حسين جموصفحات سورية

طلاء بونتي الأبيض على «الخط الأحمر» يعيد واشنطن إلى «جنيف»

إغراق سوريا في التصورات وليس بالحلول

    تقرير – حسين جمو

هل يترجم هذا الوئام إلى تقارب سياسي في حلحلة عُقد الأزمة السورية؟ إي.بي.إيه

سكبت عضو لجنة التحقيق الدولية في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا كارلا ديل بونتي طلاء أبيض على «الخط الأحمر» الذي حدده الرئيس الأميركي باراك أوباما بخصوص سوريا، بعدما أعلن، في تصريح مفاجئ، أن الشهادات التي جمعتها اللجنة أكدت أنّ المقاتلين استخدموا أسلحة كيماوية مستعينين بغاز السارين. بهذا المعنى، فإن من استخدم «الكيماوي» هم المقاتلون في المعارضة وليس النظام على حد قولها الذي استدركته بأن إثبات ذلك بحاجة إلى مزيد من التحقيقات.

لم يخفف البيان التوضيحي الذي أصدرته اللجنة بأنها «لم تتوصل إلى نتائج قاطعة» باستخدامها «من قبل أي طرف» من وطأة التحول الذي أحدثته تصريحات ديل بونتي في المسار المتوقع للتحقيقات.

أسئلة وفرضيات

لم يسبق للمدعية العامة السويسرية ديل بونتي أن تراجعت عن أقوالها في مسيرتها المهنية، خصوصا عندما كانت مدعية محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وحتى البيان التوضيحي للجنة الخاصة بسوريا لم تنف صحة كلام بونتي، وإنما اعتبرت أنها (اللجنة) «ليست في وضع يمكنها في الوقت الراهن من مواصلة التعليق على هذه الادعاءات»، الأمر الذي يستبعد أن تكون بونتي ضحية خدعة استخباراتية بحكم خبرتها الطويلة في تفادي الأفخاخ المصممة في طريقها، لكن هناك الكثير من الشكوك حول آلية الوصول إلى النتائج الأولية التي أعلنتها، فالتحقيق أُجري خارج سوريا.

وفي حال كان هؤلاء الضحايا المفترضين هم من المعارضين للنظام، فهم لن يعترفوا أن مقاتلين من الجيش الحر استخدموا الكيماوي ضدهم حتى لو كان الأمر على ذاك الشكل، وبالتالي هناك فرضية أن يكون النظام تمكّن من إيصال أشخاص تعرضوا لغاز السارين إلى لجنة التحقيق.

والفرضية الأخرى أن يكون المقاتلون الذين هاجموا ثكنة خان العسل وقعوا ضحية خداع دقيقة عن طريق تسليمهم أسلحة مزودة بالغاز عبر وسطاء خارجيين، وكثير منهم موالون للنظام مثل تجار السلاح التابعين لحزب الله في لبنان، وهذا أمر سهل نظراً لعدم وجود رقابة فنية على الأسلحة التي تصل إلى أيدي المقاتلين السوريين.

ويصبح الاحتمال الأخير هو الأقرب قياساً إلى الإصرار الكبير للنظام السوري على أن تنحصر مهمة اللجنة في التحقيق بحادثة خان العسل فقط، وهو بالتأكيد لن يصرّ على شرط يكون فيه احتمال نادر أن تتم إدانته.. وإلا كان حرياً به رفضها بالجملة.

تكامل روسي أميركي

في سياق ردود الفعل الدولية، يمكن رصد موقفين لافتين بعد ساعات من تصريحات بونتي: الأول هو الموقف الروسي الذي عبر عنه سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، نيكولاي باتروشيف، وجاء فيه: «هل في مصلحة القيادة السورية استخدام الأسلحة الكيميائية في الوضع الذي توجد فيه؟.. إنّ هذا هو الطريق الى الانتحار». لكن المفاجئ كان ميله إلى تبرئة ساحة المعارضة وعدم الأخذ باتهامات بونتي بقوله إنه لا يملك «معلومات تبرر اتهام المعارضة».

الموقف الآخر من حيث الأهمية هو الموقف الأميركي الذي عبر عنه الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني الذي عبر عن شكوك واشنطن من صحة اتهام المعارضة، مؤكداً أنه «من المرجح جدا أن تكون قوات الأسد هي التي استخدمتها».

إذن، لدينا الموقف الروسي الذي يريد إغلاق قضية «الكيماوي» وإسقاطها من حسابات القوى الدولية في الملف السوري، وقدمت في سبيل ذلك مبادرة حسن نية عبر تقزيم التصريحات الخطيرة لكارلا بونتي والتخفيف من صحة اتهام المعارضة.

في الجانب الآخر، هناك الموقف الأميركي الذي انشغل عبر أكثر من تصريح بمحاولة الإيهام أنها تدفع ببراءة المعارضة من استخدام الكيماوي، وكذلك عدم تشددها في الجزم بأن النظام هو المسؤول. وكان اوباما مهّد لحالة التعادل والتوازن في الاتهامات لطرفي النزاع السوري عندما قال في نهاية أبريل الماضي إن هناك «دليلا على استخدام أسلحة كيماوية داخل سوريا، لكن لا نعرف كيف استخدمت ومن استخدمها».

إسكات الداعمين

هذه اللوحة من ألعاب التصريحات والمواقف تطرح سؤالاً حول مصير «الخط الأحمر» الكيماوي. مما لا شك فيه أن روسيا تساعد الولايات المتحدة في تحريرها من «الخط الأحمر». وباتهام بونتي الأخير، فإن فرنسا وبريطانيا أصبحتا محشورتين في الزاوية بعد جهود مضنية من الضغط على واشنطن والسعي وراء إثبات استخدام النظام للكيماوي.

وباعتبار أن التحقيقات ستأخذ وقتاً ولن يصدر التقرير النهائي إلا في شهر مارس 2014، فإنّ الاتهام الذي وثقته اللجنة، يفيد في إسكات الداعمين المباشرين للمعارضة السورية في الدفع إلى تحريك هذا الملف. ويرجح أن تفاهماً معقداً بهذا المستوى بين واشنطن وروسيا مرفق بضمانات أن لا يستخدم النظام «الكيماوي» ضد المعارضة على نطاق واسع، وأن ينحصر استخدامها في حدود يمكن لها أن تضيع في تبادل الاتهامات بين طرفي النزاع، وبالتالي إزاحة هذا الملف عن كاهل أوباما.

لكن ما المقابل الذي سيدفعه الأميركيون لروسيا لقاء إسقاط «الكيماوي» من الحسابات؟. لا شيء سوى عودة الأميركيين إلى اتفاقية جنيف وفق الرؤية الروسية، بتشكيل حكومة انتقالية مؤلفة من شخصيات ضمن نظام الأسد والمعارضة من دون إزاحة بشار الأسد بشكل نهائي.. حكومة على شاكلة تركيبات الحكومات اللبنانية يجتمع فيها المتحاربون.

تقاعد واشنطن

بعد دخول إسرائيل بشكل مباشر على خط الصراع وشنها غارات جوية على مواقع عسكرية تابعة للنظام، فإنه من غير الواضح كيف يمكن أن تكسب واشنطن نقطة قوة أمام موسكو من خلالها، فصحيح أن القدرة التدميرية لإسرائيل ضد النظام أقوى بكثير من القدرات الإيرانية المزعومة ضد إسرائيل في المنطقة، لكن إسرائيل حليفة وثيقة لروسيا. قد تكون شهية تل أبيب تجاه سوريا ناتجة عن رفاهية «الفراغ» وعرض للقوة و«بروفة» تمهد لضرب إيران بعد اقتناعها بـ«تقاعد واشنطن» عن القيام بـ«المهام الامبراطورية».

سوريا أمام معادلة دولية مفروضة: حل سياسي على أساس مبادرة جنيف، وهو ما يتطلب تأهيل وجوه جديدة من المعارضة قد تكون «معارضة ائتلافية» بين هيئة التنسيق وحلفائه، والقوى المنضوية في الائتلاف الوطني، وبدء تفعيل «صحوات» مهمتها القتال ضد الإسلاميين.

يبقى القول إن التوافق الروسي الأميركي جزء من لعبة إغراق سوريا بالتصورات وليس الحلول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى