صفحات العالم

عالم ما بعد “الوقائع”/ آن أبلباوم

 

 

إذا كنت تقرأ مقالة في صحيفة، هل يهمك أن تعرف إن كانت الوقائع الواردة فيها حقيقية؟ وإذا كان الأمر يشغلك، فما الذي يقنعك بصوابها أو ضلالها؟ أهو صديق أم موقع إلكتروني محايد؟ أم صاحب سلطة؟ وإذا كنت غير واثق من «حقيقة» ما قرأته، فأهلاً بك في عالم التحقق من الوقائع وما بعدها. ففي السنوات الأخيرة، صار نشر المعلومات الكاذبة ونظريات المؤامرة يسيراً على الإنترنت. وبرزت مواقع لمكافحة هذه الظاهرة وتذليل هذه المشكلة، على غرار politifact.org في بريطانيا وchequeado في الأرجنتين وstopfake.org في أوكرانيا. وهذه الصحيفة (واشنطن بوست)، خصت المشكلة بزاوية «فاكت شاكر» التي يعدها غلين كيسلر. ودرج كيسلر على إعداد لائحة «بينوكيو» التي يتصدرها أكثر السياسيين من أصحاب التصريحات الكاذبة في الحزبين الجمهوري والديموقراطي. وهذه المواقع لقيت إقبالاً ونجاحاً. وأدى موقع chequeado دوراً بارزاً في الانتخابات الأرجنتينية الأخيرة. و«ستوبفايك» ساعدت الأوكرانيين والمراقبين الخارجيين على إدراك مدى تلاعب وسائل الإعلام الروسية بالأخبار الأوكرانية. وأعلن المرشح الجمهوري السابق، جيب بوش، أنه لا يرغب في أن يدرج كلامه في موقع «بوليتيفاكت» إذا أساء فهم الأمور. ولكن، ثمة مراكز أبحاث سعت إلى قياس أثر مواقع التحقق من الوقائع، وخلصت إلى أن الجمهور متنوع وغير متجانس وأن أثر هذه «الحقائق» فيه متباين.

فالناس تميل إلى تصديق «وقائع» تثبت آراءها المسبقة وتهمل ما يعارضها. وأصحاب الآراء القاطعة – وغالباً هم من مناصري قضية أو زعيم – لا يغيرون وجهات نظرهم، وقد يطعنون بـ «حياد» مواقع التحقق من الوقائع. وهؤلاء يسرون بآرائهم إلى أصدقائهم وينشرونها. ويسرت مواقع التواصل الاجتماعي «فشو» الآراء وانتقالها من صديق إلى آخر.

وتعاظم حجم المعلومات ونموها المتواصل يقوضان نجاعة تفنيدها والتحقق منها. وكتب جيل ليبور في مجلة «نيويوركر» أن كمية الوقائع المتداولة حملت الناس على الطعن في «الواقع» نفسه. فهل في الإمكان «معرفة» أي شيء في وقت يعدِّل «غوغل» نتائج بحثه وفق الباحثين والأماكن (التي يجرون منها البحث)؟ أليس الأمثل هو افتراض أن المعلومات كلها كاذبة في وقت تكثر مصادرها؟ وإذا كانت الحقيقة أمراً انقضى، وإذا كنا نعيش في عالم «ما بعد الحقائق»، لم يخش الكاذبون تدقيقاً أو تفنيداً.

وهذه المسائل قد تبدو فلسفية. ولكن، في حملات 2016 الانتخابية، يبدو أنها مشكلة تتهدد الديموقراطية. فدونالد ترامب يطلق كذبة تلو الأخرى، ويُتحقق من أقواله على الدوام من غير أن يخلف التدقيق أثراً فيه، فيثنيه عن الكذب أو يقنع مؤيديه بخلاف ما يقوله. ويشوب حملة الاستفتاء على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي سيلٌ من الوقائع المحرفة. ويستند أنصار حملة غادر (الاتحاد الأوروبي) أو انسحب («ليف»)، مراراً وتكراراً إلى معلومة كاذبة: تسديد بريطانيا أسبوعياً إلى الاتحاد الاوروبي 350 مليون جنيه استرليني (511 مليون دولار). وهذا رقم مختلق وخيالي، على نحو ما أثبت موقعا infacts.org، و«بي بي سي رياليتي شيك»، وغيرهما.

وهذه المشكلة ليست تماماً من بنات اليوم: فمُذ أبصرت النور، ابتلت السياسة بسؤال ما هي البروباغندا (الدعاية السياسية) وما هي الحقيقة. لكن طبيعة المعلومات في عصر وسائل التواصل الاجتماعي تيسر على السياسيين ومناصريهم وبرامج الكمبيوتر والحكومات الأجنبية، التلاعب بالأخبار، وتفاقم عسر الوقوف على الأخطاء ومراجعتها و «تصحيحها أو تصليحها».

* معلقة، مؤرخة، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 19/5/2016، إعداد منال نحاس.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى