صفحات العالم

ظهر الثوار المكشوف في سورية!

 


سليم عزوز

أتحاشى ما استطعت مشاهدة نشرات الأخبار هذه الأيام، حتى لا يتمزق قلبي حسرة على ما يجري للأشقاء في سورية، الذين يفترسهم النظام هناك، ولا يرقب فيهم إلاّ ولا ذمة.

بلاء أهون من بلاء، وما يتعرض الليبيون واليمنيون له، لا يمثل شيئاً مذكوراً بجانب ما يتعرض له السوريون على يد نظام قمعي بالوراثة، ويحكم بالحديد والنار. ففي ليبيا فان المعارضة قادرة على حمل السلاح لمواجهة مليشيات الأخ العقيد ومليشيات أنجاله، وقد تمكنت بسبب هذا من السيطرة على بعض المناطق، التي تجتاحها قوات القذافي، فيردهم الثوار من حيث أتوا، فضلاً عن أن هناك تدخلا خارجيا، يجعل يد الزعيم الليبي مغلولة الى حد ما وهي تبطش بالخصوم.

وفي اليمن فان الرئيس علي عبد الله صالح يقلد صديقه حسني مبارك، فيرد على الحشود بحشود، مع الفارق بالطبع، فهناك قبائل تجد مصالحها في وجود صالح، في حين أن مبارك لم يخرج معه احد لتأييده، سوى مجموعة من المرتزقة، حيث استعان ببعض الموظفين في التلفزيون، ووزارة البترول، والعاملين لدى بعض رجال الأعمال، وبالبلطجية المستأجرين، في حين اختفي حزبه ‘الكبير’ وكأنه فص ملح وذاب.. مصطلح ‘الحزب الكبير’ هو لخالد الذكر الرائد متقاعد صفوت الشريف.

في أيام الثورة المصرية سمعنا أصواتا من السلطة تقول، إذا قرر المتظاهرون عدم إخلاء ‘ميدان التحرير’ فليبقوا فيه حتى تنتهي ولاية مبارك في سبتمبر المقبل. وقد بدأ اليأس يترسب في النفوس، ولأن اليأس حر والرجاء عبد فقد روجت لفكرة تطوير أدوات النضال، حتى لا يتحول الوجود في ‘ميدان التحرير’ بمرور الوقت الى نوع من الاعتصام الاحتجاجي، ولإعطاء كل ذي حق حقه، فان محمد رمضان هو من أوحى لي بذلك، وهو مصري معارض يقيم في باريس.

قال لي رمضان لابد من محاصرة القصور الرئاسية، وفي يوم الجمعة الأخيرة كان الزحف الى قصر العروبة والى مبنى التلفزيون المحاصر بقوات من الحرس الجمهوري منذ اليوم الأول للثورة. ولأنني أتعامل في هذه الأيام على أني خبرة جبارة في إسقاط الأنظمة، فقد نصحت أحد اليمنيين بحصار مبنى التلفزيون، والزحف الى قصر الرئيس علي عبد الله صالح، لكنه لفت انتباهي الى اختلاف الأوضاع، فهم في اليمن حريصون على أن تظل ثورتهم سلمية، ونحن كنا حريصين على ذلك أيضاً، ومن الواضح أن الرئيس لا توجد لديه مشكلة في أن يجعل ‘الدم للركب’، ولاحظ أن الأسلحة هناك مع الجميع، على العكس من الحال في مصر فالسلاح في يد السلطة فقط، ومع هذا فقد هزمها الثوار بصدورهم العارية.

عندما جرى حصار تلفزيون الريادة الإعلامية، تم منع الدخول والخروج منه، وظلت مذيعة يتيمة تقرأ نشرات الأخبار ليومين متتالين الى أن رحل مبارك، وكانت في حالة فزع مقيم، وقد اتصل بها احد الأشخاص وقال لها على الهواء مباشرة سوف ننتهي من مبارك ونتفرغ لكم، وارتج عليها، وأخذت تتودد له، فهي ‘عبد المأمور’. ومنذ نجاح الثورة وحتى الآن وأنا أبحث عن ‘المأمور’ ولم أعثر عليه.

قيادات وزارة الداخلية يقولون انهم كانوا ‘عبد المأمور’ الذي هو وزير الداخلية فهو الذي أصدر لهم الأوامر بضرب الثوار بالرصاص الحي، والوزير يقول انه ‘عبد المأمور’ الذي هو الرئيس والقائد الأعلى للشرطة، ومبارك يقول ان زكريا عزمي رئيس الديوان قام بتضليله عندما أخبره أن الشعب يحبه فلا يترك الحكم. ومن الواضح انه لم يسأل نفسه ولماذا يحبه الشعب؟!

في الحالة المصرية، فقد علمت بعد أن ألقت الحرب أوزارها أن قوات من الجيش سبقتنا الى القصر الجمهوري عندما بدأ الزحف الى هناك، لتقف بيننا وبين الحرس الجمهوري، مخافة أن يفتك بنا، وفي الحالة اليمنية فانه لن يكون هناك فرق بين قوات الجيش وقوات الحرس الرئاسي!

لقطات فقيرة

لا تجد الثورة اليمنية مشكلة في أن يصل صوتها الى العالم أجمع، فالفضائيات تنقل لنا الصورة، وفي ليبيا فان الفضائيات لها مراسلون في المناطق التي يستولي عليها الثوار، وللأخ العقيد محطاته الخاصة ومذيعاته اللاتي يمثلن فتحاً في عالم الإعلام الفضائي غير مسبوق، وإحداهن عددت مناقب الأخ العقيد الى أن قالت إن الله أسقط بين يديه المطر، ولم يبق إلا أن تقول وانه يبصر الاعمى ويشفي الأبرص!.

في سورية فان الوضع مختلف تماماً، فالشعب السوري يباد في غيبة من وسائل الإعلام، وفي أيام السلم فانه يحظر على الصحافيين الأجانب السفر لسورية ولو للسياحة والتسوق إلا بموافقة وزير الإعلام، وهو نظام معمول به في الجماهيرية العربية الليبية.

ما تنقله الفضائيات من هناك هو مجرد لقطات فقيرة، ربما أخذت بواسطة الهاتف الجوال، وبالتالي فان ظهر الثوار مكشوف، ناهيك عن أن النظام السوري تمكن قرابة نصف قرن من أن يشكل له ‘مليشيا إعلامية’، تقوم الآن بمحاولة شيطنة الثورة، والتعامل مع الثوار كما لو كانوا عملاء لدول أجنبية لأنهم يواجهون المناضل الثوري بشار الأسد.

المجتمع الدولي يبدو في حالة تواطؤ ضد الثورة السورية، لأن سقوط نظام الأسد، ليس في مصلحة إسرائيل، وهو النظام الذي لم يوجه طلقة رصاص أو رشة ماء على الاحتلال الإسرائيلي، وهو على مرمي حجر في الجولان. وبين الحين والآخر تحلق الطائرات الإسرائيلية فوق القصر الرئاسي في دمشق، فيكون الرد البليغ هو أن أحداً لن يفرض علينا موعد الحرب، وسنحدد نحن طريقة الرد وموعده.. يوم القيامة العصر بمشيئة الله.

كان الرئيس السوري يظن أنه تمكن بالاستبداد من أن يقضي على عزيمة الشعب السوري، وان يقمع الأمل عنده فلا يخرج مطالباً بحريته، وقد أكد على هذا المعنى في الرد الذي جاء في إطار سياسة ‘كيد الضرائر’ عقب نجاح الثورة المصرية، بأن سورية ليست مصر، وذلك رداً على عبارة لمبارك قالها ذات يوم عندما سئل عن التوريث: ‘إن مصر ليست سورية’!

موافقة وزير الإعلام

الإفراط في استخدام أدوات القمع، هو ما جعلني على يقين من أن آخر نظام مستبد في الوطن العربي سوف يسقط هو النظام السوري، لكن الشعب السوري العظيم فاجأني بخروجه، فقد مثلت الثورة التونسية إلهاماً للمصريين، ومثلت الثورة المصرية إلهاماً للجميع.

في اليوم الذي تفجرت فيه جريمة المقابر الجماعية للثوار بدرعا، مما يسقط ما تبقى من شرعية للنظام السوري، كان ابن عمنا عثمان آي فرح مذيع الجزيرة القادم من الـ’بي بي سي’ يستضيف احد الإعلاميين السوريين الذي دافع عن حق بلاده في منع وسائل الإعلام من التسلل لداخله، لأنها لم تحصل على موافقات وزارة الإعلام، والوزارة بطبيعة الحال لا تعطي موافقات لأحد.

وبدا لي الإعلامي السوري أكثر متعة من مذيعات التلفزيون الليبي، ولعلكم تذكرون ما قالته إحداهن تعليقا على (تبني) مجلس الأمن قرار الحظر الجوي على ليبيا بأنه غير جائز شرعاً لأن الله سبحانه وتعالى حرم (التبني)!.

استنكر السوري كلام عثمان عن حظر وسائل الإعلام من العمل في بلاده وقال انه ناقش هذا الموضوع مع وزير الإعلام، وعدد أسماء الفضائيات التي تعمل، وهي الفضائية السورية.. وقناة ‘الدنيا’ .. السورية طبعاً، وعدد من القنوات التي تعمل وفق هدى وزارة الإعلام.. بدا لي الرجل وكأنه قادم تواً من كوكب المريخ، وهو من رجال النظام، وكانت لدينا هذه النوعية في مصر، وقد تحولت الآن، وصاروا اعلى صوتاً ممن كانوا في ساحات النضال، فلا يوجد من بينهم واحد استمر على موقفه وظل يؤيد نظام مبارك.. سقط الرئيس فتحولوا الى مناضلين وبدون فاصل، نمنا وهم حكوميون واستيقظنا لنجدهم ثواراً.

كله سيتحول، وليس هذا هو الموضوع، فقد بدا نظام الأسد هو الأشرس في مواجهة الإعلاميين، وتعامل مع بعضهم على أنهم أسرى حرب!

منذ أسابيع اختفى مذيع ‘الجزيرة’ اللامع فيصل القاسم، واخاف ان يفاجئنا يوماً بإطلالة عبر احدى الفضائيات يعلن خلالها براءته من ‘الجزيرة’ التي خالفت قواعد المهنة، وتخلت عن المهنية على النحو الذي قاله غسان بن جدو بعد لف ودوران، وقد يكون فيصل أكثر وضوحا بحكم الجنسية، وبحكم انه قيد الأسر، وبحكم أن أهله رهائن حرب هناك!

ما قاله غسان هو الحق الذي يراد به باطل، ولم تكن ‘الجزيرة’ تلتزم بالمهنية المنصوص عليها في كتب المطالعة، وهي تغطي أحداث الثورة التونسية، فقد مارست الكيد للنظام السابق ومنذ اليوم الأول، رداً على رفضه اعتماد مراسل لها هناك، ومع ذلك لم يستقل بن جدو لأن المحطة انتهكت قيم المهنة، وتخلت عن شعارها ‘الرأي والرأي الآخر’.

غرفة جهنم

‘لونة الشبل’ التي كانت واحدة من خمس من مذيعات ‘الجزيرة’، بقيادة خالدة الذكر جمانة نمور، استقلن بسبب إصرار إدارة القناة على فرض قواعد الحشمة، أطلت عبر احدى الفضائيات وقد وجدتها فرصة، لتقول في ‘الجزيرة’ ما قال مالك في الخمر!

تحدثت عن ‘غرفة الأخبار’ التي تحاك بها المؤامرات، حتى كدت أتصور أنها ‘غرفة جهنم’ التي قال حبيب العادلي وزير الداخلية في النظام المصري البائد إنها موجودة في المقر الرئيسي بالحزب الحاكم (رحم الله موتاكم) وقال انه قدم ملفات الفاسدين الى القيادة السياسية وأنها وضعتها في هذه الحجرة، وهو يرجع حريق مقر الحزب في يوم ‘جمعة الغضب’ الى وجود هذه الحجرة، وهو أراد أن يغسل بما قال يده من الفساد، ويؤكد انه كان يقف ضد الفاسدين، ولا يمكن لأحد أن يطالبه بالدليل فقد التهمته النيران.

العادلي كان يمارس الكذب البواح، فهو واحد من قمم الفساد في مصر، فضلا عن إن أركان الفساد في البلاد كانوا قيادات في هذا الحزب فكيف يمكن أن توجد هذه الغرفة في مقره وهو تجمع للفاسدين، إذ كان الفساد عندنا يمارس بالترخيص، ومن يمارسه بدون الحصول على الرخصة، فانه يعاقب على انه منتحل لصفة فاسد، وكانت عضوية الحزب الحاكم ولجنة السياسات هي الرخصة المطلوبة.

لونة الشبل سكتت دهراً ونطقت كيداً، فبعد عام من قبول استقالتها تكلمت الآن، وكنا في مسيس الحاجة لأن نسمع صوتها في حينه، لكنها تمسكت بالصمت، وقد ضربت أكثر من عصفور بحجر، بما قالت، فهي انتقمت من ناحية من إدارة ‘الجزيرة’ ومن ناحية أخرى تقربت من أهل الحكم بالنوافل، وقد تصبح وزيرة للإعلام، وقد يأتي يوم تقول فيه انها كانت تحت تهديد السلاح عندما قالت ما قالت، وأنها كانت أسيرة لدى النظام البائد، وما ذلك على الله بعزيز!.

البحث جار الآن عن سامي كليب، مذيع ‘الجزيرة’ وزوج السيدة لونة الشبل، وربما استقال، وربما حمل على الاستقالة، وهو من لبنان وليس سوريا، لكن جحا سئل ذات يوم عن بلده، فقال التي منها زوجتي.

قلبي مع الأشقاء في سورية ثواراً وإعلاميين.

صحافي من مصر

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى