أيمن الشوفيصفحات الناس

طلاب الثورة: حراك الجامعات و”دروس” العام الثالث/ أيمن الشوفي

الموت الذي يتناسل من هراوات عناصر الأمن، ومن شهيّة “الشبيحة” لم يعد ينغّص على الحواس الحيّة أو ينتقص من آدميتها. هناك، حيث كانت تصطف الرغبات مقابل بعضها البعض، الطلبة الجامعيون الخارجين من معتقل الصمت الطويل يلاقون خوفهم في صورة جلادهم وجهاً لوجه.

في العامين الأولين على الثورة، لم يزد حراك الطلاب الجامعيين شيئاً على مقولات الشارع المنتفض الراغب في الانعتاق من حرمة القهر ومن عهده، ولم يبتكر النظام حواراً معهم، بل عاقبهم كما عاقب كل السوريين الثائرين عليه: فصلهم، اعتقلهم، خوّنهم، قتلهم، وخوّفهم… حتى يتوبوا عن معصية التفكير بغيره.

العام الثالث على الثورة حمل تقشّفاً على مستوى الحراك الطلابي، تلازم مع تخمة المجتمع الدولي في الفرجة على عورة الموت داخل سوريا، وكأنه يتفرّج على عورته أمام مرآةٍ، ولا يرغب في سترها على الإطلاق.

قبل الثورة بعام

مطلع العام الدراسي الحالي عادت المناشير للظهور في كلية الهندسة في جامعة دمشق. لكنها لم تُستتبع بأيّ خطواتٍ لاحقة، وكأن مواصلة الحراك بات شاقاً على الجميع. إذ أن الخذلان الدولي تمّكن من لجم رغبة السوريين في تحقيق نظامٍ ديموقراطي، أو تأجيلها على الأقل. لا يتوانى زياد ح. وهو طالب في كلية الهندسة الزراعية في جامعة حلب من قبول هذه الصورة. لكنه يضيف عليها: “لقد حازت جامعة حلب على لقب جامعة الثورة، حيث أنها بدأت الحراك الثوري قبل الثورة بنحو عام، ففي 17 شباط 2010 جرى اعتقال 30 طالبا جامعيا بسبب توزيع مناشير، وفي يوم الأربعاء 13 نيسان 2011 تظاهر العشرات من الطلاب في كلية الآداب في جامعة حلب، مرددين شعارات الحرية، كأول تحرك من نوعه تشهده المدينة منذ بدء الثورة. ثم انتقلت العدوى الثورية إلى جامعة دمشق، حيث تجمع عشرات الطلاب أمام كليتي الشريعة والحقوق مطالبين بالحرية أيضاً.

أكبر تظاهرة

في الثاني من تشرين الثاني عام 2011 استطاعت مجموعة من طلاب جامعة دمشق تنظيم أضخم مظاهرة في الجامعة، حيث دعت إليها كلية طب الأسنان بالتنسيق مع باقي الكليات. تلك المظاهرة تتذكرها جيداً جيداء غ. وهي طالبة في الكلية عينها التي نظّمت المظاهرة. تقول: “خلال التحرك استطاعت أجهزة الأمن معرفة أسماء العديد من الطلاب الناشطين، ثم تم فصل العديد منهم. واستمرت المظاهرة في كلية طب الأسنان ما يزيد عن الساعة، وجرح خلالها 24 طالبا نتيجة الضرب المباشر. إذ لم يستخدم الأمن في المظاهرة الرصاص الحيّ بل أوعز للطلاب الشبيحة وبعض كوادر اتحاد الطلبة بضرب المتظاهرين. وحينها فاق عدد الطلاب المتظاهرين الألف طالب”.

ليس صفراً

لا يقتنع عبد القادر م. الطالب في كلية الصيدلة جامعة حلب بأن الحراك الطلابي لم يكن سوى رد فعل على سنوات طويلة من كمّ الأفواه أو أنه لم ينجز ما يمكن قياسه على الأرض. لذا يوضح: “لقد نجح الحراك الطلابي في حلب برفع علم الاستقلال على السارية داخل ساحة الجامعة، وتم تحطيم الصورة الرخامية الكبيرة للرئيس حافظ الأسد. أيضاً نجحت مظاهرات كليات العلوم في الخروج من الحرم الجامعي، وذلك على إثر طرد طلاب من كلية الهندسة الكهربائية، ووصولها إلى دوار أبو ريشة حيث حصلت مواجهات بين الطلاب وبين قوات حفظ الأمن التي تمكنت من تفريق المظاهرة، واعتقال عدد من الطلاب كذلك جرى تأسيس اتحاد طلبة سوريا الأحرار الذي يضم مجموعة من الطلاب المؤيدين للانتفاضة السورية، وهدفه توسيع نشاطه وفروعه في مقابل الاتحاد الوطني لطلبة سوريا الذي يعتبر مؤسسة بعثية بامتياز. لذا يقدم اتحاد طلبة سوريا الأحرار نفسه على أنه إطار بديل للاتحاد الوطني لطلبة سوريا.

حراك بديل

لم تختزل المظاهرات الطلابية كل أشكال الحراك الطلابي في سوريا. إذ ابتكر الكثير من النشطاء أشكالاً أخرى بدت أقل كلفة لجهة الاعتقال أو الفصل أو الملاحقة الأمنية، وهنا، يتذكر اسكندر ب. وهو طالب في كلية الآداب قسم أدب انكليزي أنه في العام 2011، عام تألق الثورة، تم تأليف عدد من الأغاني تتناول الوضع العام في سوريا، أغلبها ساخر الكلمات وبسيط المضمون وغير متكلّف لجهة اللحن. ويتذكر اسكندر أغنية كان يسمعها قبل عامين. يدندن بعضاً منها: “بالكلية طلعنا بالكلية… سلمية، ودولة مدنية… صرخنا بالعالي يا حرية… كنا خمسة أو ستة منهتف… لحشوا كاسة المتّة وهجموا علينا ألوف… وعينك ما بتشوف إلا ضرب كفوف… فرمونا الشبيحة ع الطبلية”.

ويتحدث اسكندر عن توزيع المناشير، وهو صورة من صور الحراك الطلابي، لكنه أقل تأثير من المظاهرات، بالإضافة إلى أشكال أكثر بساطة في التعبير عن الرأي، والتي لا تروق بمجملها للنظام وأدواته القمعية في الجامعات السورية. ويتذكر اسكندر كيف تطورت مراحل الاحتجاج في كلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق حين اتفق عدد من الطلاب على ارتداء قمصان بيضاء كتبت عليها عبارات: “الدين لله والوطن للجميع”، “لا للعنف”، “لا للقتل”، “أنا سوري حرّ”. يضيف: “كانوا حوالي 12 طالبا وصلوا إلى باب الكلية وهم يرتدون ستراً فوق القمصان سرعان ما خلعوها. فلم يكن من الأمن إلا وتجمع حولهم، ثم اقتادوهم إلى الهيئة الإدارية، حيث حقق معهم اتحاد الطلبة”.

درس الثورة

عموماً، تباين أثر الحراك الطلابي وحجمه من منطقة إلى أخرى. هذا على الأقل ما يراه وسيم ع. الطالب في كلية الحقوق في جامعة دمشق. يقول: “كان حراك طلاب جامعة حلب هو الأقوى من حيث الكم وعدد النشاطات لكنه عكس وبقوة الأفكار المتشددة التي تم الترويج لها ولاقت قبولاً بين الطلاب آنذاك. هذا القبول كان نتيجة مباشرة لمستوى العنف والقمع العالي الذي مارسته أجهزة الأمن عموماً”.

ويعتبر وسيم أن آخر فترة شهدت حركاً طلابياً حقيقياً كانت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، “وهي الفترة التي تراجعت من بعدها القوى السياسية بشكل كبير، ثم سيطرت فيها وبشكل حاسم عقلية الحزب القائد والرأي الواحد، ومنذ حينه سيطر اتحاد طلبة سورية باعتباره مؤسسة السلطة السياسية «البعثية» المسؤولة عن الإمساك بالجامعات وتوجيهها وفق المطلوب. حتى موظفو اتحاد الطلبة يعرفون جيداً أنه مكان المؤامرات والطعن بالظهر، وهو المكان الذي لا تصل فيه للمناصب إلا عبر تدمير الآخرين، وهو المكان الذي يذهب إليه الأفراد موهوبين ليصبحوا فاسدين ومتنفذين. هذا هو النموذج الذي تقدّم أمام طلاب سوريا على مدى 20 عاماً الماضية على الأقل، وبالتالي لا أستغرب أن تكون المظاهرات أو النشاطات التي قام بها الطلاب بين 2011 و2012 هي ردّات فعل عقيمة لا أكثر، لأنه اليوم وبعد كل هذه الخسائر والتضحيّات لم ينجح الحراك بتحقيق الأهداف التي أعلنها في إسقاط النظام بالشكل التقليدي، وبالتالي هناك عدم ثقة بكل ذلك الشكل. هذا هو الشعور العام وهو رد فعل يائس، والحراك بشكله التقليدي الذي أُخذ الناس إليه، لأن الناس لم تنل الفرصة لخلق أشكال حركتها. بل كانت محاصرة بين تعنت وعنف وتخلف النظام، وتعنت وعنف وتخلف المعارضة، ذاك الشكل الذي أُخذ الناس إليه لم ينجح في تحقيق هدفه المعلن في إسقاط النظام ولم يحقق مكاسب أخرى مما أعلنه، هذا ما يراه الناس اليوم، وأنا شخصياً أختلف كثيراً مع وجهة النظر هذه، لقد حقق الحراك بكل ما فيه من سلبيات مكاسب كثيرة، والدرس يتم تعلمه اليوم من السوريين، فلا بأس، يمكننا النهوض مجدداً”.

شهداء ومعتقلون

لا إحصاءات دقيقة عن أعداد المعتقلين والقتلى في صفوف الطلاب. المتوفر منها يشير إلى أن عداد المعتقلين من الطلاب الجامعيين بلغ أوجه في جامعة دمشق التي تسجّل 168 معتقلا، بينهم 12 طالبة. في جامعة حلب تحصي 155 معتقلا بينهم 8 طالبات. ثم جامعة حمص التي لم تشهد سوى اعتقال 12 طالبا جامعيا، وجامعة حماه التي أحصت اعتقال 18 طالبا، بينهم طالبة واحدة، وجامعة درعا التي سجلت اعتقال 20 طالبا، وجامعة اللاذقية التي شهدت كذلك اعتقال 40 طالبا بينهم 3 طالبات، وأخيراً جامعة دير الزور التي لم يزد فيها عدد الطلاب المعتقلين عن 3 طلاب.

كما وصل عدد شهداء الحراك الطلابي في الجامعات السورية منذ عام 2011 إلى أكثر من 200 طالب، وتم فصل أكثر من 11 طالب بشكل نهائي من جامعة دمشق وحدها بسبب، مشاركتهم في التظاهرات الطلابية.

(دمشق)

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى