إلى فريق مؤلف من 12 طبيباً في كوباني يتناوبون على طبابة الجرحى. فينصرف 6 من أعضاء الفريق في مراكز كوباني الطبية المرتجلة إلى مداواة الجرحى، ويقصد 6 منهم سوروك التركية طوال 96 ساعة للراحة. و»تقسيم العمل على هذا المنوال يرمي إلى تفادي مقتل أفراد الفريق بأكمله إذا أصابت المركز قنبلة»، يقول شاهين.

لا يندم على ما فعل لكنه لا ينساه أبداً، خصوصاً حين يجري عملية: «بعد ظهر ذلك اليوم، منتصف آب، في المستشفى، وصل جريح. هو من مقاتلي «داعش» وأصيب برصاصتين، في الأحشاء وفي كبده قرب شريان الباطن الأسفل. كان ينزف كثيراً. وفئة دمه باء إيجابي. ولم يكن من مانح سواي. ووجب أن نعثر على مانح آخر من دون إبلاغه هوية المتلقي»، يتوقف الطبيب عن الكلام ويضغط على سيجارة الجيتان البيضاء في يده. يواصل روايته ويقول: «أجريت العملية.

وبعد ثلاثة أيام، زرت المريض. وكنت أتجنب ذلك. ففي صميمي، كنت ألوم نفسي على منحه دمي، وهو لم يفهم دواعي زيارتي. فحرَّك عينيه وقال: ظننتُ أنك كلب كافر». وأمضى المقاتل الجهادي أسبوعاً في العناية ثم استجوبته قوات أمن تابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي. ولكن قبل أن يرمى في زنزانة قال: «أخطأت في كل شيء. خُدِعتُ». يمرر شاهين يديه على وجهه كأنه يمسحه ويواصل الكلام: «أنقذت هذا الرجل لكنني لن أعرف أبداً ما إذا كان صادقاً في كلامه… ألقيت بثقل معرفتي الطبية في مساعدة جرحى الحرب، ولم أخل بالقسم الطبي. وحين نقلت إليه دمي منحته فرصة في الحياة وأنقذته. فهذا عملي كطبيب. ولكن من الغريب إنقاذ رجل يمضي حياته في القتل وذبح أمثالي». تتناسل السجائر بين أصابعه، ويقول وكأنه يخاطب نفسه: «وجب أن أجري له العملية، لكنني لا أفلح في منع نفسي من التفكير في أمر واحد: كان ينبغي أن أقتله بعد إنقاذه». لا تغيب عن بال شاهين أستاذة الطب الأوكرانية التي نفخت فيه حماسة الطب أثناء دراسته في أوكرانيا. يسأل نفسه ماذا كانت لتفعل الدكتورة يولا في مكانه؟ يجيب: «كانت لتقول: يجب إنقاذ الجريح مهما اقترف».

* عن «ليبيراسيون» الفرنسية، 12/11/2014، إعداد منال نحاس

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى