صفحات الحوار

عارف دليلة: أبلغنا الروس رفضنا الإصلاحات


«هيئة التنسيق» مستعدة لمحاورة من «لم تتلطخ يده بالدماء»

سلام مسافر

يقول عارف دليلة، المعارض السوري الذي أمضى بعد «ربيع دمشق» في العام 2001 سبع سنوات في السجن بسبب محاضرة عن الفساد في بلاده، انه سمع كلاماً «روسياً واضحاً بشأن الخروج من الأزمة التي تعصف بسوريا».

ويقول دليلة، أستاذ الاقتصاد، خريج الجامعات السوفياتية، في حديث إلى «السفير» في موسكو، إن وفد هيئة التنسيق الوطنية السورية الذي زار موسكو مؤخرا برئاسة المنسق العام حسن عبد العظيم، سمع من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف «كلاماً إيجابياً عن ضرورة وقف التدهور، لكني غير متأكد من أن تغيراً نوعياً سيطرأ على الموقف الروسي، إلا في مجال دعم خطة (المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا) كوفي انان».

ويضيف دليلة، القيادي في هيئة التنسيق، «مواقفنا متقاربة أو متطابقة مع الروس، فنحن لا نطالب بأكثر من وقف إطلاق النار، وسحب الجيش، وحل المشكلات الإنسانية الناجمة عن العنف وإغاثة الجرحى والمشردين، وتعويض المتضررين وإطلاق سراح جميع المعتقلين وإعادة إسكان المهجرين داخلياً وخارجياً، وكلها مطالب تتضمنها خطة أنان ويؤيدها الروس جملة وتفصيلاً كما أبلغونا».

دولة النظام

{ تقول إن مواقف هيئة التنسيق والروس متطابقة، فهل التطابق يشمل تغيير نظام الرئيس بشار الأسد؟

^ سمعنا مراراً عبارة أن روسيا لا تدعم شخصاً بعينه، ولا نظاماً معيناً، بل تطالب بتغييرات وإصلاحات جذرية. هذا ما سمعناه من لافروف وبوغدانوف، مع تأكيدهما أن هذه المسألة بيد الشعب السوري. قلنا لهم يجب أن يتمتع السوريون جميعاً بالحرية لكي يقرروا مصير بلادهم. لا معنى لمثل هذه المطالب من دون رفع القيود، التي تكبل إرادة الشعب السوري.

{ لكن الروس يقولون إن المعارضة لم تطرح إلى الآن برنامجا موحدا بديلا من النظام القائم، وان تشرذمها سبب في التباس الوضع عموما؟

^ قلنا للافروف وبوغدانوف إن كل ما يسمى إصلاحات يجريها النظام باطلة، لأنها لا تجري في ظروف تسمح للمواطن بإعلان موقفه. لافروف سأل بالذات عن الانتخابات والاستفتاء، وقلنا له إن كل القوانين والدستور والاستفتاء وانتخابات الإدارة المحلية وقريبا انتخابات مجلس الشعب، بل إن كل دساتير سوريا بما فيها دستور العام 1972، باطلة لأنها صدرت وتصدر من طرف واحد، وضد إرادة الشعب. ونحن نسأل ما جدوى هذه التكاليف المادية بإجراء استفتاء وتشكيل لجان، والاهم الكلفة البشرية، جراء التعسف الذي تعيشه البلاد، قبل اندلاع الأحداث بسنوات طويلة.

{مراقبون يثيرون السؤال: لماذا تتمسك روسيا بالنظام في سوريا، وهل وصلتم إلى جواب خلال مباحثات وفد الهيئة في موسكو؟

^ أعتقد أن لدى الروس تصوراً تقليدياً، يعود إلى الحقبة السوفياتية، لا يفرّق بين الدولة والسلطة. المهم بالنسبة لهم الدولة، من دون التمييز بينها وبين السلطة. في زمن بوريس يلتسين لم تكن هناك دولة في روسيا بل سلطة، فقد ألغيت الدولة، لكن بعد ذلك بدأوا يعيدون الدولة من جديد. أما في سوريا فإن الدولة غائبة منذ أربعة عقود، لأن كل السمات السيادية للدولة غائبة، لا قانون، لا دستور، لا مواجهة مع عدوان خارجي، لا حماية للحريات، لا ضمانة لأمن المواطن، لا أحزاب، لا إعلام، ولا سياسة. كل سمات الدولة غائبة، هناك فقط السلطة وأجهزتها القمعية.

{ لكن السلطة السورية لا تزال قوية، فما هي برأيكم مصادر قوة النظام؟

^ السلطة المطلقة والمنفلتة خارج القانون مصدر ضعف للدولة وقوة للسلطة الاستبدادية.

{ لماذا برأيكم لم تحدث انشقاقات كبيرة في أركان النظام حتى بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الأحداث؟

^ اعتمد النظام على ما يسمى بالحزب العقائدي والجيش العقائدي والمؤسسات العقائدية، وهذه كلها لم يبق من عقيدتها إلا الاسم فقط. وتحت غطاء هذا الاسم جرى ربط مصير عدد كبير من الناس بالنظام. كانت الدولة غائبة عند (العقيد الليبي معمر) القذافي، ولكن لم يكن لديه جيش عقائدي ولا شعارات قومية. كان القذافي يغير الشعارات كل يوم. سوريا هي مصدر شعار «وحدة حرية اشتراكية» الذي انتشر في الوطن العربي، وحين وصل حزبا البعث إلى السلطة في سوريا والعراق أفرغا الشعار العظيم من مضمونه. أصبح مجرد نصوص على الورق، أو مركوب وفق تعبير القذافي الذي كان يقصد به السيارة لكل مواطن.

شروط الحوار

{ منذ بدء الأحداث وموسكو تدعو إلى عقد مؤتمر وطني يجمع المعارضة مع النظام، فهل كرر لافروف الدعوة أمام وفد هيئة التنسيق؟

^ كان هذا الأمر من أهم الأفكار التي جرى التركيز عليها. استعرضنا كل المحاولات التي قمنا بها داخل سوريا لتوحيد قوى المعارضة عبر مؤتمر عام بهدف عقد مؤتمر موحد. نحن نطلب منذ أشهر رعاية الجامعة العربية للمؤتمر والأمين العام للجامعة نبيل العربي تحدث بذلك مرات عديدة لكننا لم نلمس أي تحرك بهذا الاتجاه على أرض الواقع. نأمل أن يعقد المؤتمر في إطار مهمة كوفي انان، لأن البند الأخير من خطته يتحدث عن إيجاد مخرج من خلال التفاوض بين المعارضة، بكل أطيافها، والسلطة. نحن نعني بالسلطة من لم تتلوث يده بدم السوريين.

{ ما المعيار الذي يحدد أن هذا الطرف ملوّث بالدم أو بريء؟

^ أسماء من يقودون عمليات العنف والحل العسكري والتجاوزات الخطيرة معروفة، وأي محاولة لوضعها في المقدمة سترفض.

{ هل أنتم مستعدون للجلوس مع رموز النظام حول طاولة الحوار؟

^ المعارضة لا ترفض كل البيروقراطية الحكومية، بل هذه البيروقراطية عائدة للدولة، ونحن نميز بين الدولة ومفهوم السلطة الضيق.

{ لكن المجلس الوطني برئاسة برهان غليون يرفض رفضا قاطعا الحوار مع القيادة السورية الحالية؟

^ نسمع من المجلس أنهم على استعداد للحوار مع من لم تتلوث يده بدماء السوريين.

{ لماذا القطيعة بينكم وبين مجلس غليون؟

^ النقص الجدي في عمل المجلس الوطني أنهم حين يتحدثون عن وحدة المعارضة فإنهم يعنون أن يلتحق غيرهم بهم. نحن نقول هذا مستحيل. المعارضة السورية تتموضع في أشكال مختلفة، ومن المستحيل القبول بمقولة أن هذا الطرف أو ذاك من أطراف المعارضة هو الممثل الشرعي للشعب. هذا ضد الديموقراطية. نشترك مع جميع فصائل المعارضة في أن طبيعة السلطة السياسية يجب أن تتغير نوعيا وجذريا. كفى نصف قرن وسوريا تعيش نظام الحزب الواحد، ولم تشهد أي تطور في مختلف جوانب الحياة.

نقف ضد الحصار

{ برأيك، كيف يحافظ النظام على الأداء الاقتصادي على الرغم من الحصار والعقوبات؟

^لا يمكن سوريا أن تعيش لفترة طويلة أخرى بهذا التردي الاقتصادي. منذ البداية كنت أقول إن السلطة لن تكون أول من يتأذى بالعقوبات الاقتصادية على البلاد. كنت ضد العقوبات والحصار الاقتصادي، لأن الفئات الفقيرة أول من يتألم، أما أصحاب الملايين، الذين يرتبطون بمصالح مع السلطة فإن ثروتهم تتضاعف بفعل الحصار. من خسر، ويخسر ثروته، هو المواطن العادي الذي يقتات على الرواتب والأجور.

{ ألا توسع الفاقة قاعدة الاحتجاجات، وتعجل في انهيار النظام؟

^ هذه المسألة بوجهين. قد تكون السلطة هي السباقة لاستغلال حال الفقر وتقول للناس إن كل أبواب العيش بيدي وكل آمالكم مرتبطة بنا، وقد يحصل العكس، حيث يدفع شظف العيش إلى تجذير مطالب الشارع. نذكر أن المتظاهرين منذ اليوم الأول للأحداث كانوا يهتفون نحن لا نريد الخبز نريد الكرامة، نريد إلغاء دور أرباب الفساد والاستبداد. هؤلاء يخشون العودة إلى بيوتهم لان العاقبة ستكون شديدة.

{ في ضوء التطورات الداخلية والأدوار الخارجية في الأزمة السورية، كيف تنظر إلى مستقبل البلاد؟

^ نحن على مفترق طريق خطير، وخطورته تفسر حجم الضحايا الهائل. منذ البداية ما كان يجب السير على هذا الطريق، طريق العنف ومجابهة المطالب السلمية بالرصاص. لم يكن أحد من السلطة يصدق ما كنا نتحدث عنه على مدى 40 عاما، ونقول إن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية كانت كارثية على المجتمع والدولة، وان تفشي الفساد وتعاظم سلطة أرباب الفساد وصل إلى درجة لا تطاق، وتحولت البلاد إلى كومة قش تنتظر عود ثقاب. نصحنا بتدارك الوضع وتجنب المأساة، لكن المستفيدين من مكاسب السلطة الرخيصة لم يتصوروا أن ثورة البوعزيزي في تونس ستصل إلى سوريا، ووقعت الفأس بالرأس. اليوم الشعب غير قادر على أن يعود إلى المربع الأول. لن يقبل إلا بالتغيير الجذري.

{ هل صحيح ما يشاع عن أن الحكومة السورية تبيع سندات إلى دول مثل الصين وروسيا وإيران، وترهن مستقبل البلاد بقروض تكبلها لعشرات السنين سعيا وراء وقف انهيار الاقتصاد ودعم الليرة؟

^ قبل الأحداث ومنذ عشرات السنين وأنا أطالب بالشفافية والعلانية. حتى إحصائيات بعض الدول العربية المجاورة كانت تكتب وتنشر علناً. كنا نسأل أين سوريا منها. كنت أطالب بقانون يلزم الحكومة بنشر كل معطيات البلد الاقتصادية، ولكن للأسف فإن كل المؤشرات الاقتصادية والأرقام والإحصائيات كانت، ولا تزال، مغيبة وفي سرية مطلقة. الآن لا نستطيع الوثوق بأي رقم من أية جهة. نعم تنطلق شائعات عن بيع سندات، ولكن من الصعب التأكد منها. هل حقا تباع سندات وفي مقابل ماذا؟ لا أستطيع التأكيد أو النفي.

السفير

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى