صفحات سوريةفلورنس غزلان

عالم يساهم في تأثيث بيت البربرية


فلورنس غزلان

أيها العالم الغارق في صمتك ، كيف يمكن لضميرك الإنساني أن يتجرد من الأخلاق والمسؤولية أمام مايجري؟ حمص تذبح منذ عام ونيف، تباد وتخلى من سكانها ، عملية تهجير جماعية قسرية تفرض على أهلها، دوما..تُطالَب بإخلائها …وإلا تعرضت لإبادة شبيهة بحمص..يمنح القاتل سكانها 48 ساعة فرصتهم الأخيرة قبل الموت والتدمير، في حلب تمزق الجثث تحت التعذيب إرباً ثم تحرق الأجساد لأطباء قاموا بمهمتهم ومارسوا مهنتهم الإنسانية كما يفترض بهم…فكانت يد الجزار لهم بالمرصاد…ودير الزور تتعرض لأبشع اجتياح ومصائد للبشر تنتهي بانتشاء القاتل في تحقيقه نصراً جحيمياً على الفرات.

كيف وفي أي البنود والحقول التاريخية يمكنكم أن تدونوا هذه المذابح الجماعية ، التي يرتكبها قطاع الطرق الأسدية؟..كيف يمكن لعيونكم أن ترى ماتراه وتقفل الأجفان على هذه المشاهد ومعها تُطفأ كل جذوة لبقية من مشاعر البشر؟ .

تمهلوا قبل النوم بقليل والقوا نظرة على أسِرة أطفالكم وسكان بيوتكم..تصوروهم في حمص أو دير الزور ودرعا ودوما..أم أنكم خارج امكانية العقل والمنطق أن تنتقلوا لمكان مشابه؟.. استمهلوا نعاسكم ولو قليلاً…فالأرض لايمكنها أن تغفل عن غيابكم الوجداني…حمم الموت المنتظرة أمام العتبات المرتجفة على وقع سلاح أعدته وصَّنَعته وزودته يد شاركت بالإجرام وفعله، تفتعل الحرص وتضمر خلاعة العقل والإنسان وتجرده حين تطغى شهوة البنوك على حق مجتمع ما في حياة كريمة خالية من الذل والهوان..

لاتمضوا بعيداً في غيكم فرائحة الشي لأجساد بشرية تزكم أنوفكم المنتفخة بروائح العطور والموائد الفاقدة لمعنى الإحساس مسلوبة الجينات التشاركية لحياة كونية ومسؤوليات مواقعية تجيد التلاعب بوثائق الأمم وحقوق الشعوب.

لقد خلعتم من قلوبكم قدرة الماء الحي على التفاعل مع الآخر وغسلتم عيونكم وضمائركم بكحول لن يحترق فيه سوى أبناءكم وأحفادكم حين يقفون أمام محاكم التاريخ يحملون على أكتافهم عبء خطاياكم ونتائج أخطاءكم بحق شعبنا السوري…فبأي نوع من أنواع الندم سوف تتذرعون ؟، وأي زاوية من زوايا المستقبل سوف تلوذون بها لتتخففوا من عاركم؟

لم يعد لصوتي قدرة على الصراخ ولا لحنجرتي سعة على استيعاب المفردات التي تليق بكم أو كمية النعوت التي تستحقها وجوهكم الخالية من كل تعبير، فقد تجاوزت وحوش وكواسر الأسد كل حاجز أو خط لمحرمات أو حدود لأدنى صفات البشرية ، ارتكبت وترتكب مجازر وأهوال لايمكن أن نطلق عليها سوى ” جينوسيد” ، فلماذا تقف طوابيركم الحالمة بعيداً عن مساحة الرؤيا وتضع بينها وبين الإنسان السوري موانع وأعذار أشد قبحاً من مرتكب الجريمة ، لم يعد لتظاهركم ولامبالاتكم موطئاً لتفسير وفلسفة تناسب استغفالكم لمايجري، وماترشونه من رماد كشفت قدرة البطش انعدام مفعوله، فعربات حججكم الفارغة من حمولتها الوجدانية سقطت في حفر الأسد وهزئه بكم وبعهودكم وتشريعاتكم ، التي لاتخدم سوى أسياده الروس والايرانيين وتواطئكم مثقوب الرزانة باهت اللون والمعنى. فجروح المواطن السوري وبيوته المنهارة ستشهد حجارتها عليكم في محاكم الحق..تحسسوا أعضاءكم ورؤوسكم ..فقد تطالها يد عابثة من اغتيالات الأسد المتنامية…

يمكنني أن أجزم بأن العقل الإنساني خرج من رجاحته واستقر في جمجمة حيوان مفترس يتصيد أجنحة العصافير البريئة ويمنح لشهوة الدم قدرة فائقة على العيش بين ظهرانيكم …لأن صمتكم يختم ويبصم على فعله الشائن، ويهدر ماء الكرامة الإنسانية في هباء الريح العابثة بكل سطوتكم المخادعة المخدرة بأدوية الحجج التافهة …لكنها لن تشفع لكم فتحولات الكون غير قابلة للنكوص ، وآهات الأرض في حمص والدير وصلت البارحة لمسافات أبعد من كواكب المجموعة الشمسية…وأنتم تغطون بمؤتمرات وتلوذون بمخططات وتسودون الصحائف والشاشات، بينما يُلَوِّن بشار الأسد شوارعنا بالأحمر القاني وبرماد الهدم والتدمير ، على رؤوسكم تقف طوابير الغربان وتنعق بأنكم مجرد جيفة كونية مهترئة صفراء أمام مصالحها، متجردة من صفحات الماء والمرايا الإنسانية ..فقد كسرتها أيديكم المغلولة إلى جيوبكم الاقتصادية وخواءكم من حل ينقذ وطناً يلتهب إنسانه وأحجاره، فأي ثقة يمكننا بعد أن نجد لها نقطة في بحر وجعنا يمكننا أن نمحكم إياها ؟!.

لا أجد في جعبة غضبي سوى أن أقول لكم: تمرغوا بأصفاد غفلتكم، تمرغوا في حاضر سيكون تراثَ عار لتعاميكم، وأرِخوا على جدران الزمن خذلانكم لشعبنا وتخاذلكم أمام بربرية فرد استشرى نتيجة لخلافات في حسابات المنافع على حساب حق لشعب يعشق العيش بكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى