صفحات العالم

طهران تستطلع آفاق المعارضة السورية


أسعد حيدر

يصرّ “النظام الأسدي” على عدم النظر الى تحت.

لا يريد أن يرى أن الجليد يذوب تحت قدميه. الرياح الساخنة جداً التي تهب عليه من الجهات الأربع، تصل برأيه إليه ساكنة وباردة. لا داعي للقلق. موقع سوريا الجيوستراتيجي يجبر العالم كله، برأيه، خصومه قبل حلفائه على التعامل معه، لأنه يملك مفتاح الحرب والسكون، يبقى “النظام الأسدي”، أو لا يبقى العالم. أساس هذا الانزلاق، أنه قادر على تفجير حرب في منطقة لا يلزمها أكثر من عود ثقاب حتى تتحول حادثة صغيرة الى حرب كبيرة.

أهل “النظام الأسدي” لهم روايات كثيرة عن مساعٍ لا تحصى من أطراف إقليمية ودولية عدة لصياغة حل خلاصته تنفيذ إصلاحات كان الرئيس بشار الأسد قد اقترحها عندما ورث سوريا من والده الرئيس الراحل حافظ الأسد. العالم تغير، الشارع السوري الذي عرف أخيراً الحرية رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه شبابه يومياً من أرواحهم وأرزاقهم وأمنهم، لن يعود الى الوراء. طعم الحرية متى دخل الجسد يصبح جزءاً منه.

إيران هي المنقذ لـ”النظام الأسدي”. كانت سوريا في زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد حليفة لإيران، تأخذ منها الكثير وتعطيها القليل. العلاقة مع طهران، كانت ورقة ثمينة، يستثمرها الأسد الأب ببراعة مع الجميع إقليمياً وحتى دولياً.

حالياً، الرئيس ـ الابن تحول الى أسير للعلاقة مع طهران، تمده بالأوكسجين أو يختنق، تجد له الحلول أو يغرق. تحولت دمشق في هذه المرحلة الى “ورقة” بدلاً من أن يكون الآخرون “ورقة” تقايض بها دائماً لتحصيل المكاسب من دون أن تدفع كلفتها. بين أن تكون سوريا لاعباً يسترضيه الأفرقاء وملعباً يلعب عليه اللاعبون مسافة كبيرة توازي الفرق بين قامتي الأب والابن.

تطور موقف طهران كثيراً مما يجري في سوريا. في البداية كانت المظاهرات فعل مؤامرة أميركية ـ إسرائيلية، سحقها واجب. ودعم النظام الأسدي على الأصعدة جميعها بما فيها المالي ضروري وواجب. منذ أسابيع كثرت الأسئلة وتعددت حول آفاق الوضع في سوريا، خصوصاً وأن تطور المواجهات وصعود “الشارع” ونمو “التنسيقيات”، بدأ يقلقها.

لا شك أن طهران تعرف ما يجري في سوريا مثل الحلقة الضيقة للنظام الأسدي، فشل الحل الأمني وغياب الحل السياسي دفع طهران للبحث عن مخارج للوضع. أكثر ما يعني طهران في هذه الحالة المربكة، مستقبل “حزب الله”، لذلك تبحث عن خطط يمكن وضعها في خانة الحل ب وحتى ج.

مقابلة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على قناة “المنار” مرّت وكأنها مقابلة عادية. ربما الموقف من نجاد سهّل هذا التعامل. اختيار الرئيس الإيراني لقناة “المنار” مدروس جيداً. نجاد أراد مخاطبة جمهور “المنار” مباشرة. من الضروري تحضير الجمهور الشيعي، للمتغيرات. حتى الآن اختصر الوضع السوري بأنه مؤامرة أميركية هدفها ضرب عاصمة الممانعة العربية، وأن خسارة النظام الأسدي خسارة مستقبلية لكل شيعي في لبنان، لأنها تصيب المقاومة في صميمها.

جملتان قالهما نجاد تشكلان أكثر من عنوان لتطور الموقف الإيراني من النظام الأسدي. تفكيك الجملتين إيرانياً يؤكد ذلك.

[ الأولى: “الشعب والحكومة في سوريا يجب أن يجلسا مع بعضهما البعض ويصلا الى تفاهم”. الشعب لا يمكن أن يكون كله متآمراً ضدّ نفسه لخدمة المؤامرة الأميركية الإسرائيلية. إذاً، المتظاهرون من الشعب والحوار هو الحل.

[ الثانية: “الوصول إلى حل بعيد عن العنف، لا هذا يقتل ذاك ولا ذاك يقتل هذا. إن هذا القتل لمصلحة الصهاينة من أي جانب كان”. لا توجد رسالة أوضح من ذلك، العنف الذي يقوم به النظام الأسدي يخدم إسرائيل وليس العنف المضاد، وإن كان يماثله هو نتاج أميركي إسرائيلي.

من الكلام الى الأفعال. أجرت طهران عبر بعض ديبلوماسييها في الخارج حسب مصادر موثوقة جداً اتصالات ببعض المعارضين السوريين. في لقاء جمع أحد المعارضين السوريين البارزين في عاصمة أوروبية ناشطة، مع مسؤول إيراني بناء على دعوة إيرانية مكررة، اشترط المعارض السوري تلبيتها خارج السفارة، وهو ما حصل، جرى حوار طويل يمكن القول إنه كان “جولة استطلاعية” حاول خلالها الديبلوماسي الإيراني رسم خريطة واقعية للمعارضة السورية. لذلك كانت الأسئلة كثيرة من جانب الديبلوماسي الإيراني حول “كيف يفكرون وما هي علاقات المعارضة مع بعضهم البعض ومع الآخرين، سواء الولايات المتحدة الأميركية أو الدول الأوروبية وفي مقدمها باريس، وما هو حجم تأثير العاصمتين عليهما، وما هو الحجم الفعلي للإسلاميين من اخوان مسلمين وسلفيين؟”. بعد “خريطة الطريق” التي عمل الديبلوماسي الإيراني على رسمها من خلال إجابات المعارض السوري ركز على سؤالين:

[ كيف يرى وترى المعارضة السورية مستقبل العلاقة مع طهران في المستقبل؟

[ ما هي شروط المعارضة السورية للعودة الى الحوار مع النظام في دمشق، خصوصاً وأن طهران مع توقف العنف والعودة الى الحوار.

اللقاء الذي كان احادياً، جرى الاتفاق على تكراره. في الوقت نفسه أجرت السفارة الإيرانية في العاصمة ذاتها اتصالاً مع معارض بارز آخر للقاء معه، لم يتم حتى اللحظة، إلا أنه قيد الدراسة.

أما في لبنان فإنّ التكتم الذي يسود أوساط “حزب الله”، لا يخفي الارتباك الذي تشعر قيادته به نتيجة لتطور الأوضاع في سوريا. لذلك فإنّ مواقع مهمة خصوصاً مراكز الأبحاث والدراسات في الحزب تتابع الأحداث بدقة وتعمل على تقديم صورة لتطور الأوضاع واحتمالاتها الى قيادة الحزب.

إن كل يوم جديد من الثورة في سوريا هو زمن مهدور من حياة “النظام الأسدي”. العالم حتى روسيا الحليفة أعلن أنه يختار في علاقاته الشعب وليس النظام..

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى