صفحات الناس

عالقون بين المطرقة والسندان/ ميـرا عبـدالله

 

 

كيف يتأقلم سنّة جنوب لبنان مع الحرب السوريّة وتصاعد السلفيّة وتطرّف “حزب الله”

تُعتبر قرى العرقوب في قضاء حاصبيا في جنوب لبنان مجموعة من البلدات السنّية المعزولة عن باقي الجنوب. هذه القرى الواقعة داخل لبنان على حدود سوريا، تحدّها قرى درزية من جهة وقرى شيعية من الجهة الأخرى.

ويقول الأهالي الدروز والسُنّة في المنطقة إنّ العلاقات بينهم تأثّرت بشكل كبير بعد تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000، لكن يبدو أن لا أحد قادر على معرفة السبب. بالإضافة الى ذلك فإنّ صعود الإسلاميين في المنطقة وتدخّل “حزب الله” في الحرب السورية، جعل العلاقات المتوترة أصلاً بين السنّة والشيعة في الجنوب تزداد توتراً.

“الطائفة السنّية عالقة بين خطرين”، قال لـNOW محمد من قرية الهبارية، مضيفاً: “من جهة، يواجه السُنّة خطر احتمال دخول الإسلاميين- جبهة النصرة على وجه التحديد- من الحدود السورية، ومن جهة أخرى يواجهون خطر المجموعات الشيعية التي تسعى جاهدة لإبقاء الحدود اللبنانية- السورية تحت السيطرة”.

وفي أثناء ذلك، فإنّ النقص في التمويل والضعف التنظيمي في تيار المستقبل- الذي يُعتبر القوة السنّية المعتدلة في المنطقة- أدّى الى صعود الإيديولوجيا المتطرفة. ووفقاً للعديد من الأهالي الذين تحدّث اليهم NOW، فإنّ الكثير من الناس أصبحوا سلفيين في السنوات القليلة الماضية، وبدأوا بدعم المجموعات السنية- الى حد أنّ بعض الاهالي قد لا ينظرون بقلق إلى تسلّل جبهة النصرة الى المنطقة.

ملجأ آمن لجبهة النصرة

ولعلمهم بالخطر الذي يهدّد بلدات جنوب لبنان، يقول أهالي الجنوب إنّهم يحاولون جاهدين أن لا يكونوا طائفيين. “نحن جميعاً ننتمي الى بلد واحد. نحن أخوة”، قال شيخ درزي من حاصبيا، وتابع: “اللعبة السياسية قسّمتنا، ولكن هذا لا يعني أننا غير مستعدين لقتال العدو يداً بيد”.

على الرغم من أنّه يبدو أنّ التوتر الطائفي بين الدروز وبقية الطوائف أقلّ، فإنّ التوتر بين السنّة والشيعة واضح جدا. حيث قالت امرأة سنّية من الهبارية لـNOW: “لا أمانع إذا قرّر ولدي الزواج بإمرأة درزية أو مسيحية. لكنني سأعترض بالتأكيد لو أراد الزواج بشيعية. فعلى خلاف الدروز والمسيحيين، الشيعة يزدادون تعصباً في هذه المنطقة، ونحن لا نحب المتعصبين”.

لقد أجبر التطرّف الشيعي في جنوب لبنان الطائفة السنّية هناك على حماية نفسها من تشرّب بعض العقائد. فالطائفة السنّية في جنوب لبنان التي تعارض “حزب الله” عقائدياً والمحاطة بقرى شيعية ودرزية، والتي تمتد الى داخل سوريا، تشعر بحاجة ماسة الى مرجع لها في المنطقة لكي تعزّز من استقرار هويتها.

“الطائفة السنّية في المنطقة تخشى الظلم”، قال الشيخ عبدالحكيم، إمام مسجد الهبارية، وأضاف: “كل ما نريده هو بأن تعامَل كافة الطوائف اللبنانية بمساواة. الطائفة السنّية مضطهدة في كافة انحاء لبنان. كافة الرجال المعتقلين في سجن رومية هم من الطائفة السنّية. وليس للسنّة أي منصب رسمي في الجنوب”.

ويرى الحكيم أنّ “جبهة النصرة تقاتل الى جانب السوريين المضطهدين ضد ديكتاتورية مجرمة”، وقال: “على الرغم من أني لا أعتقد بأنّ النصرة سوف تدخل لبنان، لأنّ الصراع السوري يجب أن يبقى في سوريا وأن لا يتمدد الى لبنان، إلا أنه كون سُنّة لبنان يشعرون بأنهم مضطهدون من قبل الحكومة و”حزب الله” وإيران، فإنّ كل من سيأتي من سوريا لدعمهم سوف يلقى الدعم الذي يحتاجه في القرى السنّية”.

نمو الجماعة الإسلامية وتمويلها

معظم الأهالي الذين تحدّث اليهم NOW اعتبروا جبهة النصرة مجموعة مسلّحة معتدلة لن تقوم بفرض الشريعة على من لا يريدون الالتزام بالأحكام الإسلامية الشرعية الصارمة.

وعلى الرغم من ذلك، المزيد والمزيد من السنّة في المنطقة يصبحون سلفيين وداعمين للجماعة الإسلامية، وقد شهدت المنطقة تزايد الإجراءات المحافظة مثل حظر الكحول، والعودة الى طريقة الدفن الإسلامية التقليدية، أي الدفن تحت الأرض وليس في الضريح، بالإضافة إلى تزايد الدعوات إلى الصلاة وإلى الخطب الدينية من قبل الخطباء الذين يصعدون الى مآذن المساجد. وبالفعل فقد صعُب علينا إكمال المحادثة مع أحدهم خلال إحدى الدعوات الى الصلاة، على الرغم من أنّ المسجد يبعد كيلومتراً عن مكان تواجدنا.

وفي حين أنّه يزيد يوماً بعد يوم تشجيع داعمي الجماعات الإسلامية في الجنوب، فإنّ السلطات السنّية المعتدلة تحاول أن تبقيهم تحت السيطرة. “إننا نراقب دائماً ما يقومون به”، قال المفتي حسن دلّة، مضيفاً: “نحن على علم دائم بنشاطات السلفيين والجماعة الإسلامية. فعملهم متعلّق بشكل أساسي بتقديم المساعدة، على نحو مشابه لدار الفتوى، للأطفال وللاجئين السوريين. كافة السلطات هنا تتعاون معاً لتلبية حاجات القرى. حتى السلفيين هنا ليسوا متطرفين ولا يتدخلون في المسائل الدينية طوال الوقت”.

يقول محمد إنّ الأجيال الصاعدة في القرى السنّية في الجنوب تميل الى أن تكون إسلامية أكثر من الجيل الذي سبقها. ويضيف لـNOW: “غالبية الشباب يدعمون الإيديولوجيات السنّية المتطرفة. لقد تربوا على الخوف من التطرف الشيعي. ويعتقدون بأنّ الالتزام بالمجموعات السنّية هو الطريقة الأفضل لمحاربة تطرّف “حزب الله”. إضافة الى أنّ العديد من السلطات الخارجية تقوم بتمويل هذه الإيديولوجيا. وقد جرى مؤخراً بناء مدرسة للجماعة الإسلامية كلّفت ثروة، بالاضافة الى مراكز تدعى مراكز الكشاف للصبية. ولا أي سلطة محلية لديها المال اللازم لتمويل هذه المشاريع”.

يعتقد الأهالي بأن تركيا هي التي تموّل هذه المشاريع. وقد يدلّ على صحة كلامهم، ارتفاع العلم التركي على العديد من المنازل في ذكرى الإبادة الأرمنية في نيسان من هذا العام، وهو أمر جديد لم يسبق للأهالي أن شهدوه من قبل. ووفقاً لمصادر صحافية كوكالة “رويترز” وصحيفة The Independent فقد كانت تركيا تدعم الإسلاميين في سوريا.

إعاقة “حزب الله” بأي ثمن؟

بالتأكيد أنّ “حزب الله” يريد أن يُبقي المنطقة تحت سيطرته وأن يجنّد داعمين له قدر الإمكان. كما أنّ “سرايا المقاومة”، التابعة لـ حزب الله، اكتسبت هي كذلك شعبية في بعض البلدات السنّية، والأهالي قالوا إنّه تم تسليحهم بشكل كبير وهم مستعدون لأي خطر محتمل ممكن أن يأتي من جهة سوريا.

“بات التطرف الشيعي حقيقة، لا سيما في صفوف الداعمين لحزب إيران [حزب الله]”، قال الحكيم، وتابع: “يقلقنا قيام “حزب الله” بدفع المال الى شبّان من الطائفة السنّية لتجنيدهم في سرايا المقاومة وإقناعهم بأنهم يقاتلون العدو الإسرائيلي، في حين أنّه في الحقيقة يستخدمهم ضدنا. لقد حاربنا إسرائيل قبل أن يكون “حزب الله” موجوداً. نخشى بأنّ الحزب يخطّط لإقامة صراع بين الشيعة والسنّة تحت اسم قتال إسرائيل”.

وعن ذلك يقول الأهالي الذين تحدّث اليهمNOW  إنّهم مقتنعون بأنّ الإسلاميين وإسرائيل يريدون القيام بكل ما يستطيعون من أجل وقف أو إضعاف “حزب الله” في المنطقة، بما فيها في شبعا، وهي منطقة أساسية للحزب، وأنّه كنتيجة لذلك قد تبدأ إسرائيل بالتعاون مع “جبهة النصرة”.

وتكهّن محمد بأنّ إسرائيل قد تسمح للنصرة بالدخول الى الأراضي اللبنانية عبر الهضاب الواقعة بين مجدل شمس السورية المحتلّة وكفرشوبا في لبنان. ويقول: “من غير المرجح حصول ذلك. ولكن في حال حصل، سوف يلزم جبهة النصرة وقتاً أقلّ للوصول الى القرى السنّية التي يحضون فيها بالدعم، من الوقت الذي سيحتاجه “حزب الله” للمجيء من الخيام وردعهم، علماً أنّ أقرب نقطة عسكرية لـ “حزب الله” الى هذه المنطقة هي في الخيام”.

إلاّ أنّ دلّة يستبعد هذه الفكرة، معتبراً أنّه لا توجد طرقات مجهّزة للسيارات يمكن للنصرة أن تستخدمها لدخول لبنان. وهو يقول إنّ السلطات السنّية المعتدلة هي الأكثر قلقاً من تدفق الحرب في سوريا الى لبنان، لكن “المنطقة هنا وضعها خاص. فالقرار الدولي 1701 يحفظ السلام فيها ويكفل أمان الحدود. هذه ضمانة هامة بأنّ المجموعات المسلّحة لن تتمكن من العمل على الحدود. الوضع في شبعا ليس سيئاً بقدر ما يرد في التقارير الإعلامية. وخوف الأهالي السنّة هنا لا يختلف عن خوف كافة اللبنانيين”.

هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى