إياد الجعفريصفحات المستقبل

“عاطف نجيب” ثانٍ/ إياد الجعفري

 

 

يترقب كثيرون من السوريين خلال الساعات القادمة، من موالين ومعارضين، تطورات حادثة مقتل عقيد “علوي” في الجيش السوري، على يدّ أحد أفراد عائلة الأسد. ويترقب مراقبون مصير تحركات شعبية ما تزال طفيفة، في الشارع “العلوي”، لكنها تعبر عن زخمٍ أكبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي…ويسأل هؤلاء: هل يثور العلويون على آل الأسد؟

منذ أيام قليلة، أشار بشار الأسد في خطابه إلى أن سوريا لم تعد لمن يحمل جنسيتها، بل لمن يقاتل دفاعاً “عنها”. وفي الوقت الذي اعتبر فيه البعض هذا الكلام موجهاً للسوريين المناوئين للأسد، رأى فيه آخرون كلاماً موجهاً لحاضنة الأسد، “العلوية”، التي أظهرت في الآونة الأخيرة تذمراً من استمرار إرسال أولادها إلى “الجيش – مقبرة العلويين”. وبدأ الكثيرون من العلويين بتهريب أبنائهم عبر البحر، كي يجنبونهم الخدمة العسكرية.

هل كان الأسد يقصد مؤيديه من العلويين بالإشارة إلى سقوط الجنسية عنهم، وإحلال شيعة لبنانيين وعراقيين، وأفغان، محلهم!…ربما…لكن مقتل العقيد في القوات الجوية، حسان الشيخ، “العلوي”، على يد، سليمان هلال الأسد، ابن عم بشار، جاء ليفاقم مشاعر الاستياء المتنامية في أوساط العلويين، حسب الكثير من شهادات العيان.

مشاعر استياء من طول أمد الأزمة والصراع الدامي، الذي دفع العلويون أثماناً باهظة فيه، وبشرّهم الأسد في خطابه الأخير بأن نهاية النفق ما تزال بعيدة…مشاعر استياء من الحظوة الخاصة التي ينالها أبناء العائلات المقربة من رأس النظام، من العلويين، على حساب الفقراء والبسطاء منهم، فيقضي الكثير من أبناء آل الأسد وشاليش ومخلوف وآصف شوكت أوقاتهم في البارات ومقار التسلية، فيما يقضي فقراء العلويين على الجبهات.

مشاعر استياء من تغلغل يرافقه تعالٍ شيعي، إيراني – لبناني، يتلمسه العلويون ويخشون تداعياته على تراب بلدهم، حسب شهادات الكثير من أبنائهم.

مشاعر استياء من ضنك المعيشة وسوء الخدمات، وتدهور الأوضاع الحياتية لأبناء الشريحة الأكبر من العلويين، مقابل حياة الرغد التي يعيشها آل الأسد، والمقربون منهم.

يُشاع في هذه الساعات أن بشار تدخل بنفسه لمنع تهريب سليمان الأسد خارج اللاذقية، وتسليمه للسلطات المختصة للبدء بإجراءات محاكمته، فيما تبرأت منه أمه في مؤشر لقرار من العائلة بتقديم الشاب المتهور، كثير الزلات، ككبش فداء، لتجنب حريق قد يلتهم العائلة بأكملها…لكن كيف سيكون انعكاس ذلك على نفوس العلويين؟…أن يروا بشار الأسد، ولأول مرة في تاريخ هذه العائلة، يُحاسب أحد أفرادها، تجنباً لغضبة “الشارع العلوي”…هل سيرتفع سقف طموح العلويين حينما يستشعرون ضعف رئيسهم؟، وهل سيُطالبون بالمزيد؟

يعتقد مراقبون أن بشار الأسد لم يحاسب ابن خالته، عاطف نجيب، مسؤول الأمن سيء السمعة في درعا، في مهد الثورة، خشية أن يرتفع سقف مطالب الشارع، وخشية أن يشعر الشعب بضعفٍ في جانب النظام، فتتهاوى هيبته….فهل أخطأ الأسد حينها؟

الأسد يومها اختط طريقاً قاسياً، على أمل الحفاظ على هيبة النظام، فكان ما كان…اليوم يكرر التاريخ نفسه، ويُوضع الأسد في الاختبار نفسه، لكن بمستوى أعلى هذه المرة، فالحاضنة المستهدفة بأي قرار، هي حاضنته المقربة…وهي حصنه الحصين، حتى الساعة…إن سمح بتهريب سليمان الأسد من المسؤولية، سيكون قد عزز قناعة الكثيرين من العلويين، بأن الفقراء والعامة منهم، تحديداً، مجرد وقود يمكن حرقه لإبقاء نار موقد نظامه مشتعلة…وإن عاقب بشار ابن عمه سليمان بما يستحق على جريمته، وهو الإعدام، فسيرسل رسالة ضعف للـ “الشارع العلوي”، من الصعب اليوم الجزم بنتائجها..لكن على الأغلب، ستكون أولى النتائج أن يرتفع سقف مطالب “العلويين” وطموحاتهم، بعد 4 سنوات من الاستنزاف لحماية حكمٍ يعتقد غالبيتهم، أنه يمثلهم بالذات.

لا نعرف في التاريخ روايات عن اقتتال بين العلويين أنفسهم، باستثناء أحداث متفرقة ومحدودة…ولم نسمع طوال حقبة حكم آل الأسد، منذ مطلع السبعينات، أن أحد أفراد هذه العائلة عُلق على المشنقة عقاباً على جريمة ارتكبها….أمران لم يحدثا، لكن التاريخ عادة يحمل الكثير من المفاجآت.

بطبيعة الحال، يتوقع معظم السوريين أن يتمكن نظام الأسد من استرضاء أسرة الفقيد والمقربين منه بصورة تسمح بلفلفة الأمر، والاكتفاء بنفي سليمان الأسد خارج محافظة اللاذقية على الأقل…لكن من يترقب أصداء الحادثة في وسائل التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى وسائل الإعلام المقربة من النظام، سيستشعر تغيراً في مزاج الشارع “العلوي”، وتغيراً في تعامل النظام مع حوادث من هذا النوع. وكمثال على ذلك، شهادة شقيق الضحية على إحدى الإذاعات الموالية، وتأكيده بأن سليمان الأسد شخصياً، هو من أطلق النار على شقيقه أمام ولديه.

بكل الأحوال، هي سخرية القدر أن يُوضع بشار الأسد أمام اختبار “عاطف نجيب” ثانٍ، لكن بمستوى أعلى هذه المرة…لنرقب ونشاهد كيف سيتصرف بشار حيال هذا الاختبار، وكيف سيكون رد فعل “العلويين” تجاهه.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى