صفحات الرأي

عامان على الثورة السورية : مراجعات وعلاجات

ورشة الوحدة الوطنية وتجريم الطائفية

-1-

    احسان طالب

    عقدت ورشة الوحدة الوطنية وتجريم الطائفية مؤتمرها الخامس في القاهرة بتاريخ 25 | 3– 2013

    تحت عنوان : عاما على الثورة السورية مراجعات وعلاجات

    المحاور التطبيقية المقترحة:

    ١- مراجعة وتحديد نقاط القوة والضعف في الثورة المباركة خلال السنتين الماضيتين.

    ٢- علاج وتطوير للأداء المستقبلي لتسريع الحسم النهائي.

    ٣- تقديم مبادرة لحل الأزمة السورية.

    المحاورالبحثية المقترحة:

    1- خلق العوامل الطائفية، و استغلالها باللعبة السياسية والتحالفات الدولية والاقليمية.

    2- الأفكار الانفصالية وكيفية الحفاظ على وحدة التراب السوري.

    3- تجنب استطالات الأزمة السورية لدول الجوار.

    4- دور منظمات المجتمع المدني في المرحلة المقبلة.

    5- هياكل المصالحات الوطنية ودورها في تأمين الاستقرار.

    6- الهياكل المقترحة لإدارة المرحلة الانتقالية

    وسأنشر تبا اعا الأوراق التي طرحت

    العوامل الطائفية واستغلالها باللعبة السياسية والتحالفات الدولية والإقليمية)

    1 ـ نموذجان سابقان للتدخلات الدولية ودورها في خلق العوامل الطائفية واستغلالها باللعبة السياسية والتحالفات الدولية الإقليمية:

    عالج المجتمع الدولي والنظام العربي مشكلة الصراع الأهلي والإقليمي الذي دار فوق الأراضي اللبنانية والذي امتد لما يقرب من خمسة عشر سنة باتفاق محاصصة طائفية سمي اتفاق الطائف نسبة للمدينة السعودية ، وها نحن بعد ما يزيد على عقدين من الزمن نرى الإشكالات السياسية والاجتماعية والطائفية ما زالت تعصف تعصف بالدولة والمجتمع اللبناني بل ومازالت تدخله في دوامة التجاذبات الإقليمية والدولية بحدة ، تنعكس أزمات واستقطابات أمنية وطائفية تهدد استقراره كما تهدد وحدته وتماسكه وسلمه الأهلي.وفي بلد عربي أخر ليس ببعيد عن لبنان نجد العراق قابع في ظل استعصاء سياسي واضطراب أمني يفتح الباب مشرعا لصراع أهلي طائفي واثني شامل قد لا ينتهي إلا بخسائر بشرية هائلة ودمار واسع ولا يحل إلا تقسيم العراق وإنهاء وحدته السياسية والجغرافية، ولا يختلف كثيرون على أن أسباب جوهرية أوصلت العراق لما هو عليه لعل أولها الغزو الأمريكي للعراق والعقلية البريميرية ـ نسبة لبول بريمير الحاكم المدني الأمريكي للعراق الذي قاد المرحلة الانتقالية في العراق بعد إسقاط النظام العراقي السابق وما تلاه من تقسيم العراق إداريا وسياسيا وجغرافيا وفقا للنسبية الطائفية والعرقية.

    لقد استغل النظام العالمي والقوى الإقليمية التناقضات الطائفية ليزيد من الاشتباك الطائفي ويعمك الاستقطابات المذهبية في كل من العراق ولبنان ولم يعمل جاهدا على التخفيف من حدة الانقسام الديني والوجداني المتجذر في الثقافة العربية والإسلامي وبالرغم من أن المجتمعات العربية عاشت لقرون طويلة تحت رايات وطنية وقومية تفرضها قوة قاهرة مسيطرة ومهيمنة كانت تدفع بالاحتقان الديني نحو الأعمق بعيدا عن ظاهر التعامل المدني والسياسي إلا أنها كانت ترسخ الانتماءات الدينية والمذهبية والقومية بقوة وشدة دون أن تدري وربما بإرادة مبيتة هدفها استغلال القوة والنفوذ السياسي والاقتصادي لصالح طائفة دون غيرها من أطياف المجتمع.

    على الصعيد الاقليمي أصبح محل اتفاق ما انعكس على الدول المجاورة للعراق ولبنان جراء الحروب التي دارت فوق أراضيهما ، فدولة مثل ايران باتت تسيطر على القرار السياسي والاستراتيجي لشيعة العراق بواسطة حزب الدعوة وقائة السيد نوري المالكي كذلك هو الحال حيث بات لبنان أسير لإرادة الإيرانية بعد سيطرة حليفها الرئيس حزب الله بقيادة زعيمه حسن نصر الله ، وفي الطرف الأخر يلاحظ بوضوح دعم دول عربية كبرى كالمملكة السعودية لمقاومة المشروع العالمي الشيعي الإيراني في لبنان والعراق وسوريا والبحرين

    2 ـ كيف يمكننا إخراج سوريا من تلك اللعبة الدولية والإقليمية أو على أقل تقدير تخفيف مؤثراتها الحادة؟

    إن الاستقلال السياسي الوطني الكامل في ظل المعادلات الجيواستراتيجية العالمية وفي ظل ثورة الاتصالات وتنامي دور المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضرب من ضروب الخيال، فحتى الدول العظمى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية تجد نفسها مرغمة إلى حد كبير على الالتفات للنظام العالمي الجديدة وعدم الانفراد بالقرار ولو على الأقل ضمت تحالفات دولية كبرى كحلف وارسو وحلف الناتو ومجموعات دولية اصغر كالاتحاد الأوربي ومجموعة الثمانية، كذلك هو الحال لدى معظم دول العالم التي تتطلع لدور أكبر للمنظمات الإقليمية كالاتحاد الإفريقي والآسيان . وعلى الصعيد العربي نلحظ رغبة لدى الأنظمة العربية لاتخاذ قرارات تحت مظلة جامعة الدول العربية، أو مظلة مجلس التعاون الخليجي وغيرها من التكتلات الإقليمية والدولية. نحن ندرك أن الدول بمشاركتها بمنظمات إقليمية أو دولية تضع نصب عينها في المقام الأول مصالحها الوطنية والقومية، وتبحث عن الدعم لمشاريعها الداخلية والخارجية، لكنها تسعى في ذات الوقت لتجنب الصدام مع بقية دول العالم قدر الإمكان.

    تلك المقدمة كانت ضرورية لندرك الإمكانات الحقيقة لفكرة الاستقلال السياسي لسوريا الغد والمستقبل التي تحقق لأبنائها العدالة والمساواة والتقدم والاستقرار الحقيقي والمشاركة الفاعلة.

    إذن نحن نبحث عن منطقة ثابتة وقاعدة مستقرة تؤمن التوازن بين استقلالية وسيادة القرار الوطني والانخراط الطبيعي مع مؤسسات المجتمع الدولي.

    السوريون يستطيعون تجنب مخاطر التأثيرات الدولية الإقليمية التي تحكمت ببلدان أخرى كالعراق ولبنان عبر: أ ـ الابتعاد عن بناء النظام السياسي وفق تقسيمات طائفية أو مناطقية

    ب ـ إقامة دولة الديمقراطية والعدالة والمواطنة التي تحفظ الحقوق وتحمي الجميع وتمنع تكرار استغلال فئة لنفوذها العسكري والسياسي لإخضاع بقية السوريين والسيطرة على مقدرات الوطن

    د ـ التماسك والالتفاف حول المؤسسات السياسية والمدنية الوطنية وعدم الخضوع مباشرة للإملاءات الدولية والإقليمية

-2-

 الأفكار الانفصالية وكيفية الحفاظ على وحدة التراب السوري

        المحور الثاني :

    (الأفكار الانفصالية وكيفية الحفاظ على وحدة التراب السوري )

    مراجعات :

    انطلقت الثورة السورية في الثامن عشر من آذار باستشهاد شابين شاركا بمظاهرة سلمية في مهد الثورة السورية العظمى في مدينة درعا. كان أول الشعارات المرفوعة واحد واحد واحد الشعب السوري واحد، وانتشر ذلك الشعار كالنار في الهشيم وبات لازمة في كل مظاهرات أو خطاب ثوري سوري، وشاركت كل أطياف وأعراق الشعب السوري في الثورة دون استثناء بنسب متفاوتة، لكن الحقيقة المؤكدة هي تضامن السوريين بغالبيتهم العظمى في مواجهة الاستبداد والظلم والإقصاء، وكان رد فعل النظام سلبيا جدا حيث خرجت بثينة شعبان ـ مستشارة بشار الأسد ـ لتقول بأن التحركات والعصيان والتمرد ـ كما أسمته ـ الدائر على ساحات المدن والأرياف السورية هو حراك طائفي، ووصمت الشعب السوري بالطائفية، فما كان من السوريين إلا أن أسموا واحدة من جمعهم باسم المجاهد صالح العلي في بيان واضح لمنع الفصل الطائفي في الثورة، وسموا أخرى باسم الجمعة العظيمة في اتحاد مصيري ووجداني بين مسلمي ومسيحيي سوريا، وتعبيرا عن الوحدة العميقة كانت المظاهرات تخرج تحت شعار آزادي باللغة الكردية معلنة وحدة سورية بليغة تجلت بعض مظاهرها في تبوّء علويين وكرد ومسيحيين ودروز واسماعيليين مراكز قيادية عليا لأكبر التشكيلات السياسية المصاحبة للثورة، فجورج صبرا رئيس المجلس الوطني وغسان هيتو رئيس الحكومة المؤقتة ومنذر ماخوس سفير الائتلاف في فرنسا، وما هذه إلا نماذج فقط هدفها الإشارة إلى عقلية سورية وطنية طاغية قد يغفلها البعض وقد تتراجع تحت وطأة الظلم والتهميش أو الخوف من المستقبل .

    عند منتصف شهر أيلول من العالم 2011 أي بعد ستة أشهر من انطلاق الثورة السورية بدأ النظام بتسريب ونشر مخاوف من تقسيم سوريا، ونشر على وسائطه الإعلامية المرئية والمقروءة صورة لخارطة سورية تظهر تقسيم سوريا لدويلات على أساس طائفي، وروجوا لتلك المقولة عبر طابورهم الخامس من مخبرين وأبواق إعلامية وعناصر مخابراتية ومندسين في صفوف الثوار وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي المؤيد للسلطة بتقسيمات لسوريا التاريخية إلى دولة كردية ودولة علوية ودول سنية ودولة درزية ، وبالتأكيد فإن ذلك الهراء لا ينطلي على أحد إلا أن هناك مخاطر حقيقية للجوء النظام إلى اقتطاع جزء من سوريا كملاذ أخير وإقامة دويلة خاصة به يستمر من خلالها حكمه وإبقاء دولته الاستبدادية العنصرية للحفاظ على مصالح حلفائه الإقليميين والدوليين ( روسيا وإيران )، كما ستكون تلك الدويلةـ فيما لو وجدت ـ ورما سرطانيا يشكل تهديدا دائما ومستمرا لسوريا ما بعد نظام الأسد بحيث يحرم سوريا من حدودها البحرية ويعمل على إبقاء تواصل مع كيانات حزبية وطائفية موالية له في لبنان والعراق وتركيا.

    بعد سنتين من الثورة تقريبا برزت مخاوف مستقبلية وأحيانا وجودية لبعض الطوائف نتيجة لتنامي التوجهات الإسلامية الجهادية وطغيان الشعارات الدينية على الحراك السلمي وعلى التوجهات السياسية ( سيدنا محمد قائدنا للأيد) الشعب يريد خلافة إسلامية ) ويشكل ذلك تحديا لمنطلقات الثورة السورية وهي ظاهرة مستجدة ساهم في وجودها سياسات النظام الطائفية وغلواؤه المتطرف والعنيف.

    كذلك أوجد تنوع التشكيلات و المجموعات المسلحة وانخراط غير السوريين من المجاهدين العرب والأجانب فوضى مسلحة مازالت مضبوطة ومسيطرة عليها يخشى من تحولها لتمرد مسلح بعد زوال السلطة الحالية .

    ويبرز أيضا هنا تساؤل محق عن رغبة بعض الكورد السوريين في إقامة دولتهم الكوردية التاريخية التي تشكل الأراضي السورية جزء منها ، لقد دأب زعماء الأحزاب الكوردية الكبرى كالبارتي على تأكيد حرصهم على الحقوق القومية والثقافية والسياسية الكاملة للشعب الكوردي السوري وذلك ضمن سوريا الموحدة جغرافيا وسياسيا ، ويعتبر ذلك الموقف معبرا عن الرأي العام الكوردي السوري رغم ما يشوبه من تطلعات فيدرالية أو أمنيات قومية لا تتوافق مع التوجهات العامة للثورة السورية كما لا تنسجم مع الأجواء الدولية والإقليمية.

    علاجات :

    العلاج والوقاية من التطلعات أو الأفكار الانعزالية والانفصالية:

    1 ـ إن أقامة دولة القانون والحق والمواطنة التي تسودها العدالة والكرامة والمساواة وتنظمها الديمقراطية ،تجعل مواطنيها وأبناءها ملتزمين بانتمائهم الوطني وحبهم للدولة التي ينتمون إليها سياسيا . فالمشاركة السياسية والاقتصادية الفاعلة والعادلة تبعد الرغبات الانعزالية أو الانفصالية

    2 ـ التنمية الاقتصادية والبشرية وترقية الموارد الطبيعية والبشرية وتحقيق مستويات متقدمة من العيش الكريم وتأمين متطلبات الحياة والعمل وحقوق الإقامة والتنقل والتعليم والضمان الاجتماعي والصحي هي مؤشرات ومؤثرات قوية للحفاظ على الوحدة والانتماء

    3 ـ الحفاظ وحماية الحقوق الدينية والثقافية والاجتماعية والقومية لكل فئات وأطياف السوريين واحدة من أهم ركائز الوحدة الطوعية

    4 ـ الدولة القوية والمنيعة بسياساتها وحكومتها وجيشها وأمنها تزيح الأفكار والرغبات الانفصالية وتدعم الوحدة والتعاون

    5 ـ تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحات الوطنية وسيلة ناجعة وأساسية لنبذ الخلافات وإزالة الاحتقان وتبريد الأحقاد

    6 النظام السياسي الديمقراطي والتعددية الذي يؤمن التشاركية الكاملة والتناوب على الحكم والتداول السلمي للسلطة، ويعطي التمثيل العادل والمنصف لكافة أطياف وفئات الشعب ركيزة ودعامة صارمة للحفاظ على الوحدة والتماسك السياسي والاجتماعي.

    7 ـ إن التنوع الطائفي والإثني والثقافي والاجتماعي هو عنصر إغناء وقوة للحضارة والتاريخ السوري

    8 ـ نشر المبادئ والقيم السامية للإسلام كدين وسطي، ابتدأ بمكارم الأخلاق وانتهى بالعدل والتوحيد والرحمة ، وتجنب النظريات التكفيرية والحركات السياسية الرافضة لفكرة الوطن والمناهضة للمواطنة، عبر الحوار والتواصل وبالاستفادة من تجارب السابقة للدول المجاورة في تجاوز الفكر التفكيري والجماعات المتطرفة.

-3-

 سوريا كساحة لتصفية الحسابات وممر للمشاريع السياسية والطائفية

    المحور الثالث – تجنب استطالات الأزمة السورية لدول الجوار.

    سوريا كساحة لتصفية الحسابات وممر للمشاريع السياسية والطائفية:

    أنشأت السلطة الحاكمة في دمشق منذ سبعينيات القرن الماضي شبكة علاقات وتحالفات إقليمية ودولية كان ضابطها وقاعدتها محوران رئيسيان : الأول الاستمرار وتأييد الحكم الأسدي الفئوي ، والثاني بدأ مع انتصار الثورة الخمينية ( 1979) في إيران عبر الاندماج بالمشروع العالمي الإمبراطوري الفارسي المذهبي وابتدأ تنفيذ ذلك التوجه بإنشاء حزب الله في لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 بتشجيع من إيران، وبمساعي مجموعة من رجال الدين الشيعة، وعمل على تقويته ودعمه بالسلاح والمال والخبرات حتى صار القوة الأكبر في لبنان واختطف الدولة والقرار، كما استفاد المشروع الفارسي من الغزو الأمريكي للعراق 2003 وتمدد داخل العراق وسيطر على مفاصل الحكم ومؤسساته حتى باتت السياسة العراقية وتوجهاتها الداخلية والعربية والإقليمية ترسم في طهران وتخدم رغباتها وتطلعاتها الدولية.

    دأب “النظام” ألأسدي على توطيد علاقاته بالمنظمات الإرهابية واستغلالها للضغط على الدول المجاورة واستغلالها لتنفيذ عمليات تضرب الاستقرار السياسي وتفتت السلم الأهلي وتشيع حالة من الفزع والخوف والاضطراب الأمني بغية تنفيذ أجندات ومخططات سياسية ، وبدا ذلك النهج جليا في لبنان والعراق وتركيا.

    لم تكتفي إيران بأن تكون قوة إقليمية فاعلة مؤثرة بل أرادت التحول إلى قطب دولي مدعوم بالقوة النووية وثروة نفطية كبيرة ، وامتلاك موقعا استراتيجيا يسيطر على مضيق هرمز الحساس للتجارة الدولية وحركة الملاحة النفطية ،عليه أخذت تناطح الدول العظمى لتكون جزءا أساسيا من رسم السياسات العالمية ، والواقع أن ذلك الدور لا يتناسب مع القدرات الحقيقية والإمكانات المادية والإستراتيجية والبشرية اللازمة لتبوء تلك المنزلة التي تصبو إليها القيادة الإيرانية، فجارتها المناوئة لمشروعها العالمي والمذهبي تمتلك من الكفاءات والقوة العسكرية والاقتصادية والتحالفات الدولية ما يؤهلها للوقوف ندا قويا للمشاريع والمخططات الإيرانية. ناهيك عن مناهضة تلك التطلعات من قبل دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية .

    تلك التجاذبات والصراعات ألقت بظلالها القاتمة على المسألة السورية ما دفع للاقتناع بوجود احتمالات راجحة لامتداد الصراع السوري إلى الدول المجاورة ما يثير مخاوف حقيقية لتطور الصراعات الطائفية إلى لبنان والعراق وتوسع التناحر السياسي والتطلعات الشعبية نحو التغيير في بلدان عربية أخرى.

    جاء الانخراط المباشر والصريح لكوادر وعناصر حزب الله الشيعي اللبناني في دعم السلطة السورية بادعاءات الدفاع عن خط الممانعة والمقاومة والوقوف في وجه انتشار الجماعات التكفيرية المتشددة ، مبررا منطقيا لجماعات إسلامية سنية لدعم الثورة السورية ومواجهة التمدد الشيعي الإيراني.

    لقد باتت الساحة السورية ميدانا لتصفية الحسابات والمناورات السياسية الدولية والإقليمية متخذة أبعادا إيديولوجية وانحيازات دينية وطائفية ، فعلى سبيل المثال يفسر كثير من المحللين موقف الدعم الروسي الأعمى للنظام الحاكم السوري بخشية روسية من تحول سوريا إلى دولة إسلامية سنية كما صرح بذلك لافروف وزير خارجية بوتن. بالمقابل وصم رئيس الوزراء التركي بشار الأسد بأنه يشن حربا طائفية ضد شعبه ، كما أفصح نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي بأن انتصار المعارضة السورية سيؤدي إلى حرب طائفية إقليمية، ولا يخفى على أحد الإرادة السعودية الراغبة بقتال ومحاربة المشروع الإيراني الشيعي بمشروع عربي سني. هكذا يبدو الوضع السوري شديد التأثر وبالغ التأثير بمجريات التناحر الاستراتيجي والأيديولوجي الإقليمي والدولي ، فكون سوريا دولة مجاورة لإسرائيل فرض على الثورة السورية ضغوطا بالغة لمنع انتصارها وقضائها علي النظام الحالي الذي عد من قبل المستشارين والمحللين السياسيين أفضل جار لإسرائيل منهجه حفظ أمنها ومن جهة تحركه السياسي المعارض لأي تسوية تنهي الحرب الإعلامية التي يرفع راياتها في الوقت الذي صمتت جبهته معها طيلة عقود أربع، ولم يعد يغتر السوريون بدعاوى المقاومة والممانعة المرفوعة كشعارات للمحور الإيراني المتضمن حلفاءه في كل من لبنان والعراق وسوريا حيث أدركوا أن الغايات الحقيقية والخلفيات الخالصة لتلك الدعاوي إنما هي لتمرير مشاريع مذهبية وإيديولوجية لا تعنيها مسألة الصراع العربي الإسرائيلي إلا من ناحية الانتهازية والاستغلال والمنفعة

    العلاجات الوقائية :

    1 ـ لم يطلب السوريون تدخلا من دول الجوار لكن الولاءات السياسية والطائفية دفعت أنظمة وأحزاب ودول للاشتباك المباشر مع الثوار السوريين بهدف حماية النظام، ولمنع تمدد الصراع إلى بلدانها عليها التوقف عن دعم السلطة الحاكمة وإمدادها بالسلاح والعتاد والرجال

    2 ـ إن العمل على تقصير زمن الأزمة السورية عبر تحقيق تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والعدالة ودولة الحق والقانون هو الحل الأمثل لمنع انتقال الأحداث وتمدد الأزمات والتحريض على صراع طائفي مقيت

    3 ـ إن انتصار الشعب السوري وإنهاء حالة الاستبداد والطغيان وتحقيق العدالة ضمان أكيد لتخفيف حالة التجاذبات الخارجية وإنهاء الاصطفافات البعيدة عن الموضوعية والحكمة

    4 ـ لا ضمانات حقيقية تقدمها دول العالم الكبرى لمنع انتقال الصراع بل والحرب الدائرة في سوريا ولا تمتلك الهيئات والمنظمات العالمية والإقليمية أفقا واضحا أو خارطة طريق تخرج سوريا والمنطقة من النفق المظلم ، وعليه فإن العمل الحقيقي الصادق والجاد لوضع خارطة طريق لسوريا تعطي كل ذي حق حقه ستكون بمثابة الحد الصارم الذي سيكفل حصر الصراع بل والوصول به إلى النهاية .

-4-

 دور المجتمع المدني في الثورة السورية والمرحلة الانتقالية

    المحور الرابع

    4- دور منظمات المجتمع المدني في الثورة السورية والمرحلة الانتقالية :

    تُعرف منظمات المجتمع المدني : بالمجموعات الصغيرة التي تجعل من المجتمع معافى، وتملأ ما يدعى بالساحة العامة وتحل أغلب مشاكل الحياة اليومية التي هي ليست من اختصاص الحكومة باعتبارها (مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة، التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتآخي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والخلاف) وهذه التعريفات هي ما ينطبق بصورة دقيقة على المجتمع السوري، فالنظام الحاكم منذ عقود طويلة قتل المجتمع المدني وربطه بالهيئات الحكومية والمؤسسة الأمنية، لكنه فشل بإلغاء الروح المدنية أو إنهاء الدور الاستنهاضي للمجتمع الأهلي بدليل قيادته للانتفاضات الثورية السورية وقدرته التنظيمية الهائلة التي تفجرت عند الحاجة والضرورة . ويلحق كثيرون النقابات المهنية والعمالية بالمجتمع المدني طالما أنها لم تلحق سياسيا بالنظام الحاكم أو مؤسسات الدولة، كما يمكن اعتبار التجمعات أو الجماعات المؤسسة على خلفيات إثنية منظمات مدنية، كما ينطبق الحال على المجموعات الفنية والثقافية والعلمية الأهلية والرياضية.

    كان للمجتمع المدني في سوريا دور فاعل وجوهري في حمل راية الثورة وإعلان المطالب الشعبية التي كانت وراء انبثاق فجر ثورته ، عبر إنشاء بنية تنظيمية سميت التنسيقيات المحلية التي شاركت بفاعلية تنظيم الحراك الجماهيري والتظاهر السلمي وما يلزم من كتابة اللافتات وطباعة المنشورات وتوزيعها واتخذت على عاتقها تأمين المستلزمات الطبية والكوادر المهنية وإقامة المشافي الميدانية بعدما تصاعد تصدي النظام للمظاهرات السلمية بالرصاص الحي وسقوط إصابات هائلة في صفوف المدنيين، واستخدمت الجماعات المدنية فن الجرافيك graphic art بكافة أنواعه ومنها البخ على الجدران حتى بات ما يعرف في سوريا بالرجل البخاخ وهو لقب أطلق على كل من كان ينشر شعارات الثورة على الجدران.

    وحيث يعرف الجميع أن القوى السياسية التقليدية السورية فوجئت مثلها مثل غيرها بالانتفاضات الشعبية التي خرجت في كافة المدن والأرياف السورية ولم يكن لها أي دور يذكر في التحريض أو التنظيم أو التخطيط لكنها ركبت الموجة وحاولت إدارتها أو السيطرة عليها إلا أنها فشلت، ما أبرز الدور المهم والفاعل للهيئات المدنية السورية.

    واستفادت الجماعات المدنية من ثورة الاتصالات فشكلوا مجموعات على صفحات التواصل الاجتماعي وكان لها دور فاعل جدا في التحفيز والتنظيم ، إلى جانب العمل الإعلامي الجبار الذي قام فيه شبان مدنيون لم يسبق لهم العمل الإعلامي إلا أنهم أثبتوا قدرات فائقة في التعليم والتنظيم والاستفادة من الخبرات المتاحة

    ومارست التنسيقيات الشبابية المدنية تنظم المظاهرات وإدارة أعمال الإسعاف والطبابة بعد تصدي النظام بالعنف كالضرب والكسر وبالرصاص بمواجهة المتظاهرين السلميين ، وعندما أوغل النظام في محاصرة المناطق المحاصرة تم تنظيم مجموعات إغاثية تجلب المساعدات الغذائية والاحتياجات المعاشية، وكان لتلك الأعمال الدور الحاسم في استنهاض الشباب ونفخ الروح في المجتمع المدني السوري ومع تطور مراحل الثورة وانتقالها لمستوى متقدم حيث باتت رقعة واسعة من الأراضي السورية خارج سيطرة السلطة الحاكمة حيث نجحت منظمات المجتمع المدني السوري في إدارة وتنظيم المناطق المحررة وتشكيل المجالس المحلية والإدارية.

    خرجت المظاهرات من المساجد وشارك فيها كل أطياف المجتمع السوري واعتبر المسجد جزء من المجتمع المدني حيث كان من الطبيعي تواجد المسيحيين وأفراد وجماعات من كل الطوائف ينطلقون من المساجد وما حولها في مظاهرات عارمة أيام الجمع ، وفي ذلك أكبر الدلالات على فاعلية قدرة منظمات المجتمع المدني بتحريك الشعوب واستنهاض روح التحرر والمشاركة والتضامن والتقدم ونشر الوعي والتنظيم والتخطيط وهي أهم أدوار هيئات ومنظمات المجتمع المدني.

    دور المجتمع المدني بصورة عامة:

    و دور مركزي وفعال ويشكل أفراده وجماعاته البنية المدنية والأهلية والبشرية للمجتمعات عموما ، ويترتب علية في الدول المتقدمة دور كبير في رقابة الدولة وتصحيح مساراتها، وكلما كان حيا قويا وفاعلا في دولة ما كلما كنت مؤسساتها متينة ومتماسكة بعيدة عن الفساد وقريبة من عامة الناس بكافة طبقاتهم وشرائحهم .

    ـ يتميز المجتمع المدني بمرونة تسمح له بحرية التصرف والحركة واختيار آليات وأساليب لا تخضع لمؤثرات سياسية ، كما يتحلى بهامش كبير من الحرية يتيح له اتخاذ مواقف انتقائية لتعدد مرجعياته وتداخلها، وبذلك يكون له قدرة على التكيف والتلاؤم مع الظروف المحيطة والطارئة لإتمام المهام والوظائف الموكلة إليه، ولهيئات ومنظمات المجتمع المدني دور فعال في تثبيت المصالحة الوطنية وذلك عبر تحقيق الاندماج الاجتماعي بين أطياف الشعب، والبحث عن المشتركات التاريخية والوطنية والاجتماعية ، وسيكون إنشاء هيئات مدنية تجمع مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية والعرقية والدينية عملية فاعلة في التعارف والتقارب وقبول الأخر. إن التواصل الاجتماعي واحد من أهم عناصر تجنب عوامل التباعد والتناحر و تخفيف حدة الاستقطاب ما دون الوطنية، كما أنه القوة المعنوية التي تحطم حاجز الجليد بين المكونات الاجتماعية المختلفة . ولما كان المجتمع المدني يتمتع بالتنوع والتعدد والاتساع ، والقدرة على الانتشار داخل المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية، كان قادرا على لعب أدوار هامة في إنقاذ الوطن وصيانة وحدته وتحقيق المصالحة بين أبنائه ، حيث له تأثير يضاهي أحيانا دور القوى والتيارات السياسية، خاصة في ظل الصراعات الأهلية وفترة الانتقال من حالة الاستبداد والظلم إلى حالة الديمقراطية والعدل.

    المهام الرئيسة المطلوبة في المرحلة الانتقالية والمرتبطة مباشرة بالمجتمع المدني :

    1 ـالإسهام باستعادة الحياة الطبيعية عبر ترميم البنية التحتية ومؤسسات إدارة الحياة المدنية من مدارس ومشافي ومعامل وأسواق وطرقات ووسائط نقل ، مياه وكهرباء وتأمين أساسيات الحياة من طعام وغذاء وكساء.

    2 ـ المساعدة والترويج بتوفير الأمن والنظام وبسط سلطة القانون، وتنظيم السلطات الأمنية ، وإنهاء فوضى السلاح، والمبادرة بتشكيل أجهزة الشرطة والأمن وإمدادها وتزويدها بالمعدات واللوازم الأساسية والضرورية

    3 ـ الانخراط بتوفير مستلزمات الحياة الأولية والتي لا يمكن الاستمرار بدونها كالخبز وماء الشرب النظيف وتنظيف الأحياء والشوارع العامة وترحيل القمامة وإرساء القواعد الصحية لمنع انتشار الأمراض والأوبئة المعدية

    4 ـ المساعدة ومد يد العون للعمل الفوري على إصلاح وترميم المساكن التي دمرتها حرب النظام على الشعب والحرص على إيواء المشردين

    5 ـ البحث بإمكانات وسبل إعادة المهجرين إلى مساكنهم واللاجئين إلى ديارهم ،والمشاركة باعتماد خطط تنظيمية شاملة مدعومة باعتمادات مالية واقتصادية ولوجستية كبرى تشارك فيها دول الجوار ومنظمات مدنية عربية وإقليمية والتعاون مع هيئات الأمم المتحدة

    6 ـ إيلاء قضية المرأة والطفولة أهمية قصوى، فكثيرا من الأطفال باتوا بلا مأوى وبلا أهل أيتام فقدوا الوالد وفقدوا الأم ، ونساء فقدوا الابن والزوج والأخ ، ناهيك عما تخلفه الحروب الداخلية من أمراض ومآسي نفسية وعصبية وجسدية خطيرة على النساء والأطفال

    7 ـ إعادة الحياة للحركة الثقافية والفنية ورعاية الفن الملتزم بالشعب وقضاياه

    8 ـ نشر ثقافة الديمقراطية والتسامح والتآخي وإشاعة روح المواطنة وإعلاء شأن الوطن والإنسان

    9 تفعيل الدور الوطني والإنساني والأخلاقي للمراكز الاجتماعية الدينية وإبعادها ما أمكن عن التجاذبات السياسية لتكون عناصر وحدة ونقاط تلاقي تحمي المجتمع من الانزلاق في دروب الفتنة ومجاهل الاقتتال الأهلي .

    الآليات التي تساعد المجتمع المدني على تحقيق تلك المهام :

    إن أنجاز الدور السياسي والعسكري والأمني المنوط بحكومة انتقالية واستعادة واجباتها الأساسية هو المدخل الأول والسبيل لتمكين المجتمع المدني من انجاز المهام الملقاة على كاهله.

    البدء بتفعيل المجالس المحلية المنتخبة وإمدادها بالموارد المادية واللوجستية وتأمين سلامتها ودعمها سياسيا وإعلاميا.

    تثبيت المسار السياسي الديمقراطي وإحياء فكر المواطنة وتمتين الرابطة الوطنية يعد أحد أهم آليات تمكين المجتمع المدني الذي يؤمن حالة التوازن والانضباط والمراقبة لمؤسسات الدولة وأنظمة الحكم

    لقد استعاد المجتمع المدني السوري دوره في استرداد السياسة من السلطات والنخب، حيث باتت النخب السياسية المعارضة ملزمة بل مجبورة على تلبية المطالب الشعبية والاتساق بالمسار السياسي الذي تخطه الثورة ، فلا بقاء لأي تجمع سياسي لا يلبي مطالب الناس وإرادتهم.

    بناء وإقامة الهيئات الاعتبارية والمادية لتحقيق العدالة الانتقالية هي عامل جوهري في إعادة الصحة والعافية للمجتمع المدني وتجنب تفتيت التضامن الاجتماعي وتخريب السلم الأهلي.

    نشر الثقافة الديمقراطية وروح التشارك وقبول الآخر والتعايش مع الاختلاف وتعدد الآراء ونبذ التعصب وتجنب التشدد والعنصرية مهمة لصيقة بالمجتمع المدني وجدلية قيميّة يرتقي المجتمع بارتقائها

-5-

 المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية

    مؤتمر ورشة الوحدة الوطنية وتجريم الطائفية المحور الخامس:

    1 ـ المصالحات الوطنية هياكلها، ودورها في تأمين الاستقرار.

    إن تغيير النظام وتنحية رموزه وأركانه لا يحقق المصالحة والعدالة بصورة ميكانيكية ، ولا يعيد البلد لحالته الطبيعية ولا ينهي الاستبداد والفساد تلقائيا، إذ لابد من 1التخطيط والعمل من أجل ـ إعادة البناء المجتمع على أسس جديدة تحقق العدالة والكرامة والديمقراطية والعيش الكريم ، 2 ـ تأسس قواعد الدولة على بنيان ثابت يمنع التسلط وتكرار الدكتاتورية والاستبداد، 3 ـ ترد الحقوق لأصحابها وتقيم العدل وتنصف المظلوم.

    من هنا يأتي دور المصالحة الوطنية لتكون ركيزة اجتماعية وسياسية وقانونية في دولة حديثة عادلة ديمقراطية ينعم أبناؤها بالسعادة والهناء قدر المستطاع ، ويتعاظم دور المصالحة الوطنية عند البحث عن إزالة أسباب الانحدار الاجتماعي ومحو الأحقاد المتنامية جراء الأحداث الدامية والتدميرية التي عصفت بالوطن.

    المصالحة الوطنية مشروع أهلي وخطة وطنية وقيمة أخلاقية وإنسانية وحقوقية، تقتضي تعرف الضحايا على الجناة الحقيقيين ومحاسبتهم وتعويض المتضررين، وهي ليست مجرد لقاءات إعلامية أو بيانات سياسية وأطروحات نظرية، بل هي قضية محورية وضرورية لها ضوابطها وقواعدها وقوانينها، وهي حاجة ضرورية وعنصر حيوي لإعادة الوئام الاجتماعي والسلم الأهلي، كما أنها معنية بكل أبناء الوطن مهما اختلفت انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو السياسية، وتشمل هياكلها كل التيارات السياسية والفكرية من اليمين إلى اليسار، وإذا كانت النخب الثقافية أو السياسية تعتقد بأنها غير معنية بالمصالحة فهي مخطئة لأنها في صلب الموضوع وجزء من الأزمة والعلاج.

    إن فكرة الهيمنة أو السيطرة والانفراد في الحكم تعد عقبة رئيسة في سبيل تحقيق المصالحة، ما يمنع أبناء الوطن من تخطي الأزمات وتجاوز العقبات التي سببها التحول والانتقال من عالم الاستبداد إلى عالم الحرية، بل إن الرغبة في الاستحواذ و الامتلاك تخلق أجواء من عدم الثقة وتعيد أجواء الاحتقان والاستقطاب الا وطني من جديد ، وعلية كان لا بد من إقامة مجتمع المراقبة وتأمين المشاركة الحقيقية دون إقصاء أو عزل، واليقظة من تحويل الديمقراطية إلى استبدادية عددية؛ فالوطن لكل المواطنين أسياد وأحرار لهم نفس الواجبات ونفس الحقوق. هذا هو المنطق الذي يحكم صلب المصالحة الوطنية لأنه يعيد الحقوق لأصحابها ويعلي من شأن الإنسان ويكرس الوطن كحاضن وجامع وحامٍ للجميع دون استثناء. وعلية فالتغيير السياسي والإصلاح وحده لا يكفي للانتقال إلى حالة الاستقرار والأمن الاجتماعي إذ تشكل المصالحات الوطنية إجراءً ضروريا وحاجة ملحة لإتمام الانتقال والتغيير .

    المصالحة الوطنية تتناقض مع مفهوم العزل السياسي وتتوافق مع روح العدالة الانتقالية وإنصاف المظلومين يمكننا تحديد هياكلها وأطرها على الشكل التالي:

    1 ـ توافق المجتمع على قانون المصالحة الوطنية

    2 ـ بناء وإقامة مؤسسات دستورية قوية

    3 ـ استقلالية القضاء وعدم تسيسه وإخضاعه للقانون وليس للرغبات والمشاعر والأمنيات

    4 ـ تشكيل لجان مصالحة تتوافق مع العادات والتقاليد الشائعة في المجتمع

    5 ـ مؤتمر حوار وطني جامع ينظر بمعالجات جوهرية ومخلصة لفهم مشكلات الماضي وسبل تجاوزها ومنع تكرارها

    6 ـ إعادة الاعتبار لقيمة العفو في التاريخ العربي والإسلامي واستذكار أن قيمة الكرم هو العفو عند المقدرة

    7 ـ تشكيل هيئة حكومة خاصة بالمصالحة الوطنية، تتمتع بميزانية مادية خاصة و بصلاحيات إجرائية وقانونية واسعة.

    دور المجتمع المدني في المصالحة الوطنية:

    هو دور مركزي وفعال فهو المعني والمسؤول بالمقام الأول بالمصالحات وتجنيب أفراده الصراع والاشتباك. يشكل المجتمع المدني كأفراد وجماعات القاعدة البشرية والبنية المدنية والأهلية والبشرية للمجتمعات عموما ، تقوم المنظمان والهيئات المدنية في الدول المتقدمة بدور كبير بإقامة مجتمع المراقبة وذلك احياء دور الأفراد والمجموعات المدنية المنظمة برقابة أعمل وسير مؤسسات الدولة ووقف الانحرافات التي تحول دون تحقيق المصالحة والمشاركة ما يؤدي إلى تصحيح مسارات العمل الرسمي ويضخ الحيوية بمفاصل الحراك السياسي ، وكلما كانت الحياة المدنية منظمة وقوية فاعلة في دولة ما كلما كنت مؤسساتها متينة ومتماسكة بعيدة عن الفساد وقريبة من عامة الناس بكافة طبقاتهم وشرائحهم .

    ـ يتميز المجتمع المدني بمرونة تسمح له بحرية التصرف والحركة واختيار آليات وأساليب لا تخضع لمؤثرات سياسية، كما يتحلى بهامش كبير من الحرية يتيح له اتخاذ مواقف انتقائية لتعدد مرجعياته وتداخلها، وبذلك يكون له قدرة على التكيف والتلاؤم مع الظروف المحيطة والطارئة لإتمام المهام والوظائف الموكلة إليه، ولهيئات ومنظمات المجتمع المدني دور فعال في البدء بالمصالحة الوطنية وتثبيتها عبر تحقيق الاندماج الاجتماعي بين أطياف الشعب، والبحث عن المشتركات التاريخية والوطنية والاجتماعية، وإشاعة روح التآخي وتبادل التواصل.

    سيكون إنشاء هيئات مدنية تجمع مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية والعرقية والدينية عملية فاعلة في التعارف والتقارب وقبول الأخر، فالتواصل الاجتماعي واحد من أهم عناصر تجنب عوامل التباعد والتناحر و تخفيف حدة الاستقطابات ما دون الوطنية كالعشائرية والقبلية والطائفية ، كما أنه القوة المعنوية التي تحطم حاجز الجليد بين المكونات الاجتماعية المختلفة . ولما كان المجتمع المدني يتمتع بالتنوع والتعدد والاتساع، والقدرة على الانتشار داخل المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية، كان قادرا على لعب أدوار هامة في إنقاذ الوطن وصيانة وحدته وتحقيق المصالحة بين أبنائه ، حيث له تأثير يضاهي أحيانا دور القوى والتيارات السياسية المكبلة بأجنداتها الحزبية وأيديولوجياتها الفكرية، حيث نلاحظ في ظل الصراعات الأهلية وفترة الانتقال من حالة الاستبداد والظلم إلى حالة الديمقراطية والعدل لا يتوفر للأحزاب السياسية دور كبير بتحقيق المصالحات الوطنية لانشغالها غالبا بالقضايا الكبرى واستنفاذ طاقاتها في بناء التجاذبات السياسية، ما يبرز أهمية دور منظمات وهيئات المجتمع المدني.

    2 ـ محور العدالة الانتقالية:

    في ظل استمرار الصراع في سوريا لما يزيد على العامين وبعد ارتكاب النظام الحاكم لجرائم إبادة بحق المدنيين ونتيجة للخشية من تحول الصراع الحالي إلى حرب أهلية ، كان من الضروري البدء بدراسة تطبيق مفاهيم ومبادئ العدالة الانتقالية في سوريا، وتواترت تساؤلات طرحها السوريون عن طبيعة النظام القادم ومدى رسوخ قيم العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية في فكر وعقيدة الثوار، كما طرحت تساؤلات عن شرعية القوانين الحالية وعن أي من القوانين التي ستطبق في حال تحكيم العدالة الانتقالية وإلى أي مدى سيكون للمجتمع المدني دور في المصالحة الوطنية.

    لكن الأمر المتفق عليه هو أن العدالة يجب أن تأخذ مجراها بعيدا عن الحسابات الطائفية وغريزة الحقد وانفعالات الثأر كما أنه من المتفق عليه أن تكون سوريا الديمقراطية القادمة لكل أبنائها دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو المذهب.

    العناصر الشاملة لسياسة العدالة الانتقالية:

    1 ـ المحاكمات الجنائية: ،ويقصد بها عقد المحاكم المسؤولة عن محاكمة مرتكبي الجرائم مع الأخذ بعين الاعتبار تراتبية المسؤولية

    2 ـ لجان الحقيقة : لجان تقصي الحقائق بعضها مختصة بتقدير وتقديم التعويضات ومسح الأضرار :

    3 ـ الاعتراف بالجميل وتقديم التقدير : إيجاد السبل الملائمة والآليات التي من خلالها تعترف الحكومات بالمعاناة واتخاذ خطوات لمعالجة الأضرار في البنية التحتية .

    4 ـ الإصلاح المؤسسي لمؤسسات الدولة : إصلاح المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية والمؤسسة القضائية بما يكفل منع تغول سلطات الدولة على الشعب كما يعيد القرار لتحرك المؤسسة العسكرية والأمنية للسلطة التنفيذية المنتخبة من الشعب وإقرار القوانين المحصنة لحقوق الأفراد

    5 ـ لجان التوعية والتثقيف والمصالحة الوطنية

    6 ـ إقرار قانون خاص بالعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية

    7 ـ تغيير أساليب وأشكال العمل في النيابة العامة ، بما يساعد على تشجيع الضحايا للتبليغ عن الجناة ويسهل التعرف على الضحايا وعلى الجناة، وبما يسهل وصول الأفراد لمقار النيابة العامة

    حقيقة وجوهر العدالة الانتقالية:

    إنها لا تعني بالضرورة العدالة الجنائية فقط ، ولكن غير ذلك من أشكال العدالة، كالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص . وترتبط هذه الفكرة بالتالي بالتحول السياسي، مثل تغيير النظام أو التحول من الصراع المسلح إلى المصالحة الوطنية ، نحو مستقبل أكثر سلاما وديمقراطية بأدوات واضحة المعالم، ومن مهام العدالة الانتقالية حصر العقاب والمسؤولية بالأفراد وليس بالمجموعات العرقية أو الإثنية التي ينتمون إليها، فلا يجوز أخذ فئة أو جماعة أو طائفة بجريرة فرد أو أفراد منها، فالعدالة تستوجب معاقبة المجرم ذاته، بل وتستوجب تحصين وحماية أهله من الانتقام طالما أنهم ليسوا شركاء في الجريمة، وهذا جوهر قيمة العدالة فالهدف هو تحصين المجتمع والسعي لمنع تكرار الجريمة وليس فعلها بدلالة الانتقام أو الثأر

    التدابير والآليات:

    العدالة الانتقالية تشير إلى مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي يتم تنفيذها من قبل دول متعددة من أجل معالجة مخلفات انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتشمل هذه التدابير:

    1 – الملاحقات الجنائية

    2ـ لجان تقصي الحقائق،

    3 ـ برامج التعويضات،

    4 ـ أنواع مختلفة من الإصلاحات المؤسسية

    .5 ـ إجراءات مدنية وقانونية لترسيخ المصالحة وتمكين العدالة

    6 ـ إحياء وتفعيل دور المجتمع المدني ومنظماته وتأكيد انغماسه في تحقيق العدالة الانتقالية

    7 ـ تمجيد ذكرى الضحايا وإعادة كتابة تاريخ الحدث وتثبيت الحقائق وتخليد ذكرى الأبطال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى