صفحات سوريةعلي العبدالله

عام على ثورة الحرية والكرامة

علي العبدالله *
مرّ عام على ثورة الحرية والكرامة في سورية، فما المحصلة الميدانية التي نجمت عن مواجهاتها؟ في الرد على هذا التساؤل يمكن إيراد الملاحظات الآتية: الأولى، اتساع نطاق التظاهرات لتشمل معظم المحافظات بما فيها قرى نائية لم تكن حاضرة في وعي السوريين من قبل، وتزايد مشاركة المواطنين باضطراد، ونشوء حالة تضامنية بين المحافظات عبر ترديد الهتافات والأهازيج التي تعلن التضامن مع المدن والبلدات والقرى التي تتعرض للقصف والحصار والتنكيل. وكذلك تنظيم عمليات المواجهة بحيث تشتمل على إغاثة المدن والأحياء والبلدات المتضررة وتوفير مستشفيات ميدانية لإسعاف الجرحى في جهد هدفه تلافي وقوع الجرحى بأيدي الأمن والشبيحة الذين قاموا بقتل وتعذيب الجرحى في المستشفيات.
الملاحظة الثانية، رفض النظام فكرة الإصلاح، وتبنيه، من اليوم الأول للثورة، للخيار الأمني الذي تحول مع صمود الثورة واتساع نطاقها إلى خيار عسكري/ حربي، واستثماره للتحركات السياسية والديبلوماسية، وبخاصة الفيتو الروسي – الصيني، واستغلالها في تصعيد عمليات القتل والتنكيل بالمواطنين والمدن والبلدات والقرى. لقد اعتبر هذه التحركات مهلاً للقتل عله يغير الوقائع على الأرض وينجح في سحق الثورة فتوسع في عمليات القتل والتنكيل والاغتصاب بالتزامن مع كل تحرك سياسي وديبلوماسي. وقد كان لافتاً تزايد عمليات القتل الجماعي وبطرق بشعة، ذبح بالسكاكين لنساء وأطفال وشيوخ ورجال، في محاولة لاستدراج المواطنين إلى ردود فعل عصبية وارتكاب جرائم مماثلة كمدخل لإشعال صراع طائفي، غير أنه لم ينجح نتيجة حصافة المواطنين ووعيهم السياسي.
الملاحظة الثالثة، عمل النظام على تقطيع أوصال البلاد والمدن الكبيرة ليمنع حصول تظاهرات مليونية تبرز ضعف شعبيته وتآكل شرعيته وقد نجح إلى حد كبير في تحقيق هدفه عبر استخدام القوة المفرطة وكل أصناف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة.
الملاحظة الرابعة، النزوح الواسع من المدن والبلدات التي تتعرض للقصف والتنكيل حيث نزح من حمص وحماة وإدلب وأريافها وبعض بلدات ريف دمشق آلاف المواطنين وتحولوا إلى مشردين في دول الجوار (تركيا، الأردن، لبنان) وفي مدن دمشق وحلب في شكل خاص، يبحثون عمن يساعدهم على تأمين سكن ومأكل.
الملاحظة الخامسة، توسع النظام في استخدام الأسلحة الثقيلة: دبابات، هاونات، راجمات صواريخ، مدافع، ميدان طائرات هيلوكبتر والطائرات من دون طيار التي زودته بها إيران وروسيا للرصد وتحديد الأهداف استخدمت في حمص وحماة وإدلب ودير الزور وريف دمشق (الزبداني ومضايا ورنكوس وسقبا وحمورية ويبرود) ودرعا وريفها وريف حلب (إعزاز، الاتارب).
الملاحظة السادسة، بروز ظاهرة الانشقاق عن الجيش النظامي وبدء تشكل كتائب عسكرية تحت اسم الجيش السوري الحر والذي كسب تأييد الثوار وتحول إلى مركز جذب للمتطوعين من المدنيين وازدياد المراهنة عليه وعلى دوره في الدفاع عن المواطنين العزل ولجم وحشية النظام.
الملاحظة السابعة، ميل المواطنين للدفاع عن النفس وبروز ظاهرة التسلح في شكل واسع نتيجة يأس المواطنين من حل سياسي والخطر الداهم والمتصاعد على حياتهم وأسرهم.
الملاحظة الثامنة، حصول قطيعة نفسية عميقة بين الشعب والنظام بحيث غدا التفاهم بين الجانبين مستحيلاً، وهذا قطع الطريق على فكرة الحوار بين المعارضة والنظام.
الملاحظة التاسعة، حالة إحباط في الشارع سببها تراخي المجتمع الدولي والنتائج الهزيلة التــي صــدرت عن مؤتــمر أصدقاء الشعب السوري.
الملاحظة العاشرة، انزياح مواقف السوريين بعامة والدمشقيين بخاصة وميلهم إلى جانب الثورة والذي بدأ من خلال الاهتمام بالأحداث وهيمنتها على حديثهم اليومي مع ميل لتصديق رواية المعارضة، وتطور ليأخذ شكل دعم إغاثي ومالي لينتقل إلى المشاركة في التظاهرات المناوئة للنظام ومقاطعة المسيرات الموالية له.
الملاحظة الأخيرة تراجع شعبية النظام كما يظهر من تراجع أعداد المشاركين في المسيرات الموالية حيث تناقص العدد كثيراً ولم تعد السلطة تستطيع حشد الآلاف كما كانت تفعل في بداية الثورة (في المسيرة الأخيرة، الخميس 15/3، وحرصاً من النظام على تعظيم الحشد، جرى قسر الموظفين على المشاركة وإجراء تفقد اسمي في مقرّ العمل وفي ساحة الأمويين مركز التجمع).
لم تستطع الثورة تحقيق هدفها الرئيس: إسقاط النظام، نتيجة عوامل كثيرة لعل أبرزها البنية الأمنية التي عمل النظام على إقامتها منذ انقلاب 1963 وتعمّقت بعد انقلاب 1970 بتدعيمها بعصبية طائفية. لكن في المقابل عجز النظام عن هزيمة الثورة وإعادة المواطنين إلى بيت الطاعة وما زالت الاحتمالات مفتوحة.

* كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى