صفحات العالم

طمأنة الأقليات ليست أولوية

 

حسام عيتاني

يحق للأقليات الدينية والعرقية الحفاظ على هوياتها المميزة، بل النضال في سبيل بقاء ثقافاتها ولغاتها وتقاليدها حيّة، ويحق لها الشعور بالقلق في أزمنة الصراعات الكبرى والتحولات الجذرية، المنطوية على مخاطر محو تواريخ جماعات عاشت آلاف الأعوام في مناطق الاضطرابات المستجدة.

لكن ما يجري اليوم من وضع لعلامة المساواة بين الأقلية الدينية وبين الأقلية السياسية، أمر شديد الخطورة ويطيح المعاني البسيطة للسياسة والدولة والديموقراطية، ذلك أن إناطة التعبير عن المصالح والآراء بالجماعات، يلغي الفرد كوحدة أساسية في العملية السياسية. هنا مكمن الخلل في أي بنية وطنية يريد أصحابها الانتماء إلى العصر. لقد انتهت قومية القرن التاسع عشر الأوروبية وأدت وظيفتها التاريخية في تشكيل الدول-الأمم، وعادت السياسة بعدها لتكون شأن أفراد يختارون طوعاً اتجاهاتهم وممثليهم.

في منطقتنا، وفي زمن الثورات العربية، تريد أنظمة ودول بعينها استغلال المخاوف المشروعة للأقليات كأداة لوقف عجلة التاريخ. تريد بناء تحالف للأقليات الطائفية يزجها في مواجهة عبثية مع أكثرية لا تملك «خطاباً» أيديولوجياً ولُحمة داخلية يجعلان منها كياناً سياسياً واضح المعالم.

وفي تضليل منهجي يبلغ مستوى الفضيحة، يراد إظهار الأقليات ككائنات معرّضة للانقراض، ما يستدعي تحركاً خاصاً من أجلها، بغض النظر عن أنها عانت وتعاني نصيبها من الأخطار، مثلها مثل الأكثرية.

في سورية، على سبيل المثال، تُعتبر مجازر داريا وجديدة الفضل والحولة وغيرها وإطلاق الأسلحة الكيماوية على العتيبة وحمص وخان العسل، من الأمور العادية، طالما أن القتلى والخسائر تصيب أبناء الأكثرية. أما أبسط حادث يتعرض له أحد أفراد الأقليات، فكارثةٌ ما بعدَها كارثة، ويتطلب تدخل القوى الكبرى والضغط على المعارضة السورية لطمأنة الأقليات، ليس في سورية وحدها، بل في لبنان والعراق ومصر أيضاً.

ينبغي القول إن طمأنة الأقليات ليس المهمة الأولى اليوم، فالثورات العربية قامت من أجل جعل كل أبناء البلاد مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، ويشمل ذلك الأقليات والأكثريات. ومن الملحّ امتناع أبناء الأقليات عن أداء دور الضحية المذعورة، والانخراط في رسم مستقبل بلادهم كمواطنين كاملي الحقوق من جهة، وعدم الاستسلام أمام مظاهر الظلامية والتخلف من أنى جاءت من جهة ثانية.

وعليه، سيكون من الإجرام بحق الأقليات أولاً، السكوتُ عن المبالغة المشبوهة في فصل قضاياها عن قضايا باقي المواطنين، ثم الانجرار إلى جداول أعمال قوى إقليمية تغرر بالأقليات بشعارات الدفاع عن المقامات المقدسة و «حفظ النوع» والتميّز عن باقي مكونات السكان.

ربما لا يملك زعماء الأقليات المحليون أمرهم، وهم مضطرون بذريعة «ولاية الفقيه» أو بسبب طموحات شخصية خرقاء، للانصياع لإملاءات تأتيهم من بعيد، بيد أن على أبناء الأقليات إعادة النظر في أولوياتهم ومصالحهم وتصورهم للمنطقة التي يريدون العيش فيها. غني عن البيان أن استرجاع شعارات وأدبيات القرنين السابع والثامن (الأول والثاني الهجريين)، لا يرمي إلا إلى اللعب على مشاعر البسطاء من الناس الذين يدفعون بأبنائهم إلى الموت، فما يدور في المنطقة اليوم ليس ثأراً كربلائياً ولا استكمالا للفتوحات العربية.

الأهم أن البقاء في ملاعب الجماعة الطائفية والعرقية، سيان كانت أكثرية أو أقلية، سيفضي إلى كارثة لن يسلم منها أحد. طريق النجاة يمر عبر التعجيل في إسقاط أنظمة الاستبداد وبناء الدولة الحديثة القائمة على المواطن الحر المدرك لحقوقه وواجباته.

الحياة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ما كانت لتكون اولويه وما كنا لنذكرها اصلا لو ان امثالك تصرفوا بشكل لا يثير الشكوك. حضرتك تقول(سيكون من الإجرام بحق الأقليات أولاً، السكوتُ عن المبالغة المشبوهة في فصل قضاياها عن قضايا باقي المواطنين) وانا اوافقك ولكن مع التشديد ان من يطلب هذا الفصل هو نفسه من ربط بين الاقليه والنظام. يعني ربطتوا النظام بالاقليه ولما لاقيتوا انو الكل رح يدفع التمن وانو هالشي زاد بعمر النظام, بلشتوا تقولوا لازم نفصل بين النظام والاقليه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى